أحداث الربع الساعة الأخيرةشيرين الحايكصفحات مميزة

قراءة في وقائع أحداث ما قبل الربع ساعة الأخيرة


شيرين الحايك

شهدت الفترة الماضية في سوريا تغيرا ً ملحوظا ً بالأحداث و التفاصيل مع تغير واضح في مجرى الأمور على الأرض، و بات حديثا ً بين شخصين في أحد المقاهي يحتمل ُ جدلا ً لم يكن موجودا ً بهذه القوّة قبل أسابيع. لم تشهد الثورة السورية منذ ُ عدّة أشهر حدثا ً ذو أبعاد ٍ كتلك التي حصلت في الإسبوع الماضي. بدأ هذا بإعلان النظام عن إغتيال قادة ما يسمّى بـ ” خليّة حلّ الأزمة”، ذاك الذي ترافق مع إعلان أحد المقربين جدّا ً للنظام ،و المعروف بولائه و ولاء عائلته المطلق لآل الأسد منذ ُ عشرات السنين، “مناف طلاس” ، إنشقاقه ُ و إنضمامه للثورة، و ما لقيه الأخير من ترحيب ٍ دوليّ بعد َ إنشقاقه و مغادرته البلاد. البعض رأى في تفاصيل ما قبل الربع ساعة الأخيرة تفاؤلا ً بقرب إنهيار النظام و إنتصار الثورة على يد الجيش الحر، و البعض الآخر رأى بأنّ كلّ ما حصل لم يكن أكثر من لعبة ٍ من قبل النظام للإيقاع بالثوار و الجيش الحر في فخّ الإنتصار الكاذب كي يقوم بالإنقضاض عليهم، رافقه ُ مؤامرة دوليّة تحاك ضدّ نظام الأسد و شعبه معا ً.

 قمنا في صفحات سورية بطرح بعض الأسئلة على كلّ من : زياد ماجد (كاتب وأستاذ جامعي لبناني)،  سلام الكواكبي(أكاديمي سوري و قائم بأعمال المدير التنفيذي بمادرة الإصلاح العربي)، عمر قدور (كاتب شاعر سوري ) ، وهيب أيوب (كاتب سوري)، و ياسين الحاج صالح(كاتب سوري)، فكانت هذه أجوبتهم:

– ما دلالات الأحداث التي وقعت في دمشق في الاونة الأخيرة؟

زياد ماجد:

أظنّها مؤشّر الى أمرين: تصاعد القدرة العسكرية والتنسيقية للجيش الحر وبدء التبدّل في موازين القوى ميدانياً، ليس لناحية التجهيز وقوة النيران حيث جيش النظام ما زال أقوى بكثير، وإنما لجهة الروح المعنوية وقدرات التنسيق وامتلاك عنصر المفاجأة.

على أن ما قد يكون موازياً في أهميّته للتطوّرات الميدانية، هو ما ظهر من أنشطة تضامن اجتماعي وتطوّع للشباب والشابات من الاختصاصات والخلفيات المختلفة لمساعدة النازحين والمصابين والمنكوبين. وفي هذا مشاركة تظهر العمق الشعبي للثورة والرغبة في التأسيس لما سيلي انتصارها من عودة للتواصل بين الناس وبناء للنسيج الاجتماعي السوري الممزّق.

سلام الكواكبي:

هناك دلالات عدة تتعلق بتراجع السيطرة الأمنية في مركز السلطة، وهو العاصمة، وبتطور القدرات القتالية لدى المجموعات المنضوية تحت ما يسمى بالجيش الحر رغم ضعف التواصل والتنسيق. ردة الفعل أيضا تشير إلى رغبة في حسم عسكري لا يأتي منذ أشهر عدة على الرغم من كل المحاولات والتحشيد. إضافة إلى أن هناك فشل ذريع في استغلال الفرص الممنوحة بشكل غير معلن من قبل ما يسمى المجتمع الدولي لحسم الأمور عسكريا. هذه الفرص المتكررة تم التعبير عنها من خلال المبادرات الهلامية والتي أجهضت في مهدها والتي استمر العاملون عليها في استنساخها سعياً للتغطية عن العجز المزمن في إدارة الأزمة سياسياً على الأقل.

عمر قدور:

لا شك في أن دمشق تشهد مواجهة هي الأعنف منذ بدء الثورة بين الجيش الحر وقوات النظام، تزامن ذلك مع محاولة السيطرة على حلب أيضاً انطلاقاً من ريفها. ذلك يعني أن الجيش الحر بات يمتلك من الامكانيات القتالية ما يؤهله للقيام بعملية واسعة النطاق، وعلى صعيد متصل بات من الجاهزية التنظيمية ما يجعله يقود عملية منسقة متعددة المستويات. هل عملية التفجير في مبنى الأمن القومي تقع ضمن هذا السياق؟

ياسين الحاج صالح:

 تعنين انتشار مقاتلين من “الجيش الحر” في بعض أحياء دمشق؟ يبدو لي مؤشرا على التقدم المتموج للثورة نحو الهدف النهائي، إسقاط النظام. لست متأكدا من أنه جرى التخطيط للأمر بصورة مناسبة من الناحية العسكرية. هناك معضلة تواجه المقاومة المسلحة منذ بداية تشكلها: لا تستطيع أن تحتفظ بمواقع ثابتة بسبب نوعية تسلحها، ولا يمكنها بالمقابل إلا أن تحاول الانتشار في بعض مناطق مدنية هي الأكثر ترحيبا بها، لكن ذلك يجر عواقب قاسية على تلك المناطق على يد النظام. وليس هناك حل لهذه المشكلة، خاصة وأن عموم المقاتلين من أبناء المناطق التي يقاتلون فيها.

ما رأيك بالتفجير الذي طال شخصيات أمنية من الصف الأول في النظام السوري، التوقيت، الدلالات، الغموض الذي أحاط بالعملية؟ من الجهة التي تقف وراء التفجيرات برايك؟

زياد ماجد:

يصعب بالطبع الجزم في تفاصيل ما جرى، ليس نتيجة تضارب المعلومات وتعدّد الروايات فقط، بل أيضاً لأن الطرف المُستهدف وطريقة الاستهداف تنتمي الى عالم المخابرات السري، المثير بطبيعته للإشاعات والمرتبط ارتباطاً وثيقاً بها. في أي حال، العملية أطاحت برموز من عتاة الاجرام في النظام، ومن نفّذها كان دقيقاً جداً في التحضير واستقاء المعلومات واختراق المكان والعاملين فيه، ثم في التنفيذ والنجاح في إصابة المستهدفين. أما من يقف وراء كل ذلك، فلا معلومات أستطيع الركون إليها من دون الحفاظ على هوامش شك بصدقيتها الكاملة. لكنني أميل الى استبعاد رواية “التصفية الداخلية” ليس لأنها لا تحصل أو لأن باقي أطراف النظام لا يقوون على القيام بها، بل لأن توقيتها جاء في لحظة كان النظام يتراجع بسرعة خلالها ويتعرّض لإضعاف ميداني لا يفيده أن يترافق مع ضربة من هذا النوع.

وفي أي حال، وبمعزل عن الملابسات والجهة المنفّذة، ورغم تفضيلي مسارات العدالة والمحاكمات، إلا أن ما جرى كان باختصار استهدافاً لعسكريين وأمنيين في حالة حرب مع شعبهم، وهو بالتالي مشروع قانونياً، وأطاح بسفّاحين لا يؤسف عليهم أخلاقياً.

سلام الكواكبي:

لا يمكنني الدخول في الارهاصات الفكرية المستندة إلى غموض لم ينقشع بعد. كباحث في العلوم السياسية، أعتقد بأن هذه العملية بالمطلق ذات مؤشرات متشابكة وخطيرة. ولكنها أولاً وأخيراً مرتبطة بالجهة التي تقف وراءها. عدم الاجابة ليست تهرباً بقدر ما هي تعبير عن جهلٍ بمعطيات الصورة ليصار إلى تحليلها.

عمر قدور:

يصعب الجزم في الإجابة على هذا السؤال، إذ ليس للنظام المصداقية الكافية التي تجعل روايته موثوقة، ولا توجد جهة ثالثة محايدة لتقدم رواية منزهة عن الأغراض السياسية. لقد أعلن الجيش الحر مسؤوليته عن التفجير، ولم تعلن أية جهة أخرى مسؤوليتها عنه، لكنه أيضاً لم يقدّم رواية كاملة مفصلة لما حدث، وهذا ما يترك مساحة واسعة للتكهنات وحتى للشك. برأيي، ومهما كانت التفاصيل، فإن الدلالة النهائية تعني تصدع النظام وتخلخل بنيته الأمنية، وحتى إن صحت الرواية التي تشير إلى قيام النظام نفسه بتصفية هؤلاء فهذا يعني تصدعاً وانشقاقات في الدائرة الصغرى له، فضلاً عن التشققات اللاحقة الناجمة عن الأثر المعنوي لمقتل هؤلاء.

ياسين الحاج صالح:

كان ضربة قوية للنظام. أطاح ببعض جنرالاته المهمين، وأظهر أن رأسه الأمني بالذات مكشوف وليس آمنا على نفسه، وهزّه معنويا في العمق. وكان لوقوع الحدث بعد أيام قليلة من تحول دمشق إلى ساحة مواجهة عسكرية رئيسية تأثير مزلزلا على النظام والموالين له، وأعطي انطباعا عاما بأن سقوطه قريب. ورأيي أن هذا لا يزال صحيحا، وإن لم يكن الأمر بالضرورة مسألة أيام أو أسابيع قليلة.

لا أعلم من هي الجهة التي تقف وراء التفجيرات. يبدو أن هناك حلقة داخلية تعمل في المكتب المستهدف وترتبط بحلقة خارجية هي التي خططت للعملية. من هي هذا الجهة؟ من “الجيش الحر” أو من غيره؟ لا أعرف.

بعد تسريب تصريحات السفير الروسي في باريس، حول رغبة بشار الأسد بالتنحي، هل تعتقد أن هناك أية بوادر لتطبيق الحل اليمني في سورية؟

زياد ماجد:

أنا من الذين يعتقدون أن معظم المتعاطين بالشأن السوري في العواصم العربية والغربية وحتى في موسكو وبكين يعتبرون أن الحل إن كان سياسياً، فسيكون شبيهاً بشكل أو بآخر، بالحل اليمني. أي رحيل الرئيس مقابل مشاركة بعض وجوه النظام الأقل استفزازاً للمواطنين بسلطة إنتقالية وبضمانات دولية. لكنني أظن أن موسكو ما زالت تعطي فرصة للنظام للكسب عسكرياً، أو على الأقل لتماسك يحسّن شروط تفاوضها. كما أن أطرافاً أخرى تودّ أيضاً وصول الجميع الى حالة إنهاك تسهّل المفاوضات السياسية والقبول بشروطها. وكل هذا لا يأخذ في عين الاعتبار مدى القابلية السورية الداخلية لحل من هذا النوع. فلا آل الأسد برأيي يقبلون بالأمر قبل مزيد من الاستشراس قتلاً وتدميراً في محاولة للبقاء ولو فوق جزء من سوريا، ولا الكثير من أطراف المعارضة ومن ممثّلي الحراك الشعبي مستعدون لحلول وسط من هذا النوع. ناهيكم عن أن النظام السوري ليس شبيهاً بمثيله اليمني، نتيجة اختلاف التركيبة المجتمعية من جهة، ونتيجة بنية السلطة وأجهزتها من جهة أخرى. ولذلك، أرى الحل هذا صعباً، ولو أنه مطروح بأشكال مختلفة.

سلام الكواكبي:

تصريح السفير الروسي موجه إلى السلطات السورية قبل أن يكون موجها إلى الأسرة الدولية أو إلى المعارضة. الروس يبحثون عن ثمن مواقفهم، والثمن في السياسة يتعدى الجانب المادي ليعترف بدورهم الإقليمي وباسترجاع هيبتهم التي هزت منذ سقوط الاتحاد السوفييتي حيث جرى تهميشهم من على الساحة الدبلوماسية الدولية في أكثر من ملف. هم يساومون ويعرفون بأنهم لا يريدون خسارة كل شيء. هم سينيكيون بالمطلق ولكنهم ليسوا بأغبياء البتة. رسالتهم إذا، غداة الفيتو الثالث في مجلس الأمن، تسعى إلى تبيان مراجعتهم لاحتمالات عدة. تشبثهم بموقفهم ليس نابعاً من موقف مبدئي بل من سعي لحسم ملفات عدة على الساحة الدولية، تنطلق من جورجيا لتمر عبر آسيا الوسطى وتعبر فوق الدرع الصاروخي سعيا إلى منابع الطاقة والمجالات الاقتصادية الأوسع. ونهايةً، يخافون حتى الرهاب من ملفي الإسلام السياسي والديمقراطية، وهما الملفان الأبرز في الحراك الثوري العربي في العموم.

عمر قدور:

لا أعتقد أن الحل اليمني قابل للتطبيق في سوريا، أقله ضمن المعطيات الحالية، فالنظام لن يتراجع أبداً عن معركته ضد الثورة، وهناك قوى إقليمية ودولية لا تبدو في سبيلها إلى التوقف عن دعمه، دون أن ننسى في المقابل الدعم الخجول الذي تتلقاه الثورة من بعض الدول المؤيدة لها، والذي لا يقارن البتة بالدعم الذي تتلقاه قوات النظام. شبه جازم أرى أن النظام لن يتزحزح من موقعه إلا بالقوة، وأنه لن يقبل بأي خطوة سياسية إلا على سبيل تفريغها من مضمونها وكسب المزيد من الوقت؛ في الواقع ليس بوسع أية قوة أن تفرض الحل اليمني في سوريا، والنظام سيقاتل حتى نهايته كما يصرّح الناطقون باسمه.

ياسين الحاج صالح:

لم يقل السفير الروسي إن بشار راغب في التنحي. ما قاله هو أنه لا يرى ممكنا أن يبقى بشار في الحكم.
ويبدو أن الحل اليمني هو الصيغة التي تفضلها القوى الإقليمية والدولية لمعالجة الأزمة السورية لأنها تلبي حاجة هذه القوى إلى الاستقرار الذي تعلي من شأنه فوق كل شيء آخر. لكن لا يبدو أن النظام قابل بهذا الحل لأنه لن يتماسك دون بشار، ولا يبدو هذا الحل مقبولا أيضا من جهة الثورة أو متوافقا مع دينامياتها السياسة والعسكرية والنفسية. أقدر أننا سنتجه نحو حل سوري، لا أعرف ملامحه، لكنه يحيل إلى تاريخ البلد وتكوينه الاجتماعي وموقعه الجويسياسي.

هل تعتقد أن شخصية مثل مناف طلاس يمكنها أن تقوم بدور محوري في الفترة المقبلة؟

زياد ماجد:

نعم أعتقد ذلك، ليس لأن الرجل يستحق الأمر، ولا لأنه يملك رصيداً معنوياً أو شعبياً، بل لأن اللاعبين الدوليين يرون فيه أبرز شخصية منشقة عن النظام لجهة رتبته العسكرية وتاريخ والده في العلاقة الشخصية مع الأسد الأب. ويعتبرونه أيضاً عنصر تطمين لما يسمّونه “الأقليات”.

سلام الكواكبي:

إن كان السؤال موجه بصيغة نعم أم لا، فجوابي هو كلا. ولكن هذا النفي لا يعني إلا صاحبه ولا ينطبق على مطابخ السياسة الدولية وكواليس ودهاليز المجالس التي أنا جاهل بها. وبالعودة إلى النفي، أقول بأنه يمكن لمناف طلاس أن يكون جزءاً من المعارضة دون أن يكون له دور القيادة إلا بقدر ما يثبته من فاعلية في تغيير المعطيات. ومطلوب منه أن يتحدث عما عايشه واعتاش منه طوال الفترة الماضية. إن الاعتراف بالخطأ يساعد على بناء الثقة ولا يمكن أن تطوى صفحات التاريخ القريب بمجرد حسن النوايا. وتبيان المعطيات التي كان هو من المقربين لمفاتيحها سيساعد حتما في عملية بناء الوعي بمكنونات العقلية الحاكمة وكيفية علاج المجتمع في المستقبل من تبعاتها.

عمر قدور:

في الواقع لا أدري ما هي الخلفيات التي دفعت فجأة بمناف طلاس إلى الواجهة؛ إن كان ثمة توافق دولي ومحلي على شخصه فقد يكون من الشخصيات المشاركة في مرحلة انتقالية، بغير ذلك لا يبدو الأمر ممكناً، وفي كل الأحوال لا أظن أنه مؤهل الآن للعب دور مركزي، فقوى الحراك الثوري التي دفعت أثماناً باهظة تبدو هي الأحق بتمثيل الشارع، ولن تقبل بالتنازل عن مكتسباتها لصالح شخصية من خارجها. إذاً قد يجد مناف طلاس مكاناً له في المرحلة الانتقالية، ولكن لا أظن أنه مرشح لقيادتها.

ياسين الحاج صالح:

ولا بأي شكل من الأشكال. لا قيمة للرجل ولا وزن ذاتيا له. أظنه “كرت” احتياطي، ربما تفكر بعض الدول الغربية والعربية في أن لا ضرر من إبقائه في اليد، وقد يمكن اللعب به يوما. وسيكون مأساويا عليه قبل غيره أن يفكر في لعب دور سياسي في المستقبل. عموما الحياة السياسية السوري بعد النظام ستكون شديدة القسوة والتعقيد، وستزيح من كل بد كل الشخصيات التي كانت مرتبطة بالنظام، وحتى قطاعا واسعا من المعارضة التقليدية.

هل تعتقد أن الأمر متعلق بتفاصيل الربع ساعة الأخيرة قبل انهيار النظام؟

زياد ماجد:

أظننا دخلنا في مسار سقوط النظام. لكنني لست متأكداً من أننا في ربع الساعة الأخير. أظن مسار انهيار أنظمة استبدادية في ظل انقسامات داخلية وخارجية يأخذ أحياناً وقتاً طويلاً بعض الشيء.

عمر قدور:

بعيداً عن تحديد المدة الزمنية، أعتقد أن النظام بدأ مرحلة السقوط الميداني، بعد أن سقط سياسياً وأخلاقياً. لن تكون المعركة الأخيرة سهلة أو قصيرة جداً، فما يزال لدى النظام فائض من القوة العسكرية ومن إرادة استخدامها، لذا لن يتورع عن التشبث بآخر رمق ما دام يملك القدرة على المقاومة. لن يستسلم النظام، ومن المرجح أنه سيزداد تورطاً في الدماء، وإذا لم تحدث مفاجأة ما فمن المرجح أن يستغرق سقوطه العسكري أشهراً أخرى.

ياسين الحاج صالح:

أمر ماذا؟ “انشقاق” الغندور مناف طلاس؟ ربما. من متابعتي للثورة منذ بدايتها أشعر بصعوبة كبيرة في تقديري أين صرنا في عملية إسقاط النظام، ومتى تأتي ساعته. التقدم مستمر، لكن التوقع صعب.

من أين تستقي مصدر معلوماتك في ظل هذا الكم الهائل من المعلومات المتناقضة؟

زياد ماجد:

أستقيها من بعض الاتصالات الشخصية مع فاعلين سياسيين ومع أصدقاء على تماس بحكم عملهم مع بعض المسؤولين في أكثر من بلد. كما أستقيها من خلال متابعة ما يُكتب في بعض مراكز الأبحاث وفي مقالات لكتّاب رصينين ومطّلعين أثق بهم، ومن خلال تواصلي الشخصي مع ناشطين سوريين داخل سوريا وفي المنفى.

سلام الكواكبي:

رغم متابعتي لكل المنابر والمصادر، إلا أنني أبتعد حتما عن بناء استنتاجاتي على المصادر العاطفية (فيسبوك مثلاً) رغم أنها تحمل أحيانا الكثير من المعلومات الصحيحة. أحاول أن أقرأ ما يكتبه الآخرون عنا حتى أستشف روائح الطبخات المعدة أو التي يجري التحضر لها. فمراكز العصف الذهني في الدول الديمقراطية تلعب دوراً رئيسياً في عملية صنع القرار السياسي. بالمقابل، احمي نفسي من تفوهات وتفاهات الأبواق الإعلامية لأنها مسيئة للصحة عموماً ويمكن تخيل صيغها دون الحاجة إلى إضاعة الوقت في متابعتها.

هناك بعضٌ من مفكري الثورات والاحتجاجات الذين استمروا في عملية بناء الوعي والتراكم المعرفي، وهذا يمنحني تفاؤلاً ومتعة في المتابعة. في حين أن أقلاماً كان لها ماضٍ عريق انتقلت إلى تسطير ملاحم الأنا الذاتية وشخصنت حواراتها وانفعالاتها. وهي تزعجني بصورة أكبر مما اتحاشى قراءته لكتبة الاستبداد. وفي هذه الحالة، لا أنجح للأسف في غض النظر وفي تجاهل ما يكتبه هؤلاء العمالقة ماضياً في سعي ساذج ربما لأشهد عودة الابن الضال إلى وظيفته المحورية بعيداً عن العقد النفسية. في ظل القتل والتدمير، ما زال البعض يسرد قصيصات ذاتية لإبراز إعجازه الشخصي (وهو بالحقيقة عجز) أو للتبرم من آخرين أو لشتم وتخوين آخرين. وبالنتيجة، ستحاكم الذاكرة الجمعية من امضى أشهراً طويلة في تصفية الحسابات بعيداً عن القضية الأساسية. ومهما كان ماضي هذا “الشخص” مشرفاً، فهو لا يعفيه من مسؤولية متابعة العمل العام مع إغفال الأنانية المرضية.

عمر قدور:

عموماً أستقي معلوماتي من الهيئات التي لها تمثيل ميداني واضح، ولا شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت رديفاً معتبراً لوسائل الإعلام كالتلفزيون والصحافة، ثم هناك الوسيلة الأكثر بدائية، أي المعرفة الشخصية ومشاهدات الأصدقاء والمعارف الموثوقين.

ياسين الحاج صالح:

الحياة داخل البلد تعطي حسا بالأمور قريبا من الواقع، متحررا من ضغوط الجزع أو الشعور بالذنب أو الميل إلى المبالغة أو الرومنسية أو العدوانية… الأشياء التي ألاحظها في تفاعل بعض من يعيشون خارج البلد مع أوضاع البلد.

أعتمد على التواصل مع أصدقاء موثوقين، مباشرة مع البعض وعبر النت مع آخرين. وأستفيد طبعا مما يتواتر من معلومات عبر وسائل الإعلام.

أمـّا وهيب أيّوب فقام بكتابة مقال يجمع فيه الردود على الأسئلة مجتمعه:

نظام الأسد، يُصارع على بقائه أم ينتقم لسقوطه..؟

تُعتبر العاصمة لدى أي نظام هي الحصن المنيع والأهم له في حال صراعه من أجل البقاء في السلطة، سواء كان هذا الصراع مع شعبه أو أي جهة أُخرى تنازعه الحكم، لِما تمثله العاصمة دائماً من قيمة رمزية ومعنوية هامة، داخلياً وخارجياً لأي سلطة تحكُم، إضافة طبعاً إلى أن كل مؤسسات الدولة الهامة وسفارات الدول الأجنبية تتواجد في قلب العاصمة.

لقد حاول نظام الأسد منذ بداية الثورة إبقاء دمشق العاصمة وتحييدها وكأنها الوجه المُعبّر عن تماسك سلطته ونظامه وبسط سيطرته عليها، كذلك حلب ثاني كبرى المدن السورية والهامة اقتصادياً، ومن خلالهما يحاول الإيحاء للعالم أن النزاع يدور بينه وبين مجموعات إرهابية مسلّحة في الأرياف والقرى لا يلبث أن يقضي عليها، وأن البلد آمن وبخير والحياة تجري اعتيادية وعلى ما يرام، لا بل حرص وحاول على الدوام، كما القذافي من قبله، على تسيير مظاهرات ومسيرات تأييد مليونية في ساحاتها وشوارعها العامة الكبرى، للتدليل أيضاً على أنه يحظى بتأييد شعبي واسع لسلطته لا ترقى إليها المظاهرات الشعبية المعارضة في تعدادها. ذلك أمر بالغ الأهمية في الحرب الإعلامية وإظهار إمكانية الحشد والتأييد من كلا الطرفين، وهذا ما أراد نظام الأسد التفوّق فيه على الدوام، وهذا طبيعي بحيث يمتلك في العاصمة نُخبة من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.  لكن السوريين يعلمون تماماً أن أساليب القتل والتدمير ونشر الرعب والخوف من خلال الاعتقالات وطُرق التعذيب المُرعِبة وإطلاق النار على المتظاهرين الذي كان النظام ينتهجها في المدن الأخرى والأرياف لإرهاب سكان العاصمة دمشق، لكنه الآن فقدَ السيطرة على بعض أحياء دمشق، والمعارك مع الجيش الحر تدور في قلب العاصمة، مما اضطره إلى سحب قواته من جبهة الجولان المحتل إلى دمشق مُديراً ظهره للعدو الذي يدّعي مقاومته وممانعته، وهذا يدلّل على مدى تخبط وارتباك، وفضيحة على الصعيد الأمني والسياسي والعسكري لنظام يدّعي الجبروت والقوّة. ولتلك الأحداث الأخيرة دلالات هامة على مدى تخلخل أركان النظام وانخفاض معنويات جيشه وفقدان الثقة في جيشه وضباطه وأمنه، خاصة بعد التفجير الذي أودى بعدد من قيادات النظام الهامة، والذي ما زال يلفه الغموض وتكتنفه الشكوك حول الجهة التي تقف خلف العملية، بعد أن أعلنت أكثر من جهة مسؤوليتها عن العملية من ضمنها الجيش الحر الذي أعطى شريطاً يُظهر فيه الدخان المتصاعد لحظة وقوع التفجير، وقد شرح قائد العملية بشكل تفصيلي عن مراحل التجهيز لتلك العملية، ويقول بأنهم يمتلكون أشرطة بالصوت والصورة لتلك التجهيزات. لكن مسارعة النظام، على غير عادته، الإعلان عن مقتل هؤلاء وإشهار أسمائهم، وهو الذي اعتاد التعتيم والتكتم، مِما أرخى مزيداً من التساؤلات والشكوك؛ واعتقادي أنّه فعل ذلك ربما للتغطية على أمرٍ أكثر خطورة قد حدث في ذاك التفجير قد نعلمه لاحقاً، مع استبعادي أن يكون النظام هو من قام بتصفيتهم.

على الرغم من تضعضع النظام وارتباكه أمام تعاظم هجمات الجيش الحر واستيلائه على العديد من المدن والبلدات والمعابر الحدودية؛ إلا أن غطرسته وعنجهيته تدفعه إلى المزيد من العنف والإيغال في الحل العسكري، وهو المُدرك تماماً أنّه من سابع المستحيلات عودته لحكم سوريا أو حتى المشاركة في مستقبلها، وأن الحل على الطراز اليمني قد فات موعده منذ أمدٍ بعيد، ولا يمكن قبوله من الثوار والمعارضة على الإطلاق. تقديري، أنّ ما يقوم به النظام الآن من أعمال قتل وتدمير، هو مجرد انتقام على سقوطه لا قتالاً من أجل البقاء في السلطة، وهذا شيء يدركه النظام تماماً، ومع ذلك فمن المُستبعد قبول بشار الأسد بالتنحي وأنه يُخادع الروس أيضاً في هذا المجال، ولو كان ما قاله السفير الروسي صحيحاً لما أمعن بشار الأسد وعصابته في المزيد من التصعيد والقتل والتدمير.

أما فيما يتعلّق بالعميد مناف طلاس، فلا اعتقد أن انشقاقه واستطاعته الخروج من سوريا بهذه السهولة هو مجرد اجتهاد شخصي منه، لولا أن اتصالات جرت معه لإعطائه دوراً أساسياً لمرحلة انتقالية يحافظ من خلالها بعض أركان النظام على دور يضمن عدم سقوط النظام بكل أركانه وبشكلٍ كلّي، ومن غير المُستبعد أن يكون للنظام وجِهات من المعارضة وقوى دولية وإقليمية أُخرى دور وترتيب ما في خروج طلاس وانشقاقه تمهيداً للمرحلة الانتقالية، لكن هذا الأمر سيثير خلافاً حاداً بين أقطاب المعارضة وقيادات الجيش الحر ومجلس قيادة الثورة وبين الذاهبين في هذا المشروع، وتقديري بأنه سيفشل.

نظام الأسد بالتأكيد هو في مراحل السقوط، لكن إذا كان الحديث عن الربع ساعة الأخيرة؛ فقد تطول ربما إلى أشهر، خاصة بعد لجوئه إلى تعيين وزير دفاع وقادة أمنيين وعسكريين جُدد من الطائفة السنيّة، ولهذا دلالاتٌ هامة على أن النظام ما زال يحظى بتأييد العديد تلك القيادات والكثير من التجار وأصحاب المصالح في دمشق وحلب الذين تقاسموا معه السلطة والمال والفساد على مدى أربعين عاماً، فلا يجب الإسراع بالتفاؤل المُفرط حول دنو أجل النظام بالأيام أو الأسابيع المقبلة.

مع ذلك، فإن عجز النظام اليوم عن تسيير مظاهرات التأييد له كما سبق وانكشافه عارياً من التأييد الشعبي الذي كان يدّعيه، وإحلال المعارك العسكرية مكانها والسيطرة على جزء كبير من الأرياف والمدن وتزايد الانشقاقات في الجيش والضباط، يجعلنا نصِف الوضع بأنه معارك حاسمة في سبيل تحرير سوريا وإنهاء حكم طُغمة بشار الأسد وعصابته المجرمة إلى غير رجعة.

لكن أمام هذا الكم المتضارب في المعلومات والتحليلات حول ما يجري الآن في سوريا على الفضائيات ومواقع التواصل والإنترنِت واليوتيوب وغيرها، فإن اعتماد المعلومة من مصدرٍ واحد أمرٌ غير حاذق؛ لا بُد من تعدّد المصادر والتمحيص بها ومن ثم تحليلها والخروج باستنتاجات واقعية دون الانجرار خلف العواطف والشعارات الغوغائية على النحو الذي يستخدمه النظام؛ وهذا ما أحاول فعله.

وهيب أيوب

الجولان السوري المحتل

خاص – صفحات سورية –

الصورة للمصور
Alessio Romenzi
أليسيو رومنزي
صور هذا العدد الرئيسية كلها لهذا المصور بمثابة تحية من “صفحات سورية” له، ولأعماله المميزة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى