صفحات العالم

قلق «حزب الله»

 


وليد شقير

من أبلغ ما قاله الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه أول من أمس لمناسبة الذكرى الحادية عشرة لعيد المقاومة والتحرير، هو حين خاطب «شعوبنا العربية» محذراً إياها من «أن تلقوا بأنفسكم في أحضان الأميركيين من جديد، وإذا كنتم تريدون أن ترجعوا الى عند الأميركيين ابقوا حيث أنتم».

ومن المؤكد ان السيد نصرالله لا يقصد وضع الشعوب العربية أمام خيارين: إما الثورة من اجل الديموقراطية وتغيير الأنظمة مع اتخاذها موقفاً واضحاً ضد أميركا والتزامها دعم المقاومة في مواجهة إسرائيل، وإما الإبقاء على هذه الأنظمة مع استمرارها في الانصياع لأميركا وفي خطابها اللفظي ضد إسرائيل بموازاة تواطئها مع الدولة العبرية تحت الطاولة وفي الخفاء وفتحها قنوات التفاوض والتسويات معها لحماية أرباب هذه الأنظمة، فالأمين العام لـ «حزب الله» يدرك ان الموجبات الداخلية للثورات العربية ضد القهر والقمع والإذلال والفساد والديكتاتورية العمياء، لا ردّ لها بعد ان كُسِر حاجز الخوف أينما كان.

إلا ان استخدام السيد نصرالله تعبير «ابقوا حيث أنتم»، على رغم انه تعبير مجازي، يكشف قدراً من القلق لدى «حزب الله» إزاء التحولات السياسية التاريخية الجارية في المنطقة، بالعلاقة مع توجهاته ومشروعه، فالحزب كان يأمل من هذه التحولات، شأنه شأن ايران، منذ بدايتها في تونس وتحديداً في مصر، وقبل ان تنتقل الى دول أخرى ولا سيما سورية، ان تقود الى قيام معادلة إقليمية جديدة: أن يقود تغيير الأنظمة الى قيام محور أو صيغة تعاون مصري – إيراني – سوري – تركي، تتحلق حوله دول عربية أخرى، وقوى مثل الحزب و «حماس» ويكون لبنان، بحكم موازين القوى، في إطاره… إن صيغة التعاون المفترضة هذه كحصيلة للثورات العربية، هي التي عبّرت عنها طهران بحديث المسؤولين فيها عن الشرق الأوسط الإسلامي.

إن الأمل بتعاون إقليمي من هذا النوع مشروع، وقد تظهر ملامح لاحقة له، مع استمرار التحولات الإقليمية، لأنه يعطي للعرب والدول الإسلامية ثقلاً كبيراً على الساحة الدولية في وجه السياسات الأميركية تجاه المنطقة، وخصوصاً فلسطين، لا سيما اذا انضمت إليه دول الخليج وخصوصاً السعودية.

إلا أن آليات الملاءمة بين التحول الديموقراطي في عدد من الدول التي تشهد ثورات الشعوب، وبين سياساتها الخارجية، تأخذ شكلاً تدريجياً تدخل في حساباته مصالحها القومية والاستراتيجية وإمكاناتها، وتحت سقف مختلف عن سقف التعاون الإقليمي الذي يأمل به «حزب الله» وإيران، والذي تتداخل فيه مقتضيات المقاومة في مواجهة إسرائيل، مع المواجهة التي تخوضها إيران ضد الغرب حول ملفها النووي. ومن الأمثلة عن السقف الذي تعتمده الأنظمة الجديدة التي تستكمل التحولات فيها، قيام مصر بفتح معبر رفح، وإعادة الوحدة الى الحركة الوطنية الفلسطينية عبر رعاية القاهرة للمصالحة بين «فتح» و «حماس»، وإعادة النظر بعقود بيع الغاز المصري المخفّض السعر لإسرائيل… في خطوات تدريجية على طريق رسم سياسات جديدة في التعامل مع الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو أمر يعيد لمصر وللدول الأخرى المتحولة ديموقراطياً دورها في هذه المسألة بعد ان عوّضت ايران عن غيابها.

وهذا القلق من وجهة التحولات العربية بالمعنى الإقليمي في كفة، والقلق من الوضع في سورية في كفة أخرى، خصوصاً ان نصرالله تحدث عنه بوضوح وبلغة واقعية، بعيداً من المجازية، فهو لم يردد الخطاب الإعلامي السوري باتهام المحتجين السوريين بأنهم مجموعات إرهابية او سلفيون، وبأن ما يقومون به مؤامرة خارجية، في معرض تأكيده ان القيادة السورية راغبة في الإصلاح وبدعوته السوريين الى «أن يعطوا المجال للقيادة السورية بالتعاون مع كل فئات شعبها لتنفيذ الإصلاحات وأن يختاروا طريق الحوار وليس الصدام».

كان طبيعياً ألا يبدو السيد نصرالله قلقاً من حملة الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي على الحزب، لأن المناسبة التي يتحدث فيها ترمز الى مخزون الانتصار الذي حققه بإجبار إسرائيل على الانسحاب من الجنوب عام 2000، وبهزمها في تموز (يوليو) عام 2006، في شكل غيّر المعادلة في المواجهة مع إسرائيل.

لكن المقلق أن السيد نصرالله لم يُظهر قلقاً إزاء الوضع اللبناني الداخلي بفعل الفراغ الحكومي وتعمّق الانقسام والتحديات الظاهرة وغير الظاهرة، الى درجة انه تجاهل في خطابه دعوة خصومه، ولا سيما رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، لمناسبة الذكرى التي تتطلب وقفة تأمل، الى تقوية أواصر الوحدة الوطنية وإعادة إحياء التواصل بين اللبنانيين.

هنا، على اللبنانيين ان يزدادوا قلقاً.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى