صفحات الثقافة

قصائد مختارة للشاعر بيير لويجي كابِّللو

 

ترجمة أمارجي

بيير لويجي كابِّللو Pierluigi Cappello (1967-2017)

بيير لويجي كابِّللو في سطور:

يُعَدُّ كابِّللو، وهو من مواليد جيمونا 1967، من الشُّعراء الذين تركوا أثراً لا يُمحَى في القصيدة الإيطاليَّة الحديثة خاصَّةً وفي الحياة الثَّقافيَّة والفنِّيَّة في إيطاليا على وجه العموم.

كتب الكثير من قصائده، كما بيير باولو بازوليني، باللغة الفريوليَّة، وحصل على العديد من الجوائز الشِّعريَّة الرَّفيعة، كجائزة بيزا الوطنيَّة للآداب، وجائزة باغوتَّا، وجائزة مونتالِه وغيرها.

من مجموعاته الشِّعريَّة: “الغيوم” 1994؛ “داخل أريحا” 2002؛ “وضعيَّة طيران” 2006؛ “زرقةٌ أوَّليَّة” 2013، وضمَّت هذه المجموعة جميع قصائده المكتوبة ما بين 1992 و2010؛ وكان آخر ما صدرَ له شِعراً “حالةُ سكون” 2016.

رحلَ عن عالمنا فجرَ الأوَّل من تشرين الأوَّل/ أكتوبر في منزله بمدينة كاسَّاكُّو بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض.

 

* * *

 

النُّصوص، [من مجموعة “زرقةٌ أوَّليَّة” (2013)”]

 

أريحا

 

من النَّادر أن تسمعَ أحداً يغنِّي في الشَّارع

وأكثر نُدرةً أن تسمعَ أحداً يَصفِرُ

أو يُصفِّر

فإذا فعلَ أحدٌ ذلك

خُيِّلَ لك أنَّ الهواء يوسِّعُ له مكاناً

خُيِّلَ لك أنَّ هبَّةَ ريحٍ تحرِّكُ

نباتاتِ أفكارِك

وترميك حيث لم تكن مِن قبل؛

ولكن ما إن يمضي الصَّافرُ

حتَّى يمدِّدَ الضَّجرُ عمودَه الفقريَّ في الشَّمس

وتعودَ أنتَ مجدَّداً حيث كنتَ

وراءَ ألجفةِ النَّوافذِ والأبواب

داخلَ الحقدِ

الدَّفينِ في البيوت

إلى تانغو الأصابعِ متسائلاً

على رجفِ أيَّةِ أبواقٍ

اهتزَّت الجدران

وعبرَ أيَّةِ ثُلْمةٍ يمكننا أن نرى

– مبتهجين-

الأرضَ التي نطأ غضَّةً طريَّةً

كحلمٍ قُشِّرَ للتَّو.

 

*

كلماتٌ فقيرة

 

أحدُهم، واقفاً، يُحصي فكَّة النُّقود في راحتِه

والآخرُ يضعُ المحفظةَ السَّوداء

في الجيب الخلفيِّ لبنطالِ العمل.

 

إحداهنَّ تعزقُ التُّربةَ الفقيرةَ لصعدَةِ حقلٍ

ثوبُها المنزليُّ موشَّىً بأزهارٍ رقيقةٍ

ولباسُها الدَّاخليُّ ينكشفُ كلَّما انحنت.

 

أحدُهم يُصارعُ منشاراً سِلسِليَّاً

وينشرُ في الهواءِ نشارةً ونجوماً.

 

أحدُهم يمزِّقُ الفضاء بصرخةٍ

لأنَّ جذعَ شجرةٍ سحقَ ذراعَه

فطقطقَتْ كما يفعلُ غصنٌ ثخينٌ إذا انفلع

وكنتُ أنا هناك، كنتُ صغيراً.

 

أحدُهم يسقط عن الدَّرَّاجةِ المقيَّدة

وحين ينهض تكون كُمُّ سُترتِهِ قد مُزِّقَتْ

ويجري هرباً مِن مُطاردِه.

 

أحدُهم يُبعِدُ الأطفالَ وغرابيبَ الزَّرع

ببندقيَّةٍ محشوَّةٍ بالملح.

 

آخرُ مليءٌ بالعضلاتِ وبالبُقَعِ على قميصه التَّحتيِّ،

إليَّ بفنجان قهوةٍ يا إيزولينا، يقول.

 

أحدُهم ينقرُ في صبيحة الميلاد

على علبةِ حذاءٍ تحت إبطه

افتحوا، افتحوا. لقد وصلَ العمُّ، لقد وصلَ

خفيةً من فرنسا، يصيحُ.

 

إحداهنَّ تخرجُ من بيتها مغطِّيةً عيناً بيدِها

بينما بالعين الأخرى تبكي.

 

إحداهنَّ تضحكُ ولديها فجوةٌ كبيرةٌ بين أسنانها الأماميَّة،

الأخرى أيضاً تضحك، ولكن ليس لها فجواتٌ ولا أسنانٌ أماميَّة.

 

إحداهنَّ تكتبُ على صُرَّةِ بِقالةٍ

مُتعَبةٌ أنا من البقاء في هذا العالَم، سأمضي إلى العالَم الآخَر.

 

أحدُهم يُعِدُّ لافتةً

ليضعها على كومةِ أحطابه في الغابة،

“لا تلمسْها فلقد كابدتُ المتاعبَ في جمعِها”، مكتوبٌ بطلاءٍ أحمر.

 

أحدُهم يُعِدُّ قطعة صابونٍ صغيرةً من التِّي إنْ تي

ليضعها تحت كومةِ الأحطابِ السَّابقة الذِّكر

ولكنَّني لم أرَه.

 

إحداهنَّ تركلُ قطَّاً

وتفقد خُفَّها إثر ذلك.

 

إحداهنَّ تفقدُ عقلَها عندما يحلُّ المساء

بعدَ زجاجةٍ من الأبسنت.

 

لإحداهنَّ حدبةٌ كبيرةٌ

ودائماً ما تعثرُ على عملةٍ معدنيَّةٍ في الشَّوارع.

 

أحدُهم عُثِرَ عليه

في ليلةِ شتاءٍ قارسةِ البردِ

حذاؤه في الثَّلج

وعلى صدرِهِ رسومٌ خطَّها الثَّلج.

 

أحدُهم يقول إنَّ الليل هنا يهبطُ فجأةً مع الجبال

ولكنْ ما أجمله في الشِّتاء عندما تمتزجُ

الأعالي بالأسافلِ، والبياضُ بالزُّرقة.

 

أحدُهم بكلماتٍ مُتقَنةٍ

يصوغُ في تلك اللحظةِ خطابَ تمرُّدٍ على الرُّضوخ

تقولون لنا دائماً أنِ اعملوا

ولا تقولون أبداً للمهندسِ أن

يدفع لنا، قالَ. وذلك ما علِقَ بذهني

من تلك الذِّكرى.

 

أحدُهم يقرأ في مجلَّةِ ميكي

تروق له أفلام طرزان ولوريل وهاردي

وقد صنع في منزله زورقاً كبيراً للغاية

لا يمكن تمريره من الباب.

 

أحدُهم تذكَّرتُه الآنَ الآنْ

في هذا الضَّوء الخافتِ المسحوقِ بالظَّلام

ولكنَّني لا أذكرُ وجهَه.

 

أحدُهم يقول لي عندَ هذه النُّقطة ينبغي

أن تضعَ كلمةَ آمين

لأنَّ هذه قد تكون صلاةً، بالطَّريقةِ التي صُغتَها.

 

وأقولُ أنا إنَّ كلمةَ آمين تُعجبني

لأنَّها تشبه صلاةً ومطراً في قلب التُّراب

ورحمةً في قلب الصَّمت

ولكنَّني لن أضعَ كلمةَ آمين

لأنَّه ليس لديَّ أيُّ رحمةٍ نحوَكم

ليس لديَّ سوى عينيَّ في عيونكم

وفرحِ المقهورين وحزنٍ مهيب.

 

*

حُب

 

VI

 

قشِّريني، أنا الذي لرغبتي في أن أزهرَ

زهرةً تلوَ زهرة، صرتُ من فرطِ ازهيراري

غصناً بلا زهرٍ، لا تحرِّكه الرِّياح:

حرِّري أنتِ، يا إلهتي، حرِّيَّتي،

ضعي داخلَ عينيَّ

النُّورَ النَّاعمَ واللاذعَ لأملودِ بشرتِك:

الحبُّ هو عندما تصيرُ أصابعي

إذْ تلمسُكِ

أناملَ لأصابعِك.

 

*

مِن بعيدٍ

 

أحياناً، برفقٍ وأناةٍ، عندما الليلُ

يتجمَّعُ على جباهنا ويمتلئُ بالصَّمت،

ولا يعودُ ثمَّة مكانٌ للكلمات

وشيئاً فشيئاً تتكثَّفُ العذوبةُ من حولِنا

كلؤلؤةٍ حولَ حبَّةِ رملٍ مُفرَدة،

نتهجَّى حرفاً بحرفٍ اسمَ مَن نحبُّ

كيما نشكِّلَ صورتَه. آنذاك ينقلبُ الليلُ سماءً

في أفواهنا، والاسمُ رغيفاً ساخناً، مُفتَّتاً.

 

*

مآب

 

الأقدامُ حملَتْ إليَّ بهجةَ الدَّمغات،

دمغاتِ أقدامِكم الصَّغيرةِ على الثَّلج، أيُّها الأطفالُ

المنغرزون في رائحة الجِزَمِ المطَّاطيَّة

السَّوداءِ والحمراءِ والزَّرقاءِ حيث تبدأ الصَّعدة

حيث ينتهي مُنحَدَرُ الزلَّاجات

منحنياً في الذِّكرى، ها أنا أنحني في الذِّكرى

وبأقدامٍ مختلطةٍ نتقافز معاً في الثَّلج،

ثلجِ أيَّامٍ كان النَّظرُ فيها إلى السَّماء نزوةً كبرى،

ومؤكَّدةً كانت حقيقةُ الأشياء الملموسة،

ذلك ما سيكون في هذه السَّاعة، ذلك ما سأكونه مرَّاتٍ ومرَّات

بعيداً كما أنا في هذه السَّاعة، صوتٌ داخلَ صوتي

وعينٌ داخلَ عيني المتجدِّدة

ويدٌ أخرى جديدةٌ في بياضِ يدي.

 

*

(بلا عنوان)

 

أتركُ الغرفةَ كما كانت حين كانت في عينيكِ،

لُقياكِ هو المذاق الذي احتفظتُ به في رشفةِ قهوة.

بين المتعةِ وما تبقَّى من المتعة

جسدي مثلُ مكانٍ يُبكَى فيهِ

لأنَّه لا يوجد أحد.

ذات يومٍ صافياً وعاصفاً كان أيلول،

الصَّمتُ سقطَ صامتاً، والأرضُ عادت إلى السَّماء.

 

*

قصيدةٌ مكتوبةٌ بقلمِ رصاص

 

تابعٌ مُطيعٌ أنا للقلب الغرافيتيِّ لقلمِ الرَّصاص:

ضربةُ ممحاةٍ واحدةٌ فإذا الأثرُ المتروكُ لا أثرَ له،

ممرَّاتٌ مسلوكةٌ بخفَّةٍ

تعودُ لتدخلَ في سلاسةِ الطَّريق الرَّئيس،

الرَّجفاتُ يتمُّ اجتنابُها بتعليةِ الكتفين،

واللامتوقَّعُ شيخٌ في يدهِ خنجرٌ مثلوم.

 

القلبُ الغرافيتيُّ لا يعرف التَّوقُّفَ، ولا التَّردُّد:

في طريقه نفسِهِ الماضي قُدُماً

ما يُغرينا بإمكانيَّةِ الرُّجوع،

في أثره الدَّاكن نفسِهِ تستريحُ عذوبةُ البياض

وتعودُ أنجلينا إلى الابتسام

ممسكةً بيدِها طفلاً

أعمتْ بصرَهُ الشَّمس.

 

*

دائرة

 

يهبطُ الليلُ ويحطُّ بهوادةٍ وبلا ضجيج

مُحبِّراً بالظُّلمةِ صفحةَ الأحلام

بيدٍ أكثر خفَّةً من أنفاسِ إله؛

 

فيرفعُ الحلمُ تيجان العذوبة

يقدِّمُ لك شوكةَ البرد،

والغبارَ وجليدَ عينِ القمر؛

 

هنا، داخلَ الليلِ الذي يتآكل،

بقوَّةٍ أقلَّ مِن ذي قبل، عينان ستريان غداً أمامَهما

الأثرَ الذي تركتاه بالأمسِ وراءَهما.

 

[اختارها وترجمها عن الإيطاليَّة: أمارجي]

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى