صفحات سوريةقصي غريب

قراءة في زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي لدى سورية الى مدينة حماة


الدكتور قصي غريب

   في خطوة مدروسة بدقة من قبل الادارة الأميركية والحكومة الفرنسية وأيضاً النظام في سورية، قام السفيران الأميركي روبرت فورد والفرنسي أريك شوفالييه لدى سورية بزيارة الى مدنية حماة، التي تحاصرها الدبابات والقوات الأمنية من أجل اقتحامها؛ لأنها شهدت أكبر مظاهرة احتجاجية في سورية تطالب باسقاط النظام منذ منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في 15 آذار 2011.  

   ويبدو أن الزيارة الى مدينة حماة وفي هذا الوقت بالذات من قبل السفيرين الأميركي والفرنسي قد جاءت بعد أن أحاطت السلطات في سورية الادارة الأميركية والحكومة الفرنسية علماً بانها ستقوم بشن عملية عسكرية على مدينة حماة لسحق الاحتجاجات المناهضة والذي تتهمها كذباً بانها مسلحة، أو قد توافر للسفيرين الأميركي والفرنسي المعلومات الأكيدة بان السلطات في سورية قد اتخذت قراراً باقتحام المدينة، وانها ستقوم بمذبحة لسحق الاحتجاجات على غرار ما حصل في العام 1982، لتكون مدينة حماة مرة اخرى عبرة للسوريين وتأديباً لهم اذا ما فكروا بمناهضة الحكم واسقاط النظام، ولهذا فان الزيارة من قبل السفيرين الأميركي والفرنسي الى مدينة حماة قد جاءت لاعاقة النظام الأرعن والأحمق عن شن عملية عسكرية على المدينة؛ لأنه سيؤدي الى تداعيات خطرة تسهم في انهيار النظام وسقوطه، ومن هذا المنطلق فقد جاءت الزيارة من باب حرصهم على استمرار النظام وبقائه.

 وهنا يجب القول والتأكيد ان الذي شجع النظام في سورية على الاستمرار بالحل الأمني لقتل الشعب السوري ميوعة وتلجلج الموقفين الأميركي والأوربي، فأصبحت لديه قناعة راسخة من ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي لا يريدان تغييره، وانما اصلاحه على الرغم من كل جرائم الابادة ضد الانسانية التي اقترفها النظام ضد الشعب السوري من أجل ضمان أمن اسرائيل.

وأيضاً قد جاءت زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي لدى سورية الى مدينة حماة اعلان براءة دولية من قبل الولايات المتحدة وفرنسة اذا ما أقدم النظام على اقتحام المدينة وارتكاب مجزرة مماثلة لمجزرة حماة 1982، أي انها خطوة دولية متقدمة لزيادة الضغوط على النظام لثنيه عن حماقاته واجباره على البدء باصلاحات حقيقية من أجل استمراره وبقائه وهذا ما يريدان، ولكن النظام المتخلف لن يقوم بأي خطوة اصلاحية؛ لأنه يعرف ان الاصلاح الحقيقي يعني رحيله الى الأبد، ولذلك فهو ما يزال يمارس المناورة والتدليس على أمل كسب الوقت لانهاك الشعب السوري وتمييع مطالبه ولكن النظام نسى أوتناسى انه سيرحل عاجلاً أو آجلاً، لأن ارادة الشعب السوري مصممة على اسقاطه وان طال الزمن .

 كما يبدو من جهة اخرى ان زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي الى مدينة حماة قد جاءت بدواعي معرفة الحقيقة من أجل البدء باعادة النظر في الموقفين الأميركي والفرنسي من النظام وتغييره من منطلق ان السفير يجب أن يكون لديه حكم سليم ولاسيما وان قدرته تتوقف للوصول الى الرأي الصحيح والحكم الصائب على الأحداث واستقراء ما ينتظر وقوعه من تطورات نتيجة وصوله الى المعلومات الصحيحة واتجاهات المسؤولين؛ مما يؤهله لأن يضع أمام حكومته الصورة الصادقة الواضحة لكل ما يجري في البلد المعتمد فيه.

 وفي هذا السياق وبالفعل لا بالقول وبعيداً عن استخدام اللغة الدبلوماسية المليئة بالعبارات المنمقة والمتزنة والمدروسة بحذر ويقظة والمليئة بعبارات التورية قام السفيران الأميركي والفرنسي لدى سورية بزيارة مدينة حماة للاطلاع ميدانياً على الأوضاع فيها لاخبار حكومتيهما ووضعهما بالصورة الصحيحة وليس من خلال التصورات، اذ انهما لم يستخدما اللغة الدبلوماسية وعبارة : ” ان بلديهما في مرحلة اعادة النظر باهتمام في الموقف “، ولكنهما قد استخداما اللغة الدبلوماسية بشكلها العملي وليس القولي من خلال معايشة المظاهرات المطالبة باسقاط النظام ومعرفة انها سلمية وليست مسلحة كما يداعي النظام، ولهذا أكد الملحق الأميركي في السفارة الأميركية في دمشق جاي هاردر ان الحكومة السورية لا تنفك تؤكد ان المشكلة في حماة هي وجود عصابات مسلحة، وان السفير فورد لم ير أي دليل على وجودها في هذه المدينة التي شهدت الجمعة 8 تموز 2011 تظاهرة ضخمة قدر ناشطون عدد المشاركين فيها ب450 الف شخص، وقال مصدر أميركي مطلع لمراسل فضائية العربية في دمشق ان السفير فورد أراد أن يرى بعينيه ماذا يحدث على الأرض، وبالفعل فقد رأى متظاهرين موجودين بالشارع بشكل سلمي بنسبة مائة بالمائة ولا وجود لعصابات مسلحة في المدينة، وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية ان السفيرالفرنسي لدى دمشق أريك شوفالييه يزور مدينة حماة في يوم الجمعة 8 تموز 2011 بهدف اظهار التزام فرنسا تجاه ضحايا المدينة الذين يعانون من قمع السلطات ومراقبة الاحتجاجات، وكيفية تعامل السلطات السورية معها.

     ومن الجدير بالذكر ان الموقف الفرنسي المتقدم نسبياً عن مواقفه السابقة قد جاء من بوابة المنافسة السياسية للولايات المتحدة وخاصة في منطقة تعدها فرنسة حيوية لها ولدول الاتحاد الاوربي، اذ لم ينفكوا يؤكدون على ان هناك روابط متينة بين المنطقة وأوربة تقوم على الجوار الجغرافي والتاريخ الطويل والروابط الاقتصادية والمصالح المشتركة والعلاقات الشخصية الوثيقة والأمن المتبادل لارتباط الاقدار ببعضها، ومن هنا كانت الدعوة للشراكة الأوربية المتوسطية تعبيراً عن رغبة أوربة وفي مقدمتها فرنسة في جعل البحر الأبيض المتوسط أوربياً وليس أميركياً، ورداً على اصرار الولايات المتحدة الانفراد بمقدرات الشرق الاوسط، وقد أدى الحوار العربي الأوربي بقيادة فرنسة دوراً مهماً في تفعيل سياسة الاتحاد الأوربي في المنطقة، والتي تحولت سياسته من حوار الى مشروع الشراكة الاوربية المتوسطية للمساهمة في عملية بناء المنطقة، وليشكل منافساً لمشروع الشرق الأوسط الأميركي، فالاتحاد الأوربي بقيادة فرنسة يسعى من خلال هذا المشروع الاقتصادي الى تعزيز دوره السياسي بهدف الحد من النفوذ الأميركي الذي اتسع بعد نهاية الحرب الباردة بين العملاقين، فالفرنسيون لم يترددوا في الاعلان عن رفضهم للقيادة الأميركية للقرن الواحد والعشرين، فالرئيس السابق جاك شيراك أعلن في أول زيارة قام بها الى الولايات المتحدة عقب تسلمه السلطة : ” انه ليس من المعقول أو المقبول أن نتخيل أن تكون الارادة والقرار لأميركا دائماً في حين تقوم أوربة بدفع فاتورة الحساب “، كما صرح وزير الخارجية الفرنسية الأسبق هيبير فيدرين ان الدبلوماسية الفرنسية تعطي أولوية قصوى في القرن الواحد والعشرين لمواجهة الاحتكار الأميركي وان الاتحاد الأوربي هو الفكرة المناوئة للنفوذ الأميركي، وكان رفض الأوربيون وخاصة فرنسة للهيمنة الأميركية في الساحة الدولية قد دفع وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد الى وصم أوربة باستخفاف أوربة العجوز مع ان واشنطن في العادة تمنح على الأقل شكليات المكانة المساوية الى شركائها الأضعف منها.

وكانت واشنطن قد أوضحت ان الزيارة التي قام بها السفير الفرنسي لدى سورية أريك شوفالييه الى مدينة حماة يوم الجمعة في 8 تموز 2011 لم يجر تنسيقها مع زيارة نظيره الأميركي.

ولكن السؤال الذي يطرح هل كانت زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي الى مدينة حماة، وخاصة زيارة السفير الأميركي بمعرفة وموافقة السلطات في سورية أم من ورائها ؟.

 والجواب ان الزيارة كانت بمعرفة وموافقة السلطات التي حاولت ان تتذاكى من أجل ان تؤكد وجهة نظرها الرثة والمبتذلة التي ما انفكت ترددها منذ أن اندلعت المظاهرات الاحتجاجية في سورية في 15 آذار 2011 وخاصة في مدينة حماة ورائها أيادي خارجية وخاصة الولايات المتحدة، ولهذا وعلى اثر اعلان واشنطن عن هذه الزيارة سارعت السلطات في سورية الى التأكيد بان الولايات المتحدة متورطة في الحركة الاحتجاجية التي تشهدها سورية والتحريض عليها، فقد قالت وزارة الخارجية السورية في بيان لها ان : ” وجود السفيرالأميركي في مدينة حماة من دون الحصول على الاذن المسبق من وزارة الخارجية وفق التعليمات المعممة مراراً على جميع السفارات دليل واضح على تورط الولايات المتحدة في الأحداث الجارية في سورية ومحاولتها التحريض على تصعيد الأوضاع التي تخل بامن واستقرارالبلاد “، وأكدت وزارة الداخلية السورية في بيان لها ان السفير الأميركي التقى في حماة ببعض ( المخربين ) وحضهم على التظاهر والعنف ورفض الحوار وقالت بثينة شعبان ان السفير لم يطلب اذناً بزيارة حماة، ووصوله اليها خلال قيام أهلها بايجاد حل للمشكلة هو محاولة منه لمنع الحل، وتساءلت كيف وصل السفير الأميركي الى حماة في مناطق يقطع طرقها ( المخربون والمشاغبون وحملة السلاح ) … من دون أن يتعرض له احد من المسلحين الموجودين في الشارع ؟ – وهذا ايحاء سخيف من قبل بثينة شعبان على ان هناك علاقة بين السفير الاميركي والاف المتظاهرين وهذا غير صحيح بالمرة -، كما قال مصدر اعلامي ان وجود السفير الأميركي بحماة دليل على الدور الأميركي في توتير الأجواء في سورية، ومحاولة الالتفاف على تحسن الأوضاع أمنياً وسياسياً في البلاد، وهذا ما يؤكد ارتباط هذه التحركات مع الأجندات الخارجية التي تهدف الى ضرب أمن واستقرار سورية.

ورداً على ذلك أعربت الادارة الأميركية عن استيائها من انتقاد السلطات في سورية للزيارة التي قام بها السفير الأميركي روبرت فورد الى مدينة حماة، وأكدت الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند ان واشنطن قد أبلغت دمشق مسبقاً بهذه الزيارة، وقالت نحن بصراحة مستاؤون قليلاً لرد الفعل السوري مشددة على ان قول الحكومة السورية انها تفاجأت بالزيارة التي قام بها السفير فورد الى حماة لا معنى له.

   وبناءً على ما تقدم فان العمل الدبلوماسي يفرض على السفير أن يكون في غاية الحذر والكياسة في الحصول على المعلومات التي يريدها، وعليه أن لا يلجأ في ذلك الى الطريق المباشر كلما تمكن؛ لانه ان تورط في مثل هذه التصرفات التي تغضب الحكومة المحلية ضاع النفع المرجو من عمله، ولهذا فان زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي الى مدينة حماة كانت بعلم حكومتيهما ومعرفة وموافقة السلطات في سورية، فلو كان الأمر عكس ذلك لطلبت الادارة الأميركية والحكومة الفرنسية استدعاء سفيريهما، ولكانت السلطات في سورية قد أعلنت فوراً بان السفيرين الاميركي والفرنسي شخصين غير مرغوب فيهما وطلبت منهما مغادرة البلاد في أقل وقت ممكن.

 ونعتقد ان الزيارة قد جاءت من أجل أخذ الصورة الحقيقية وليس التصور لما يجري في سورية وخاصة في مدينة حماة لبداية اعادة النظر باهتمام في الموقفين الأميركي والفرنسي من النظام، وهذا فرضه عليهما ارادة وتصميم الشعب السوري على نيل الحرية والحياة الكريمة القائمة على احترام حقوق الانسان، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، ولهذا أطلقت السلطات في سورية العنان للشبيحة لمهاجمة السفارتين الأميركية والفرنسية للمزايدة الرخيصة لصرف الانظار عن ما يحدث في سورية من انتفاضة شعبية تطالب باسقاط النظام.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أكيد أن ما حاولت بثينة شعبان الإيحاء به بوجود علاقة بين السفير الأمريكي وأهالي حماة غير صحيح البتة ، فالحمويون أشرف وأرجل من البعثييين السوريين الجبناء الذي سلموا أنفسهم للقوات الأمريكية بعد دخولها بغداد طالبين منهم الحماية والاعتراف بهم لاجئين دون أن يكون لهذا التصرف أي مبرر ، لأن جميع البعثيين السوريين العفالقة الذين كانوا “يعارضون” النظام السوري من بغداد عادوا إلى سورية معززين مكرمين بمن فيهم العسكريون المحكومون بالإعدام ، وأعضاء القيادة القومية والقطرية ومن قاموا بأعمال مسلحة داخل سورية ، وبقيت ثلة قليلة منهم من الصايعين والزعران والشبيحة الذين لادخل لهم بالمعارضة بل حضروا إلى بغداد لوجود أقارب لهم هناك لتحقيق بعض المنافع والمكاسب المالية والمعيشية والدراسية والوجاهية وغيرها، أوممن لايملكون بيوتا لهم في سورية ليسكنوها ، أو لديهم مخاوف اجتماعية تمنعهم من العودة إلى سورية ، وانبطحوا يلعقون أحذية الأمريكان ليحصلوا على صفة لاجئين من الأمم المتحدة ، وبعضهم صار يزاود على الآخرين باليسارية والطهر الثوري ، ويحلل وينظّر ويوجه الثوار والثائرين وكأن شعبنا لاذاكرة له .
    هذه قراءة في كلام الرفيق الذي هاجر الهجرتين ! وانتسب إلى البعثَين في سورية أولا ثم في العراق بعد وصوله إليه ، ثم أخذ يتنصل منهما بالتدريج ، تنصل من الذي سقط أولا بعد قانون اجتثاثه ، وهاهو يرمي نفسه من زورق الثاني المبخوش بعد أن شعر بترنحه وقد كان يعد العدة ليرشح إلى مجلس شعبه ! وآه ياشعبي !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى