رزان زيتونةصفحات سورية

قصة بهاء “الطفل الشهيد” في “الجيش الحر”

 

رزان زيتونـة

بهاء لم يكن ليقبل بأقلّ من مادة ترثيه. ليس فقط لأنه “ملح الثورة” ومحبوب الثوار في مدينته داريا، بالضحكة وخفّة الظل والشجاعة والاندفاع. لكن أيضاً لأنه طالما أراد أن يكون كالأبطال.. يُحكى عنهم، وتُروى سيرهم، وتوضع صورهم على “بروفايلات” الأصدقاء في الشبكات الاجتماعية. على صفحته على الـ”فايس بوك”، كتب في وصف نفسه “أعمل على إنارة هذا العالم”!

 رجلٌ صغير، أو طفل يستعجل رجولته قبل أوانها، كان بهاء أبو طارق. مع بداية الثورة كان عمره ستة عشر ربيعاً، انضمّ وقتها للثورة في مظاهراتها السلمية التي استمرت طويلاً في داريا السلام والمحبة. تعرّض للاعتقال والتنكيل، ولم تشفع له طفولته لتجنب ما عاناه.

“عند وصولنا سحبوني على الأرض وكان كل عنصر جديد يراني يسرع ليوسعني ضرباً! كنت أنزف وكانت ملابسي قد صبغتها الدماء. حُرمت من الطعام والماء إلى وقت متأخر من مساء ذلك اليوم، وكنت جائعا كثيرا وكان جسمي يرتجف من شدة الوهن. ضربوني بالعصي وصعقوني بالكهرباء وسألوني عن حبوب الهلوسة وعن أي القنوات التلفزيونية أتابع…” هكذا قال في شهادةٍ له نشرتها إحدى صحف الثورة عن اعتقال وتعذيب الأطفال.

 في حديث بيني وبينه عبر دردشة إلكترونية، سألني بهاء، لماذا أحبّ يحيى الشربجي ونبيل الشربجي بهذا الشكل وأضع صورهم على “بروفايلي” وأكتب عنهم. لم أفهم سبب السؤال إلا بعد أن استدرك قائلاً إنه يريد أن يكون مثل يحيى ونبيل.. كيف يصبح مثل يحيى ونبيل، سألني..

 بعد استشهاده، نبّهني أحد الأصدقاء إلى صفحة على “فايس بوك” ترثي بهاء بعد استشهاده وتعدد مآثره.. تبيّن أن بهاء نفسه قد قام بعمل الصفحة في آواخر عام 2011 ….

 ما الغريب في ذلك كلّه على طفل في السادسة عشر من عمره؟ لا شيء على الاطلاق.. الغريب فقط هو أن يكون الطفل بهاء في صفوف الجيش الحر.. وأن يصاب، ويتعافى ثم يعود إلى صفوف المقاتلين حتى يستشهد بطلاً منذ أيام..

 ما لا أستطيع فهمه، هل اطّلع قائد كتيبته على تولّده عند انضمامه للقتال (كانون الثاني 1995)؟ هل دخل معه بأي حديث قبل تسليمه البندقية؟ هل يهتم أحد لعدم تجنيد الأطفال في الجيش الحر؟

 أعلم كل ما يمكن أن يقال.. بهاء كان ليستشهد بقذيفة “طائشة” وهو في سريره، أو برصاصة قناص وهو يعبر الشارع، أو يخطف ليعدم على يد الشبيحة.. اكثر من 5300 طفل وطفلة قتلوا قصفًا وحرقًا وقنصًا وخطفًا منذ بداية الثورة ولم يكونوا يقاتلون ضمن صفوف الجيش الحر!

 لكن هل يجعل ذلك من قضية مقتل أطفالنا تحصيل حاصل، لنصمت عن ذهابهم إلى حتفهم بقرار شخصي؟ عندما برزت قصص بعض النساء المنضمات للجيش الحر تعالت الأصوات “شو مابقي رجال بالبلد؟!”.. وعندما ينضم الأطفال للجيش الحر يكون الطفل “ماشاء الله حوله سابق عمره”!!

لا توجد إحصاءات حول أعداد الأطفال ضمن الجيش الحر، ببساطة لأن معظم حالات الاستشهاد ضمن صفوف الجيش الحر لا يُعلَن عن انتماء أصحابها أصلاً لصفوف المقاتلين، لأسباب أمنية تتعلق بأوضاع عائلاتهم. لكن جميعنا يعلم أيضا أنها ليست حالات فردية..

 الرحمة والمجد لك يا بهاء.. لم تجد الوقت لتكون مثل الرموز التي أحببتها، لكنّك كنت نفسك.. وأحبَّك الجميع وقدَّرك لما كنت عليه أنت وحدك.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى