حواس محمودمراجعات كتب

قراءة في كتاب التحولات السياسية للفئات الوسطى العربية

[ الكتاب: تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي

[ الكاتب: د. أحمد موسى بدوي

[ الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2013

قبل انطلاق الثورات كان أي نقاش عن الديموقراطية والتحول الثوري العربي ومقاومة حالة القمع والاستبداد والفساد يكاد لا يخلو من حديث المتناقشين عن الطبقة الوسطى كونها حاملة التغيير الاجتماعي الاقتصادي، وأن هذه الطبقة قد تم تشويهها وبالتالي حرمانها من لعب دور الحامل الاجتماعي لحركة التغيير الديموقراطي المنشود في العالم العربي، ولعل كتاب «تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي» لمؤلفه الدكتور احمد موسى بدوي مركز دراسات الوحدة العربية 2013 بيروت، يقدم إجابة لا بأس بها للباحثين عن ماهية وتحولات الطبقة الوسطى في العالم العربي ودورها في الحراك الثوري وبخاصة في دول الربيع العربي.

الكتاب يبحث في التحولات الحضارية (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية) التي مرت بها الطبقة الوسطى العربية منذ الاستقلال وحتى اليوم، وهو يسعى إلى تقديم أجوبة عن مجموعة مسائل تُعنى بالطبقة الوسطى العربية، بالتركيز على عملية تأسيس نظري تغطي مختلف النظريات والاتجاهات الفكرية التي عالجت موضوع الطبقة الوسطى العربية الحديثة، وموقع هذه الطبقة في التركيب الطبقي الراهن في الوطن العربي، وإبراز التحولات الاقتصادية التي أثرت في الطبقة الوسطى العربية في ربع القرن الأخير والعلاقة بين التحولات السياسية والطبقة الوسطى والثورة في بلدان الربيع العربي.

يرى المؤلف أن التركيب الطبقي في المجتمعات العربية يتضمن ست طبقات أساسية هي: الطبقة المركزية المتحكمة، الطبقة الوسطى المتنفذة، الطبقة الوسطى المستقرة، الطبقة الوسطى الفقيرة، والطبقة العاملة، والفئات اللاطبقية الكادحة، ويشترك أفراد كل طبقة معا في عدد من الخصائص الحضارية، التي تؤثر فيها خمسة متغيرات: مستوى الدخل ونوعه، ومستوى التعليم والتدريب، والموقع البيروقراطي داخل مؤسسة العمل، وأساليب الحياة، ومجموعة المتغيرات القبلية / الطائفية / العرقية / السياسية التسلطية.

الطبقة الوسطى في التراث الغربي

يقسم المؤلف هذا الفصل إلى أربعة أقسام وخاتمة، يعرض في القسم الأول مساهمات الاتجاه الماركسي، بعرض أفكاره الأولية، ثم يتتبع أثرها في أعمال غرامشي والبنيوية الماركسية، كما ظهرت في هذا الخصوص عند التوسير ونيكوس بولنتزاس، ثم يعرض أفكار أريك اولن رايت، ممثلا للماركسية الجديدة، ثم ينتقل في القسم الثاني إلى عرض مساهمات الاتجاه الفيبري، بعرض تمايز أفكار فيبر الأولية عما قدمه ماركس، ثم يقدم تفصيلا لنظرية غولد ثورب كممثل للاتجاه الدوركايمي الجديد، وبخاصة أفكار ديفيد غروسكي، وفي القسم الأخير يقدم للقارئ عرضا لنظرية الممارسة الاجتماعية لدى بيير بورديو، وكيفية توظيفها على نحو جديد في دراسات الطبقة، ثم يقدم عرضا لنظرية تشكل البنية لدى أنتوني غيدنيز، وكيف تم توظيفها في تدعيم الاتجاهات المضادة للطبقة

دراسة الطبقة على مستوى البلدان العربية الآسيوية:

يخصص المؤلف هذا الفصل لمراجعة سبعة دراسات كبيرة، اهتمت بدراسة الوضع الطبقي في البلدان العربية الآسيوية (لبنان، فلسطين، العراق، السعودية، اليمن)

دراسة الطبقة على مستوى البلدان العربية الأفريقية.

يتناول المؤلف في هذا الفصل سبع دراسات أخرى، ركزت على الوضع الطبقي في البلدان العربية الأفريقية (الجزائر، السودان، موريتانيا، مصر)

الطبقة الوسطى (العربية) في تراث العلوم الاجتماعية

يراجع المؤلف في هذا الفصل الدراسات التي اتخذت من الأقاليم العربية المختلفة، ويعرض فيه لأربع دراسات عن المشرق العربي والمغرب العربي، والخليج والجزيرة العربية، ثم يراجع ست دراسات مختلفة تتخذ من الوطن العربي بأكمله وحدة للتحليل، أو تجمع بين إقليمين في نسق تحليلي واحد.

نحو إطار نظري لدراسة تحولات الطبقة الوسطى.

يعالج المؤلف في هذا الفصل عدة موضوعات من أهمها الوعي الطبقي، ويرى أنه إزاء ثلاث صور: العفوي، الاجتماعي، الباطني، وهذه الصور تصدر تتشكل من خلال الخصائص الحضارية للأوعية الطبقية، وهي ثلاث صور لجنس واحد هو الوعي الطبقي، ولكنها أيضا، تقع تحت تأثير قوى مختلفة أهمها الطبقة المركزية المتحكمة، التي تستخدم المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية والأمنية، من أجل تفريغ طاقة هذا الوعي الحقيقي، في مسارات تهدره تحت ادعاءات الحفاظ على الوطن، أو الدين، أو التاريخ المشترك للجماعة

الطبقة الوسطى العربية: المتغيرات والخصائص الديموغرافية

يعرض المؤلف في هذا الفصل المتغيرات الديموغرافية ذات الطابع الاجتماعي والحيوي، التي يمكن أن تساعدنا على رسم صورة مبدئية عن طبيعة السكان المرشحين للدخول ضمن الطبقة الوسطى الكلية، وقد ركز المؤلف على البيانات الإحصائية المتاحة التي ترصد اتجاهات النمو والكثافة السكانية في الوطن العربي، تحليل التوزيعات العمرية، والتوزيع الحضري الريفي، ومعدل أمية البالغين، ومعدلات القيد الصافي في مراحل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، خلال الفترة من عام 2000- 2010

الطبقة الوسطى والقوة العاملة العربية

يقوم المؤلف بدراسة القوة العاملة العربية خلال الفترة من عام 2000-2010، من حيث حجم القوة العاملة، عمالة الأطفال، وحجم مشاركة المرأة العربية في القوة العاملة، وتوزيع القوة العاملة بحسب القطاعات الاقتصادية، وتوزيع المشتغلين على المهن الرئيسية، وفقا للتصنيف المعياري العربي للمهن ومؤشرات العاطلين عن العمل.

الطبقة الوسطى العربية والمتغيرات الاقتصادية

يتناول هذا الفصل المتغيرات الاقتصادية واثر التوجهات الليبرالية الجديدة في الطبقة الوسطى العربية، وتوزيع الدخل القومي في البلدان العربية.

التحولات السياسية للطبقة الوسطى – بلدان الربيع العربي نموذجا

يرى المؤلف أن الفساد والظلم الاجتماعي في توزيع الثروة وقمع الحريات، هي عوامل مشتركة حاضرة في كل ثورات الربيع العربي، غير أن الفساد والظلم الاجتماعي كان من الأسباب الأساسية لاندلاع الثورتين التونسية والمصرية، في حين كان السبب الجوهري لانطلاق الثورة الليبية هو الرغبة في الخلاص من نظام حكم فردي مستبد، أما اليمن فكان في حالة ثورات فرعية مستمرة منذ توحيد شطري اليمن عام 1990، فضلا عن تمركز عناصر الجهادية العربية العائدة من أفغانستان في اليمن، فالتقت مصالح الجميع في انتفاضة شعبية لوقف التعديلات الدستورية التي تتيح للرئيس اليمني البقاء لولاية أخرى.

ويقول المؤلف بأنه إذا كان السبب في الثورات العربية يتركز على الظلم الاجتماعي، فإن جميع المتغيرات الكمية الديموغرافية والثقافية والمهنية والاقتصادية، تشير إلى أن نقطة الانطلاق الافتراضية للربيع العربي، كان لا بد من أن تكون اليمن أو مصر وليس تونس أو ليبيا.

ويشير إلى تأثير العولمة في المجتمعات العربية باعتبارها استقبلت العولمة وهي خالية الوفاض تقريبا، البلدان غير النفطية كانت مثقلة بالديون، والبلدان النفطية، كانت تعاني الانخفاض المستمر في أسعار النفط، والعالم يتحول نحو العولمة، والدولة تتخفف من أعبائها الاجتماعية، ولم تتمكن أي من البلدان العربية من استثمار الايجابيات المحدودة، للانطلاق نحو اقتصاد السوق التي تطلبت شروطا لم تتحقق في الوطن العربي، فلا الأسواق حرة ولا البلدان العربية تمارس الديموقراطية ولا الاستراتيجية التنموية التي تركز على الاستثمار الانتاجي موجودة، فكانت العواقب وخيمة على الاقتصادات الكلية العربية، وهو ما انعكس على الطبقة الوسطى العربية بالانكماش والمزيد من التهميش، كما أن الطبقة الوسطى تمتلك حضورا في مستقبل بلدان العالم العربي، يظهر بقوة في ليبيا وتونس ومصر، بينما يقل تأثيره في اليمن، لضآلة حجم الطبقة الوسطى اليمنية وحرمانها من ظهير متماسك في ظل التعقد القبلي والطائفي في اليمن.

كما ان السرعة في تحقق المطلب الأول وإسقاط النظام للثورة في تونس ومصر، وبصورة أبطأ في اليمن، ترجع إلى انحياز المؤسسة العسكرية إلى الثورة، وحين لم تنحز إلى المحتجين في ليبيا وسوريا، لم يسقط في ليبيا الا بعد تدخل حلف الناتو في العمليات العسكرية، ودخلت المعارك بين الجيش السوري والمحتجين عامه الثالث – بحسب الكتاب – (الرابع حاليا)، واختص الفصل العاشر من الكتاب بقياس تصورات الطبقة الوسطى، حول الموضوعات والظواهر الطبقية التي تشهدها هذه البلدان العربية، من خلال عرض وتحليل نتائج المقابلة الكيفية المعمقة مدعومة بجداول إحصائية هامة – التي أجريت خلال الفترة من شباط 2011 وأيار 2012 في كل من مصر والكويت والمغرب.

مراجعة: حواس محمود

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى