صفحات العالم

قراءة خليجية في ملف التطورات السورية


ناصر العبدلي

رغم قناعتي أن الشعب السوري كغيره من الشعوب العربية يطمح إلى دولة ديمقراطية قائمة على العدالة الإجتماعية والمساواة بين مكونات المجتمع السوري وتكون فيها السلطة خيارا شعبيا نابعا من صناديق الإقتراع إلا أن قناعتي الأخرى هي أن تدخل الولايات المتحدة وبعض حلفائها في المنطقة الخليجية لم يخدم هذا الطموح .

موقف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا من النظام السوري يمكن فهمه في إطار حقيقتين أولهما أولويات الغرب عموما في منطقة الشرق الأوسط وهي ضمان تدفق النفط لإستمرار الرفاه للشعوب الغربية وأمن إسرائيل والحيلولة دون نهوض عربي إسلامي فيما يتعلق الأمر الثاني بإرتباط ذلك النظام بتحالفات خارج أطار التحالفات الغربية في المنطقة وليس كما يعتقد البعض أن لديه مشروعا لتحرير فلسطين أو حتى الجولان .

الصراع في منطقة الشرق الأوسط ليس صراعا من أجل تحرير أو من أجل تطوير بل هو صراع نفوذ وأقتصاد يتمحور حول الأولويات الثلاث التي ذكرتها آنفا أطرافه الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو من جهة وتحالف روسيا والصين وبعض الدول القريبة منهما كالهند وفنزويلا وإيران وربما البرازيل بإعتبارها جزءا من تحول صناعي ضخم يبحث عن أسواق له في المنطقة الغنية بالنفط وليس للمثالية وجود ضمن هذا الصراع بل هو مصلحة بحتة وحسابات دقيقة .

في إطار هذا الصراع هناك شعوب ‘تهرس’ بكل وحشية في ليبيا وحدها قتل مايقارب 70 ألف مواطن تحت قصف ‘الناتو’ وفي السودان قتل أكثر من هذا العدد بكثير من أجل السيطرة عليه ولما أخفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها هناك عملوا على تقسيمه ليكون سودانين أحدهما سودان صيني بقيادة عمر البشير وآخر أمريكي بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان.

هناك شعوب أفريقية ‘هرست’ هي أيضا في ظل هذا الصراع الدولي على القارة السوداء وكان الضحايا بالملايين كما في رواندا وغيرها من الدول الأفريقية كل ذلك في إطار البحث عن مواقع نفوذ يمكن تحويلها إلى حياة أكثر رفاهية للشعوب الغربية على حساب شعوب تلك البلدان الغارقة في الجهل والتخلف وفي كل مرة يجدون شعارا يرفع للتغطية على حقيقة ذلك الصراع فتارة يفتعل بإسم الحرية وحقوق الإنسان وأخرى يفتعل بإسم إنقاذ الشعوب من ديكتاتور لكن الحقيقة هي أن القضية بئر نفط أو منجم أو طريق لأنبوب نفط .

ما يثير الإستغراب في تلك الأجواء هو موقف الدول الخليجية المؤيدة للتغيير في سوريا فهي بالطبع ليست على وفاق مع المشروع الديمقراطي حتى يكون موقفها نابعا من رغبتها في رؤية مثل ذلك المشروع يجتاح المنطقة وخاصة في سوريا فلو كانت كذلك كان الأحرى بها أن تبدأ بنفسها أولا، كما أنها لا تملك رؤية خارج أطار الأولويات الغربية الثلاث وقد أثبت ردود أفعالها حيال بعض الأحداث في المنطقة أنها لا تملك مثلها .

اذن ما قصة ذلك الموقف من جانب الدول الخليجية ولماذا تدفع بكل قواها خلف مشروع ربما يحمل في طياته خطورة أكبر بكثير على الشعوب الخليجية وربما الأنظمة مما لو بقي النظام السوري في موقعه الحالي على الأقل في ظل الصراع العربي الإسرائيلي، هل القضية هي الخوف من التمدد الإيراني في المنطقة الخليجية بالطبع لا فالولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما لن يسمحا لإيران بالتمدد الجغرافي وهذه هي قواعده تملأ المنطقة.

ماهي خلفيات ذلك الموقف الخليجي هل القضية إنسياق خلف الولايات المتحدة والغرب عموما وفقا لنظرية السيد والعبد تلك التي نصح بها الفيلسوف اليوناني الشهير ارسطو تلميذه الأسكندر المقدوني دون أن يكون خلفها ‘أجندات’ محلية ؟ لا .. هذا الأمر يكذبه الدور الخليجي في اليمن عندما أجهضت الثورة الشعبية هناك من خلال دفع الأموال للمفاصل المؤثرة في النظام وإعادة ترتيب السلطة وفقا للمصلحة الخليجية وكذلك في البحرين.

ليس هناك ما يؤشر على إمكانية تفسير الحالة الخليجية تجاه ما يجري في سوريا وهناك الكثير من المواقف المتناقضة والملتبسة سبقت تلك الحالة فهناك موقف من الثورة التونسية وآخر من الثورة المصرية وثالث مما جرى في ليبيا ورابع تجاه اليمن وخامس تجاه البحرين الأمر الذي يربك أكثر المحللين قدرة على تفسير المواقف وفهمها، هل يمكن ان يكون الموقف مما يجري في سوريا أمرا شخصيا يقوده وزير خارجية هنا أو وزير خارجية هناك؟! أم أن الأمر أكبر من ذلك.

الحقيقة التي يمكن رؤيتها بسهولة أن هناك إخفاقا ضخما في تحريك الواقع السوري بغض النظر فيما إذا كان التحريك من أجل إسقاط النظام وتسليم السلطة إلى مقربين من المشروع الغربي أم أن القضية فعلا تحتمل مشروعا ديمقراطيا مميزا في المنطقة كما حدث في المشروع الديمقراطي المميز في العراق، وهذا الإخفاق كما أتوقع لمشروعين مختلفين فهناك مشروع غربي واضح ومحدد تجاه سوريا ويمكن فهمه في إطار الصراع بين الدول المتصارعة دوليا، وهناك مشروع خليجي غير واضح ولا يمكن فهمه مهما طرح من المبررات .

كل ما قامت به الولايات المتحدة والغرب عموما والدول الخليجية في سوريا هو ‘تسمين’ الأرنب وأقصد به كل تلك التحالفات السياسية والعسكرية المناهضة للنظام السوري حتى يكون لقمة سهلة الإبتلاع والهضم بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وبتلك الخطوة ربما نكون خسرنا فرصة تاريخية لإصلاح الوضع السوري دون عنف وقتل من جانب طرفي الأزمة المحليين في سوريا حيث كان يمكن ممارسة ضغوط شعبية حقيقية على النظام من أجل الإصلاح وإذا لم يستجب هناك من الأدوات غير العنيفة التي يمكن إستخدامها .

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى