صفحات العالم

قصف مفاعل دير الزور : القصة غير المرويّة

 

في ظل الحال التي تعيشها سوريا اليوم، والكلام الكثير عن الأسلحة الكيميائية، كشف النائب السابق لمستشار الأمن القومي، إليوت إبرامز، فصلاً من كتابه «اختبار صهيون: إدارة بوش والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني»، لرواية قصة قصف مفاعل ديز الزور السوري في العام 2007

إليوت أبرامز*

فيما تدخل الحرب الأهلية في سوريا عامها الثالث، يكثر الحديث عن ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. من اللافت أن الحديث يتركز على الأسلحة الكيميائية، وليس على أمر أكثر خطورة، أي الترسانة النووية، التي كان من المحتمل أن تمتلكها. وهنا نروي لكم ما وراء كواليس قصة عدم امتلاك سوريا سلاحاً نووياً.

توتّرت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان عام 2006، فقد رأت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس أن الإسرائيليين لم يتعاملوا كما يجب مع الجوانب العسكرية والدبلوماسية من الصراع. وعلى الرغم من أن العلاقة الشخصية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الأميركي جورج بوش كانت ممتازةً، إلا أنّ العلاقات مع رايس كانت تتّسم أحياناً بالمواجهة، على الأخص حين كانت تسعى، في الأمم المتحدة، إلى وضع حدّ للحرب، فيما كان يرغب أولمرت بالمزيد من الوقت لمهاجمة حزب الله.

ومع انتهاء الحرب في 14 آب 2006، تراجعت مكانة أولمرت السياسية وباتت قدرته على التفاوض حول اتفاقية سلام مع الفلسطينيين موضع شكّ.

طلب إسرائيلي عاجل

في منتصف أيار 2007، تلقينا طلباً عاجلاً لاستقبال رئيس جهاز الموساد مئير داغان في البيت الأبيض. وقد طلب أولمرت أن يُسمح له بإطلاع بوش شخصياً على بعض المواد التي كانت بحوزته. حاولنا تفادي ذلك واقترحنا أن يكشف أولاً على ما كان بحوزته إلى مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي وإليّ شخصياً. وقد انضم إلينا نائب الرئيس ديك تشيني في مكتب هادلي للاطلاع على ما كان لدى داغان. ما كان بحوزته أدهشنا، فقد أظهر لنا معلومات استخبارية تفيد بأنّ سوريا تبني مفاعلاً نووياً حصلت على تصميمه من كوريا الشمالية، وهي تبنيه بمساعدة تقنية من بيونغ يانغ.

لقد غادر داغان تاركاً رسالةً واضحة: كل صنّاع السياسة الإسرائيليين الذي اطّلعوا على الدليل اتفقوا على أنّ هذا المفاعل يجب أن يزول.

بعدها، بدأت مرحلة أربعة أشهر من التعاون الوثيق مع إسرائيل حول المفاعل، الذي عرف باسم مفاعل الكبر. وما أن أكدت استخباراتنا الخاصة المعلومات الإسرائيلية واتفقنا جميعنا بشأن ما كنّا نتعامل معه، وضع هادلي أطر عملية تهدف إلى جمع معلومات إضافية ودراسة خياراتنا ومشاركة إسرائيل بما نفكر به.

تمت إدارة هذه العملية كلياً من البيت الأبيض، بمشاركة عدد محدود من الأشخاص للمحافظة على السرية. وقد نجح مسعى الحفاظ على السرية ولم يسجل تسريب أي معلومة، ما يعتبر أمراً نادراً في واشنطن.

في البدء، كان هناك شكّ في أن يكون بشار الأسد غبياً لدرجة أن يقوم بهذه المجازفة ببناء مفاعل نووي بمساعدة كوريا الشمالية. هل اعتقد فعلاً أن بإمكانه القيام بذلك والإفلات. وهل اعتقد أنّ إسرائيل ستسمح بذلك؟ ولكنه كاد أن ينجح فعلاً، فلو تم تشغيل المفاعل، لكانت أي ضربة عسكرية أدت إلى انتشار المواد المشعّة في الهواء وفي نهر الفرات المجاور، الذي كان يوفر المصدر المائي لتبريد المفاعل. وحين اكتشفنا أمر المفاعل، كان في مرحلة متقدمة من البناء وخلال أشهر قليلة سيصبح «حاراً» أي شغالاً.

استمرت المداولات حول طريقة التعامل مع المفاعل إلى جانب اجتماعات محمومة عقدت بشكل موازٍ بين رايس والإسرائيليين حول سبل التقدّم مع الفلسطينيين، لكن الموضوعين لم يتعارضا. ويعزى ذلك بشكل كبير إلى أن كلّ موضوع كان يتولاه أشخاص مختلفون. كان العمل في شأن الكبر نموذجاً للتعاون الأميركي ــ الإسرائيلي وللعمل في داخل المؤسسات بدون تسريب معلومات. فالأوراق التي كنت أوزعها على مجموعة العمل كانت تعاد إليّ بعد انتهاء الاجتماع أو كانت تحفظ في أماكن مغلقة.

شهدت اجتماعاتنا السرية في غرفة العمليات بالبيت الأبيض مناظرات حامية. لم يكن دور المتواجدين في الغرفة تقرير ما يجب القيام به بشأن المفاعل، بل كان الحرص على دراسة كلّ مسألة بدقة وشملها في المذكرات التي نوجهها إلى كبار المسؤولين في الشؤون الخارجية والرئيس.

واجتمع العديد من المرّات كلّ من هادلي ورايس ووزير الدفاع روبرت غيتس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن ومدير الاستخبارات الوطنية مايك ماكونيل ورئيس هيئة الأركان المشتركة بيتر بايس ونائب الرئيس تشيني في غرفة جلوس الرئيس في الجناح السكني من البيت الأبيض لإطلاعه على ما يجري والإجابة عن أسئلته.

نسخة كورية شمالية طبق الأصل

سرعان ما توضحت الحقائق المتعلقة بالكبر، كانت الوقائع حاسمةً ولم تثر أي جدل. من الواضح أن المنشأة مفاعل نووي يكاد يكون نسخةً طبق الأصل لمفاعل يونغبيون الكوري الشمالي، والكوريون الشماليون على صلة بتطوير سوريا لهذه المنشأة. واستناداً إلى موقع المفاعل وعدم اتصاله بأي شبكة كهربائية، بدا أنه جزء من برنامج أسلحة نووية وليس الهدف منه انتاج الطاقة الكهربائية.

كانت الخيارات المحتملة واضحةً أيضاً، هل ستكون ردّة الفعل علنية أم سرية؟ إسرائيلية أم أميركية؟ عسكرية أم دبلوماسية؟ كانت طريقة تنفيذ الخيار العسكري واضحةً لدى كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل: قصف المفاعل وتدميره. وقد طمأن الجنرال بايس الرئيس إلى أنّ هذا الأمر لا يشكل تحدياً عسكرياً. أمّا ما إذا كان أي خيار آخر غير الضربة العسكرية قادراً على تدمير المفاعل فهذا سؤال آخر، والصعوبات المرافقة لخيار مماثل واضحة: كيف يمكنك جلب المتفجرات الضرورية إلى المنشأة بدون اللجوء إلى هجوم عسكري؟ تم التوافق سريعاً على أن الخيار السري غير ناجع، وباتت الخيارات العسكرية تتركز على إزالة المفاعل، كما قال داغان حين زارنا للمرة الأولى. فمن الواضح أن الإسرائيليين يصرّون على وجوب إزالته. ثمّ وضعنا سيناريوهات معقّدة حول العمل العسكري الذي قد تقوم به الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يخصّ المسائل التالية: من تبلّغ؟ ومتى؟ وما الذي ستُعلن عنه وما الذي تبقيه سراً؟ وما الذي قد تقوله للسوريين وهل ستقول شيئاً ما أصلاً؟

كان الخيار الدبلوماسي مطروحاً أيضاً، فوضعنا سيناريوهات موسعةً له. حيث نبدأ بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية ثم نعلن عن هذه الوقائع خلال جلسة دراماتيكية لحكام الوكالة في فيينا، نطالب خلالها بتفتيش فوري ووقف سوريا العمل بالمفاعل. وإن رفضت، نلجأ إلى مجلس الأمن الدولي ونطلب منه التحرك، وفي حال لم يقم بأي عمل، يظلّ الخيار العسكري مطروحاً.

ولكن هذا الخيار السياسي بدا سخيفاً بالنسبة لي. فأولاً، إسرائيل لن تقبل به لتجاربها السابقة السيئة في الأمم المتحدة، وثانياً، الأمر لن ينجج لأن أصدقاء سوريا في الأمم المتحدة، وخاصةً روسيا، سيحمونها. وأيضاً، القول إن الخيار العسكري يبقى الملاذ الأخير كان مضللاً. فمتى أعلنّا عن علمنا بالمفاعل، يمكن لسوريا أن تقيم روضة أطفال إلى جانبه أو أن تقوم بأي خطوة مشابهة لاستخدام دروع بشرية. فالعمل العسكري يتطلب السرية، ومتى أصدرنا أي موقف علني حول الكبر، تزول إمكانية اللجوء إلى هذا الحلّ.

رأى نائب الرئيس، ديك تشيني، أن على الولايات المتحدة أن تقصف المنشأة. فنظراً إلى المشاكل التي نواجهها في العراق وتصاعد المواجهة مع إيران، قد تساهم هذه الخطوة في التأكيد على القوة وتساعد في استرداد صدقيتنا. ثمّ سأل الرئيس «هل يوافق أحد هنا مع نائب الرئيس؟»، لم يرفع أي شخص في الغرفة يده.

وأنا لم أرفع يدي أيضاً لأنني رأيت أن على الإسرائيليين أن يقصفوا المفاعل ليستعيدوا صدقيتهم بعد السنتين السيئتين اللتين عانوا منهما، إثر الحرب الثانية على لبنان عام 2006 ثمّ سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007. بدا لي أن إسرائيل هي من ستتضرر إن قمنا نحن بقصف المفاعل. ومن شأن هذا التحليل أن يزيد إيران وحماس جرأةً، ما سيضرّ بشدّة بالمصالح الأميركية. كما من شأن حصول ردّة فعل عدائية في العالم الإسلامي أن تضرّ بنا فيما نخوض حربين بالعراق وأفغانستان، وهذا سبب إضافي لنترك إسرائيل تقوم بهذا العمل.

كان الوزيران رايس وغيتس متحمسين بشدّة للخيار الدبلوماسي. حتى أن غيتس دعا إلى منع إسرائيل من قصف المفاعل، والتحذير من أن أي عملية مماثلة قد تهدد العلاقات الإسرائيلية ــ الأميركية. ظننت أنني فهمت السبب الذي يدفعه إلى معارضة ضربة أميركية لسوريا: فقد كانت أميركا تخوض حروباً في دولتين إسلاميتين، لذا ضرب دولة ثالثة لم يلق استحسانه على الإطلاق. ولكنني لم أفهم سبب إصراره الشديد على منع ضربة إسرائيلية، كما لم أفهم موقف الوزيرة رايس المماثل لموقفه.

رأيت بوضوح أننا في حال عجزنا عن منع سوريا من امتلاك برنامج أسلحة نووية، سيضعف موقفنا في كلّ الشرق الأوسط. فإن كان ثمّة مخاطر وعواقب لضرب سوريا بأنفسنا، لا ينبغي أن نسمح لإسرائيل بضربها فقط، بل أن نشجعها على ذلك أيضاً. فبرنامج نووي سوري إلى جانب آخر إيراني، يجب أن يكون مرفوضاً بشكل قاطع من قبل الولايات المتحدة.

إسرائيل التي تواجه حماس في غزة وبرنامجين نووين في دولتين معاديتين لها، في إيران والآن عبر الحدود في سوريا، لن تقبل أبداً تحمّل المخاطر التي نطلبها منها.

بدت الحجج الداعية للتوجه إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة واهيةً بالنسبة لي. فمن يعتقد فعلاً أنه يمكن لهذه المنظمات أن تتحرك بفاعلية؟ من يعتقد أننا لن نجد أنفسنا بعد خمس سنوات لا نزال نمارس الرقصة الدبلوماسية عينها بشأن البرنامج السوري كما نفعل بشأن البرنامج الإيراني؟

وفي النهاية، توصلت سياستنا شبه المثالية إلى نتيجة خاطئة. ففي جلسة أخيرة بالغرفة البيضاوية الصفراء في الجناح السكني، أيّد بوش موقف رايس. سنتوجه إلى فيينا، إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سيتصل بأولمرت ويبلغه القرار. لقد ذهلت وأدركت أنني قللت من تقدير مدى تأثير رايس حتى بعد كلّ هذا الوقت.

حاولت أن أفهم هذا الموقف ولكنني عجزت عن ذلك. ربما كان سببه القلق عينه الذي راود غيتس حول ضربة عسكرية أميركية جديدة في العالم الإسلامي. ولكن هذا لا يفسر لمَ وافق على استراتجية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حين كان بإمكانه القول «لندع الإسرائيليين يقومون بما يريدونه، لنخبرهم فقط أننا لن نقوم بذلك».

في كتاب مذكراته، يشرح بوش أحد الأمور الأساسية التي أخذها في عين الاعتبار: لقد أبلغته وكالة الاستخبارات المركزية أنها على «ثقة كبيرة» بأن المنشأة في سوريا هي مفاعل نووي ولكنها على «ثقة قليلة» بأن سوريا تمتلك برنامج أسلحة نووية، لأنها عاجزة عن تحديد أماكن باقي مكونات البرنامج. واعتقد الرئيس أنّ الرأي المتعلق بأن «الثقة قليلة» سيسرب إلى الإعلام، وستهاجم الولايات المتحدة لقيامها بالضربة على الرغم من هذا التقرير الذي يشير إلى «ثقة قليلة» بوجود برنامج أسلحة نووية. إن هذه الحجة منطقية ولكنها تفسر فقط لمَاذا لم نقصف نحن المفاعل ولكن ليس لماذا حثّ الإسرائيليين على الامتناع عن القيام بذلك.

في 10 تموز، سلّمت هادلي مذكرة أشرح فيها وجهة نظري حول أين نقف مع الإسرائيليين. في البداية، كنّا على وشك أن نقول لهم إننا تباحثنا حول أي منّا سينفذ الضربة ضد المفاعل، ثمّ قررنا أنه لا ينبغي لأي منّا استخدام القوة، وكنّا سنقول لهم إننا سنضغط عليهم لعدم القيام بذلك حتى لو لم يوافقوا. سنقول كل ذلك على الرغم أن حركة حماس سيطرت على قطاع غزة للتوّ، وحزب الله عاد مسلحاً بالكامل في لبنان، وإيران تتجه نحو التمتع بالقدرات النووية، وكانت سوريا تبني مفاعلاً لا يمكن إلا أن يكون جزءاً من برنامج نووي.

بدا كأننا نقول للإسرائيليين إننا على وشك أن ندعو إلى اجتماع دولي حول الشأن الفلسطيني، وهو أمر لم يكن الإسرائيليون راغبين فيه ويخشون منه، وسنقوم بذلك خلال خطاب رئاسي يجري الحديث فيه عن مفاوضات حول قيام دولة فلسطينية «قريباً» (وردت هذه الكلمة في مسودات الخطاب). في تلك المرحلة، كان سلام فياض قد تسلم رئاسة الحكومة منذ شهر فقط، ومع ذلك بدأت السلطة الفلسطينية تشهد تغييرات. فبات يتواجد رجل تنفيذي جاد وموهوب وغير قابل للفساد على رأس الحكومة، وهذا أمر لم يحدث من قبل. لذا أقل ما يمكننا فعله هو دعمه بالكامل. في 16 تموز، ألقي الخطاب الذي سعت إليه كوندي، وعنونت وسائل الإعلام «بوش يدعو إلى مؤتمر حول السلام في الشرق الأوسط».

قبل ثلاثة أيام، في 13 تموز، اتصل الرئيس بوش بأولمرت وشرح له رؤيته. قال بوش لأولمرت: لقد درست هذه المسألة بالكثير من التفصيل، وراجعت كل سيناريو محتمل وتبعاته المحتملة. بحثنا في الخيارات العلنية والسرية واتخذ القرار. لن نسلك المسار العسكري، بل سنتوجه إلى الأمم المتحدة. وأضاف بوش في الاتصال: «سنعلن عن هذا الأمر قريباً، وسنطلق بعدها حملة دبلوماسية كبرى تبدأ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ثمّ مجلس الأمن الدولي، وبالطبع يبقى الخيار العسكري مطروحاً في نهاية المطاف».

تساءلت كيف ستكون ردة فعل أولمرت، واعتقدت أنه سيقول «انتظر، أعطني بعض الوقت لأفكر في الأمر ولأتشاور مع فريقي وسأتصل بك غداً». ولكنني كنت مخطئاً، فردّة فعله كانت فورية وشديدة. قال: «جورج، فاجأني هذا الأمر وخيّب أملي، ولا يمكنني أن أقبله. لقد أبلغناك منذ اليوم الأول حين أتى داغان إلى واشنطن، وقد كرّرت لك كلّما ناقشنا الموضوع إنه يجب إزالة المفاعل، لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع مفاعل نووي سوري، لن نقبل ذلك. سيغيّر ذلك المنطقة بكاملها ولا يمكننا قبول ذلك. أنت تقول لي إنك لن تتصرف، لذا سنتصرف نحن. التوقيت مسألة أخرى، لن نقوم بأي شيء متهوّر».

بعد تلك المحادثة، حصلت فجوة شهريْن من 13 تموز إلى 6 أيلول، بتنا اليوم نعلم أن الإسرائيليين ملأوها بالحسابات العسكرية ومراقبة الطقس والتحركات السورية على الأرض، بهدف التأكد من أنها قادرة على التصرف قبل أن يصبح المفاعل في وضع «حاسم» أو «ساخن».

لقد علمنا أنّ الإسرائيليين سينفذون الضربة عاجلاً أم آجلاً. وقد تصرفوا في النهاية حين أصبح تسريب وجود المفاعل وشيكاً، ما يعني أن سوريا ستدرك أن إسرائيل تعرف بوجوده. وسيمنح ذلك الأسد الوقت ليضع مدنيين أو وقوداً نووياً قرب الموقع. لم يسعَ الإسرائيليون للحصول على ضوء أخضر منّا ولم يحصلوا عليه. كما أنهم لم يعلنوا عن توقيتهم مسبقاً، لقد أخبرونا أنهم يقصفون الموقع. اتصل أولمرت بالرئيس في 6 أيلول حاملاً الخبر.

أولمرت «الجريء» يفرض خياره

عندما كنت أجلس في المكتب البيضاوي في 13 تموز استمع إلى المحادثة مع أولمرت، كنت أتساءل ما ستكون ردّة فعل الرئيس تجاه العمل الإسرائيلي. هل سيردّ بغضب؟ بمزيد من الضغط؟ لم تكن ردّة فعله أيّ واحدة منهما. استمع إلى أولمرت بهدوء وأقرّ بأن إسرائيل تتمتع بالحق في الدفاع عن أمنها القومي. وبعد انتهاء المكالمة، قال بوش شيئاً مثل: «هذا الرجل يتمتع بالجرأة» بنبرة معجبة. وهكذا انتهت الحادثة، من الواضح أن اختلاف الرأي حول الكبر لن يؤثّر على علاقة بوش بأولمرت أو على نظرته إلى إسرائيل.

إن قبوله قرار أولمرت بسرعة دفعني إلى التساؤل حينها عما إذا كان الرئيس يتوقع هذه النتيجة ويرغب بها نوعاً ما، ولا أزال أتساءل حول ذلك حتى اليوم. فقد أيد كوندي وأظهر أنها لا تزال المسؤولة عن السياسة في الشرق الأوسط، لكن خطتها بـ«نقل الأمر إلى الأمم المتحدة» قضي عليها مع القضاء على المفاعل. لم يبد نادماً، لا بل أمرنا جميعاً بالتخلي عن خططنا الدبلوماسية والالتزام بالصمت لتتمكن إسرائيل من تنفيذ خطتها.

إسرائيل على حقّ

لقد صحّ التقويم الإسرائيلي للردّ المحتمل من قبل سوريا. اعتقد الإسرائيليون أنه في حال تكلموا أو تكلمنا نحن عن الضربة، سيضطر الأسد للردّ على هذا الإذلال عبر محاولة الهجوم على إسرائيل. لكن إن صمتنا جميعا، فقد لا يقوم بأي عمل، حتى أنه قد يحاول إخفاء أن شيئاً ما قد حدث. ومع مرور كلّ يوم، كان احتمال اعترافه بالحدث والردّ يضمحل. تلك كانت النظرية الإسرائيلية وهم يعرفون الرجل جيداً.

التزمنا الصمت، وكذلك فعل الإسرائيليون بدون أن ترد أي تسريبات. ومع مرور الأسابيع، ضعفت احتمالات حصول مواجهة إسرائيلية ــ سورية، ثمّ اختفت. لم تعترف سوريا قطّ بأن الموقع كان يضمّ مفاعلاً نووياً. وبعد القصف بوقت قصير، قامت سوريا بإزالة الموقع بالجرافات، والسبيل الوحيد للتأكد من عدم معارضة أكاذيبهم كان من خلال منع تحقيق كامل في المكان. فعندما وجد محققون تابعون للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعض آثار اليورانيوم خلال زيارة للموقع عام 2008، حرصت سوريا على عدم السماح لهم بالعودة إليه. هنا، تجدر الإشارة إلى نقطتين أخيرتين. أولاً، في أيار 2008، أعلن في اسطنبول عن محادثات سلام بين إسرائيل وسوريا بوساطة تركية. بدأت تلك المحادثات بدأت بشكل سري في شباط 2007، ومن الواضح أنها استمرت لما بعد الضربة الإسرائيلية. بدا وكأن الضربة جعلت السوريين أكثر رغبة بالحديث إلى إسرائيل. كما أنها جعلتهم أكثر خوفاً من القوة الأميركية.

* النائب السابق لمستشار الأمن القومي

(ترجمة: هنادي مزبودي)

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى