صفحات العالم

قصّة الاعتقالات… والإفراجات


الاعتقالات جزء من المشهد السوري، حتى قبل الانتفاضة، لكن مع انطلاق الحراك بات التوقيف قصة يومية لآلاف يقبعون بالسجون، لم يخرج منهم إلا قلّة خلال عملية الإفراج الأخيرة التي قامت بها السلطة

محمد صالح

دمشق | لا يكاد يوجد مواطن سوري في صفوف المعارضة إلا وله قريب أو صديق وراء القضبان أو أنه عاش هاجس الاعتقال في لحظة من اللحظات، لتمتلئ السجون وأقبية الأمن بآلاف المعتقلين منذ بداية الأزمة السورية حتى اليوم. ومع إفراج السلطات الرسمية عن قرابة الألف منهم، تفاءل البعض خيراً، لكن المفاجأة الكبرى كانت بأن معظم من أفرج عنهم هم من أصحاب التهم الجنائية. ولعل الاستثناء شمل فقط الناشط كمال اللبواني والمحللة النفسية الدكتورة رفاه ناشد، إضافة إلى عدد من المعتقلين على خلفية التظاهر او نشاطهم في الحراك المدني، فيما لا يزال الآلاف يقبعون في السجون بين طلاب الجامعات وأطباء ومثقفين وناشطين.

يقول أسامة، وهو أحد الطلبة والناشطين الذين تعرضوا للاعتقال ثلاث مرات، إن الموقوفين هم قسمان، الأول القي القبض عليه على خلفية مشاركته في التظاهرات، وهؤلاء إما يعتقلون عشوائياً أثناء التظاهرات أو أن الأمن يقوم بمداهمة بيوتهم لاحقاً اثر قيام بعض العناصر أو مؤيدي النظام بتصويرهم وهم يشاركون، وهو ما حصل معه أثناء اشتراكه في احدى التظاهرات في حرم الجامعة، إذ يقول إن عدداً من زملائه عمدوا إلى تصوير الطلاب وشاهدهم وهم يطلعون الأمن عليها. أما القسم الآخر فهو معتقل لنشاطه الافتراضي على مواقع التواصل أو الكتابة والتدوين أو لقيامه بحراك معين على الأرض، أمثال المدون حسين غرير والصحافي عامر مطر والموسيقي وائل القاق ـ الذي أفرج عنه ليغادر البلاد لاحقاً. وهؤلاء قد يختطفون من بيوتهم كما هي الحال مع الناشط الراحل غياث مطر أو من الشارع مثل بسام القاضي، الذي اختفى منذ يومين.

وتتراوح فترات التوقيف، بحسب قول الناشط الحقوقي مضر، بين ساعات، كما حصل مع عدد من المعتقلين في اليومين الماضيين، وخصوصاً في التظاهرات التي شهدتها الجامعات الخاصة، وبين أشهر. إلا أن غالبية فترات الاعتقال لا تمتد لأكثر من شهرين، وفي حالات نادرة لثلاثة اشهر، ليصار حينها إما إلى الإفراج عنهم أو تحويلهم للقضاء بتهم متعددة، اغلبها «التحريض على التظاهر، وإيقاظ النعرات الطائفية»، بالإضافة إلى نشر أنباء كاذبة من شأنها ان «توهن نفسية الأمة»، كما حصل مع الناشطين هنادي زلحوط وردوي عثمان، أو المحللة النفسية رفاه ناشد والكاتب الصحافي إياد شربجي، وحينها قد يقبل القاضي بإخلاء سبيل الموقوفين بكفالة مالية. لكن في المقابل فإن بعض المعتقلين يبقون منسيين في أقبية الأمن لفترات طويلة وهؤلاء قد يكونون منتمين لمناطق صغيرة أو نائية وانتقلوا للتحقيق معهم إلى دمشق أو المدن الكبرى، وفي حالات أخرى قد يخرج الموقوف من السجن لتصادر حريته مجدداً من احدى أفرع الأمن، وهو ما حصل مع الناشط السياسي نجاتي طيارة، ومثله الدكتور كمال اللبواني، ويعود ذلك لعدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية التي تعيد طلب الموقوف فور انتهاء أحدها من التحقيق معه. ويشير حازم، وهو شاب من حمص اعتقل اثناء اقتحام الأمن لمنطقة باب السباع ثم تم نقله إلى دمشق ليفرج عنه مؤخراً، إلى أن «الزنازين مملوءة حتى أدق الزوايا وسط ظروف لا علاقة لها بالإنسانية». ويضيف «على ما يبدو كانت لديهم أوامر بالتعذيب حتى لو توفي المعتقل تحت وطأة التعذيب الذي يبدأ مع لحظة التوقيف مروراً بالحافلات التي تقلهم إلى مراكز الاعتقال، وهناك يتكرر التحقيق نفسه لمرات عدة مع تغطية للوجه كي لا يرى المعتقل العناصر أو المحققين، وغالباً ما يزرع أشخاص داخل الزنازين لكشف معلومات أكثر عن الموقوف، وفي حال إصابته واضطرارهم لنقله إلى المستشفى فانه يسجل كمجهول الهوية ووسط حراسة أمنية مشددة إضافة لاتهامه جهاراً أمام الناس بقتل عناصر الأمن. وإذا ما قرروا لاحقاً إطلاق سراحه فانه يوقع على تعهد بعدم المشاركة بأي تظاهرة او القيام بأي نشاط سياسي او ديني من شأنه المساس بأمن سوريا وبتحمله كامل المسؤولية حال الإخلال بهذا التعهد».

ويلفت الشاب إلى أن بعض الموقوفين قد اجبروا على التوقيع على أوراق فارغة قال بعض العناصر إنهم سيعبئونها باعترافاتهم التي أخذت لاحقاً». وللاعترافات قصة أخرى بحسب قوله، «فعندما تعتقل مجموعة فإن اعتراف احدهم او ما ينتزع منه بالإضافة لما يؤلفه العناصر، أي أن الاعترافات نفسها ستكتب في ملف كل موقوف لترفع لاحقاً للقضاء»، مشيراً إلى أن الجميع يعاملون بوحشية، وخصوصاً أهل حمص وحماه ودرعا، فيما يحظى أبناء المناطق الساحلية بقسوة أشد، أما المسيحيون فيصرون على إسماعهم دروساً في الوطنية والتخويف من همجية الإسلاميين في حال سقوط النظام».

بدوره، يكشف أحد الناشطين من حمص عن لعبة إعلامية قام بها النظام، إذ أخرج قرابة الـ300 معتقل من السجن المركزي في حمص لتقوم قناة الدنيا والتلفزيون الرسمي بتصويرهم وهم يخرجون عند بوابات السجن، «وما أن غادرت الكاميرات حتى أعادوهم مجدداً»، فيما فضل البعض ممن أفرج عنهم البقاء بعيدين عن الأنظار خشية إعادة توقيفهم.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى