صفحات العالم

قصف دمشق: الفعل المشين/ ماجد كيالي

 

يفترض بالمعارضة السورية عدم الاكتفاء بإدانة قصف دمشق، بل والإعلان، دون تردد، عن براءتها من الجماعة التي تجرأت على هذا الفعل المشين، الذي لايمكن تبريره، ولا بادعاء الرد على المجزرة التي ارتكبها النظام (في حمورية) قبل أيام، لأن الرد على الجريمة لا يكون بارتكاب مثلها، ولأن أي ثورة عندما تتوحش، وتتشبه بالنظام الذي يفترض انها تواجهه، تفقد شرعيتها، ومبرر وجودها.

لا يوجد ما يوجب الاعتقاد أن زهران علوش، قائد “جيش الإسلام”، يظن بأنه بفعلته الحمقاء، بقصف دمشق بعشرات الصواريخ، سيضعف النظام، لأن جلّ ما فعله، وأمثاله، منذ زمن، صبّ في تقوية النظام، وإطالة عمره، مقابل إضعاف الالتفاف الشعبي من حول الثورة، وإثارة المخاوف منها، وتشويه صورتها وحرفها عن مقاصدها.

والحقيقة فإن التحول نحو الصراع المسلح لم يقرّب ساعة انهيار النظام، كما لم يساهم في حماية البيئات المتعاطفة مع الثورة السورية، بل إنه ساهم في إضعافها، من خلال تعريضها للحصار والتجويع والقصف، الذي أدى إلى تشريد سكانها.

معلوم أن هذا التحول لم يأتِ كنتاج لتطور فاعليات الثورة السورية، وأنه جاء في ظروف غياب الاجماعات السياسية، وافتقاد السوريين القيادة والتنظيم، وبدفع من الخارج. ومن حيث التجربة فلا يمكن الحديث عن نجاح هذا الشكل من الصراع، فقط، بدلالة ضعف النظام، وتراجع قدرته على السيطرة، وتآكل وجوده في مناطق واسعة من سوريا، لأن ذلك كله لم يصبّ أصلا في مصلحة الثورة. فالمناطق المعنية أضحت شبه خالية من السكان، وباتت خاضعة لهيمنة الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي لا تعترف بالثورة، ولا بمقاصدها المتعلقة بالحرية والكرامة والديموقراطية، وهذا ينطبق على المناطق التي تخضع لهيمنة “داعش” و”النصرة” وجماعة علوش؛ في معزل عن أية خلفية ايديولوجية؛ لأن هذه الجماعات تكفر بعضها، وتكفر السوريين، من المسلمين وغير المسلمين.

وكان السوريون تعرّفوا على نماذج لسلطات بائسة ومتخلفة ومستبدة، لا معايير سياسية وقانونية وأخلاقية تحكمها، حاولت فرض سلطتها عبر مايسمى “الهيئات الشرعية”، بالقوة والقسر. وهي سلطات ركزت منذ البداية على فرض اجنداتها، واستهداف النشطاء، الذين اثبتوا ذاتهم في مواجهة رصاص قوات الامن وهراواتهم، في الأشهر الأولى للثورة، إذ تعمدت الاعتداء عليهم واختطافهم وتشريدهم، وقتل كثيرين منهم. وكنموذج لهذه الأفعال اختطاف الاب باولو في الرقة، واختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة في دوما.

والواقع فإن هذه الجماعات بطريقة عملها غير المسؤولة، وبرهاناتها الخارجية، ادخلت السوريين في مواجهات غير محسوبة، أضرت بهم وبثورتهم، وأفادت النظام، منذ اعتمادها استراتيجية احتلال المدن (تموز 2012). المشكلة ان قوى الثورة، في خضم تركيز جهدها ضد النظام، وبسبب ضعفها وارتهانها للخارج وتوهمها بإمكان استثمار ما يجري، سكتت عن هذه الجماعات ما اضعف مكانتها وصدقيتها.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى