حسين العوداتصفحات سورية

قصة المعارضة السورية/ حسين العودات

بقيت الانتفاضة السورية دون قيادة موحدة أكثر من أربعة أشهر، وكانت تقودها في كل منطقة أو محافظة لجنة من شبابها (غالباً)، ومن أهلها عموماً. ويتركز اهتمام هذه اللجنة على تحديد أساليب إدارة الاحتجاج والمظاهرات التي كانت يومية وغير مسلحة مطلقاً، مع أن النظام السياسي قابلها منذ الأسبوع الأول، بالعنف وإطلاق النار على المتظاهرين واعتقالهم وتعذيبهم.

وكان أول فصيل موحد ومركزي تأسس للمعارضة هو “هيئة التنسيق الوطنية”، التي تشكلت من عشرة أحزاب عربية وأربعة أحزاب كردية، تمثل مختلف أنواع الطيف السياسي السوري، باعتبارها أحزاباً قومية ويسارية وليبرالية، بالإضافة إلى شخصيات إسلامية.

وكانت لها صلات بتنسيقيات الحراك الشعبي السوري في مختلف المحافظات، وعقدت مؤتمرها الأول في يونيو 2011، وأصدرت بياناً أكد على شعارات ثلاثة هي: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل العسكري الأجنبي.

وما أن انتهى مؤتمر هيئة التنسيق حتى بدأ نشاط خارجي كثيف من سوريين يعيشون في الخارج منذ زمن طويل، يهدف لتشكيل تنظيم سوري معارض آخر خارج البلاد، بمساعدة بعض الدول العربية والأجنبية. وبالفعل تم تجميع عشرات من السوريين في الخارج، التقوا جميعاً تحت الخيمة التنظيمية للإخوان المسلمين وحزب الشعب (الشيوعي المعارض)، وبعض الأفراد المثقفين الوطنيين والليبراليين،….

واجتمعوا على عجل ودون اتفاق مسبق على برنامج أو أسلوب عمل أو منهج نضال، أو إدراك جدي للوضع السوري الداخلي أو للوضع الإقليمي والدولي، أو حتى لعنف النظام وقسوته. وسارعوا لعقد مؤتمر في إسطنبول بدأ أعماله بانتقاد هيئة التنسيق (أي المعارضة الداخلية) وإدانتها، وفتح صناديقه للمساعدات المالية من بعض الدول العربية وغير العربية..

وشكل ما سمي “المجلس الوطني السوري”، دون أن تكون له أية تنظيمات حقيقية في الداخل، أو حتى صلات منهجية وجدية، وبدأ يتصرف كالهواة، وحاول كسب “الجماهير” وثقتها وتأييدها وإبعادها عن هيئة التنسيق، وطرح شعارات متطرفة، وأوحى للنشطاء في الداخل ولجماهير الشعب، بأن التدخل العسكري الخارجي على الأبواب، ونادى بضرورة إسقاط النظام بكل رموزه، متجاهلاً الحل السياسي والنتائج المحتملة لهذه الشعارات كرد الفعل لدى نظام مستبد قمعي متعسف.. وقد أعطته هذه الشعارات المتطرفة المبررات التي يبحث عنها لممارسة العنف والقتل والتدمير.

وحرص بعض أنصار “المجلس” على تخصيص إحدى المظاهرات الأسبوعية التي كانت تحصل أيام الجمع، لطرح شعار “المجلس الوطني يمثلني”.

وكان القصد إقناع الداعمين العرب والأجانب بأن المجلس هو الذي يحرك المظاهرات، مع أن المظاهرات كانت في الواقع تحرك نفسها. وافترض أعضاء المجلس أنهم وحدهم يمثلون فعلا الشعب السوري، وطالبوا المجتمع الدولي بأن يعتبرهم ممثلاً شرعياً للشعب السوري، بل الممثل الوحيد، ورفضوا اللقاء أو التحالف مع أي فصيل من المعارضة الداخلية..

وأخذ الغرور أعضاء المجلس، وكانوا يرفضون أي لقاء أو تنسيق مع هيئة التنسيق، بحجة أنها متخاذلة ومتواطئة مع النظام. وكان السبب بالتأكيد غير ذلك، فمن جهة كان الإخوان المسلمون يرفضون الوحدة مع هيئة التنسيق التي تضم أحزاباً قومية وليبرالية ويسارية، كي يبقوا وحدهم الأكثرية والموجه الحقيقي للمجلس الوطني. ولذلك، وبعد أن وقَع رئيس المجلس ووفد المجلس اتفاق وحدة مع هيئة التنسيق بإشراف جامعة الدول العربية، في الأيام الأخيرة من عام 2011 في القاهرة، أجبر الإخوان المسلمون رئيس المجلس على سحب توقيعه قبل ساعات من إيداع الاتفاق لدى الجامعة.

تبين لهيلاري كلينتون بعد عام من تأسيس المجلس الوطني، أنه بدون جماهير ولا أهمية له في الحراك الشعبي، ولا جدوى من استمراره، فتم تأسيس الائتلاف الوطني (القائم حالياً) كبديل عنه في مؤتمر عُقد في الدوحة، واعتبر ممثلاً رئيساً للمعارضة السورية، وأهملت معارضة الداخل كلياً لأنها ترفض التدخل الأجنبي سياسياً أو عسكرياً.

ورفض الائتلاف بدوره التنسيق مع المعارضة الداخلية، للوصول إلى برنامج موحد ووفد موحد إلى جنيف. ورغم أن الإخوان المسلمين لم يعودوا مهيمنين على الائتلاف كما كانوا يهيمنون على المجلس، فإن بعض أعضاء المجلس ما زالوا يخشون وحدة المعارضة، إما خوفاً على مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم، أو استجابة لضغوط حلفائهم الخارجيين، أو لأن بعضهم ما زال يعتقد أن الحل العسكري هو الحل الوحيد للأزمة.

وفي الخلاصة، وسواء كان مؤتمر جنيف هو حبل الخلاص للأزمة السورية أم لم يكن، وسواء كانت وحدة المعارضة السورية هي التي توصل إلى هذا الحل من عدمه، فإنها في المحصلة صعبة المنال، لأن تبعثر المعارضة يعود في الغالب لأسباب ذاتية أساساً.

لقد استحكم الخلاف بين فصائل المعارضة السورية، وتدنى مستواه، وأصبحت معاييره ذاتية جداً، ولم يعد يتمركز حول القضايا الكبرى دائماً، بل نزل أحياناً إلى مستويات لا تليق بأي فصيل وطني سياسي مناضل، يخوض أشرس معركة ضد نظامه.

البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى