صفحات الناس

قراءة سوريا بالصور الجوية والخرائط/ حسن داوود

 

 

منذ أعوام قليلة صُوّرت الكوريتان، من ارتفاع يكاد يكون فضائياً، ليظهر الفارق الهائل في استخدام الطاقة الكهربائية بين الشمال والجنوب. الآن استخدمت تقنية التصوير ذاتها، عبر الساتلايت، لتصوير ما آلت إليه أحوال تلك الطاقة في المدن الرئيسية في سوريا. بالمجمل، تقول الدراسة التي نشرتها النيويورك تايمز على مدار أيام متوالية، وما زالت معروضة على مواقعها حتى الآن، أن الظلمة في سوريا زادت بنسبة 83 بالمئة عما كانته قبل الحرب. الإظلام الأشدّ أصاب حلب، مدينة المليوني نسمة (سابقا)، حيث بلغت النسبة 91 في المئة. أما الأسباب التي تدفع إلى ارتفاع هذه النسبة، في المدن السورية جميعها وليس في حلب وحدها، فيمثل في رأسها إشتراك قوى مسلحة متعدّدة في السيطرة على المدينة، ما يجعل المواجهات مستمرة، وما يبقي تدمير البنى التحتية قائما، وهذا ما يؤدي إلى هجرة الأهالي عن مدينتهم.

كان الهدف من تصوير الكوريتين آنذاك إظهار الإختلاف بين نظامي الحكم في الشمال والجنوب. الشمال مثلا، الواقع تحت سلطة الوراثة الإشتراكية، بدا مطفأ كلّه، باستثناء العاصمة، مركز سلطة البلاد وإدارتها. أما في سوريا فالصور المتقابلة تظهر الفارق بين الحاضر والماضي، بين ما هي مدن سوريا الآن وما كانته قبل أربع سنوات. كانت الصحيفة قد نشرت دراسة مماثلة قبل نحو شهرين أو ثلاثة، قائمة على الصور المتقابلة أيضا، وموضوعها نسبة الدمار التي حلّت بالمدن. في هذه الصور وتلك، سواء تعلّق الأمر بالدمار أو بالظلام، لا أثر للتفاصيل ولا مما يُستخلص منها. نحن فقط إزاء صور رمادية  للمدن المشاهَدة كأنما من إرتفاع شاهق لطائرة حربية، هذا في صور المدن المدمرة، أما تلك التي تختص بالظلام  فالسواد تام، ونسبته 100 بالمئة هذه المرّة. الغرض من ذلك أن يبدو سطوع تلك الحبيبات الضوئية القليلة دالا على قوة الظلام المحيط بها.

التحقيقات الصحافية عن سوريا باتت معتمدة على الصور الشاملة، المأخوذة عبر الساتلايت أو من غوغل أو من الطائرات، وليس على الكلام المكتوب. التحقيقات باتت تحملها الصور، وكذلك الخرائط، على نحو ما نشاهد في نشرات الأخبار عندنا. إنه تطوّر جديد في نشراتنا أن تفصح الخرائط المتحرّكة عن تقدم هذا الطرف المحارب وتراجع ذاك. هذا يساعدنا على أن نتلقى ما تتفتّق عنه المواجهات بأكثر من حاسة واحدة.

في حرب مثل هذه اتسعت فيها مساحات الأرض وارتفع فيها عدد المقتولين والمقتلعين إلى أرقام ذات أصفار كثيرة سيكون على الصور الفوتوغرافية أن ترتفع وترتفع حتى تصير رؤية الأرض قريبة من رؤية خارطة. إننا هنا نتحدّث عن أرقام ونسب بين الأرقام. لم نعد هنا في روايات الحرب الأولى وأخبارها، كمثل ما سمعنا عن أطفال درعا الذين عذّبوا وقتلوا. ولم نعد إزاء ما كان يريد إلينا من أسماء لسياسيين أو فنانين انضموا إلى الثوار، كما لم نعد في التظاهرات التي كانت تعمّرها الخطى الراقصة. لقد بتنا في زمن آخر حيث الثلاثمئة أو الخمسمئة الذين ماتوا منذ يومين أو ثلاثة ما عادوا يحدثون فرقا، سواء في ما يتعلّق بالعدد، أو بالنسب.

وكذلك لم تعد تحدث فرقا صور العائلات المهجّرة ما دام أنها ما فتئت تتكرّر منذ أن نزحت مجموعة التهجير الأولى. هذه الصور الأخيرة لبؤس العائلات لم تعد تثير مشاعر ولا تدفع إلى التعاطف. ثم أن هذه المرأة وأطفالها هم أربعة أفراد أو خمسة، أو ربما ستة.. ستة فقط من 11 عشر مليونا هم الذين هجروا من بيوتهم، إلى داخل سوريا أو إلى بلدان العالم الأخرى.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى