رشا عمرانصفحات الناس

قل كلمتك وامش/ رشا عمران

 

 

بات مثيراً للحزن، أو للقرف، إن شئت، أن تكون مُطالباً في كل مرة تعلن فيها تضامنك الفردي، على صفحتك في “فيسبوك”، مع منطقة سورية تعتدي عليها جهة ما، بإعادة سرد مواقفك كلها، من أول درعا إلى مآسي اللجوء والبحث عن أوطان آمنة للسوريين، فثمة حواجز على “فيسبوك”، لا تختلف عن حواجز الجيش والأمن والكتائب المسلحة على امتداد الأرض السورية التي يعمّها الخراب، ثمّة من يوقفك هنا أيضاً، ويطلب هويتك، ويرى مكان ولادتك، ويقارن بين مكان ولادتك وموقفك الأخير، وسيدينك حتماً، ويطلق عليك تهمة خيانة الثورة، والتمترس وراء أقليتك، ستسمع الجملة التالية حتماً: “أين كان صوتك عندما كان المكان الفلاني يتعرض لكذا، وعندما كان إخوتنا في المكان الفلاني يشرّدهم الحزب الفلاني أو الفصيل الفلاني ..”. وهكذا على هذا المنوال، وسيكون هذا العسكري الفيسبوكي لم يسمع بك سابقاً، ولم يقرأ لك حرفاً، هو مصادفةً قرأ منشوراً تضامنياً لك، نقله فاعل خير إلى صفحته، ليدل على تآمرك على الثورة، فتضامن معه من لا يعرفك، وأشهر في وجهك سلاح الشتائم والاتهامات.

لا بأس، من يرسل إليك هذه الرسائل على الخاص لا يعرف عنك شيئاً. من يفعلون ذلك هم في العموم شبان صغار السن، كبروا مع الحدث السوري الأليم. لا يعرفون عن الآخر غير العدو الذي فتك بهم. ولا يعرفون عن هوية الوطن غير الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق، هذه الهويات التي عادة ما تبدو الملجأ الوحيد في الأزمات الوطنية الكبرى. أنت اعتدت على شتائم هؤلاء وسوء فهمهم كل ما يحدث، اعتدت على التفهم، وعلى التصالح مع هذه الظواهر، لم تعد تستفزّك رسائلهم وشتائمهم كما من قبل. هم ضحايا هذا العبث القاتل الذي حوّل السوريين إلى مجموعاتٍ تتنابز بمظلومياتها، أنت أحد هؤلاء الضحايا، وما تكتبه الآن هو أيضاً مظلومية، وإن كانت من نوع آخر.

ولكن، ماذا بشأن من يفترض أنهم أصدقاؤك ويعرفونك جيداً؟ تسأل نفسك هذا السؤال، وأنت تتصفح صفحات بعض أصدقائك، وتقرأ لهم منشوراتٍ تدل عليك، وإن لم تسمك صراحة. الاتهامات نفسها الموجهة لك ممن يجهلونك تقرأها عنك على صفحات بعض أصدقائك! سيجعلك ذلك تشكك في نفسك، وفي ما أنت عليه، هل مرجعية موقفك الأخير هي فعلاً منبتك، وانتماؤك الطائفي الذي لا يد لك فيه أصلاً، والذي لم تعترف به ولم تعرفه يوماً؟ هل فعلاً أنت تنتقد السياسة التركية في سورية وموقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي بات تقديسه بديلاً عن تقديس الأسد لدى بعض السوريين، لأنك، في قرارة نفسك، تكره الإسلام، كما يكتب عنك أصدقاؤك؟ هل إعلانك أنك تقف مع الكرد السوريين في الغزو التركي على عفرين السورية هو إعلان لطائفيتك الكارهة أهل السنة، كما يقول أحد من يعرفونك جيداً عنك؟ ولكن مهلاً.. أليس الكرد سنة أيضاً؟ ثم أصدقاؤك أنفسهم يعرفون جيداً موقفك من الغزو الأميركي وكذا الإيراني والروسي، ومن كل من أيّد غازياً غريباً على سورية، سواء أكان الغزاة دولاً أو تنظيمات أو أفراداً. لا فرق لديك في ذلك، هل رفضك الغزوين، الأميركي والروسي، بسبب كرهك المسيحية، ورفضك للغزو الإيراني وتوابعه هو بسبب كرهك الشيعة؟ لماذا لم يتهمك أحد ممن يعرفك بذلك؟ لماذ تتهم فجأة بعدائك الإسلام والثورة، كلما تكلمت عن السياسة التركية في سورية، أو عن الأسلمة والتطييف المريب للثورة الذي أودى بها وبأنصارها إلى الهاوية؟

ستنسى كل الأسئلة السابقة، وتقف اليوم مع الجميلين من أصدقائك الكرد الذين كانوا أول من سقطت قلوبهم هلعاً على شهداء درعا، الذين لم يتوقفوا، منذ اليوم الأول، عن الحلم بسورية الديمقراطية، المدنية الكريمة الحرّة الإنسانية، العادلة مع جميع مكوناتها، الذين عانوا عقوداً طويلة من الظلم والقمع والقهر، الذين ينتمون إلى مكوّنٍ يشبه باقي مكونات سورية الغريبة، القاسية الحنونة النزقة الحارقة الحانية. ستنسى افتراءات بعض أصدقائك عنك، وتعلن بوضوح شديد، بدون أي لبس، وبدون (لو) لم تستخدمها مطلقاً في رفضك كل أنواع الهمجية العسكرية التي استخدمت ضد المدنيين السوريين، بذرائع كاذبة: أنت اليوم عفريني فقط.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى