صفحات العالم

قميص «داعش» وشماعة الأقليات/ عبد الرحمن الطريري

 

 

< أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تصريح له من لندن أن بشار الأسد رأس النظام السوري يجب أن يرحل، ولكن ليس بالضرورة على الفور، ربما ليس في اليوم الأول أو حتى الشهر الأول، هذا التصريح لا يعني أن الأسد نقطة خلاف، أو أنه يمثل أية أهمية سواء لحلفائه أو لخصومه، ولا حتى يعتبر التصريح استمراراً لمرحلة اللا رؤية أميركياً حول طريقة الحل في سورية.

تصريح كيري عن الأسد من لندن، وقبله تصريح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في التاسع من أيلول (سبتمبر) الجاري، الذي قال فيه هاموند إن بريطانيا تقبل بقاء الأسد لفترة انتقالية، مؤكداً أن الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من مستقبل سورية على المدى البعيد، هي تصاريح غزل لروسيا، ترحب بالروس على طاولة الحوار حول سورية، حتى لو كان بشار لا يسيطر على أكثر من 20 إلى 25 في المئة من التراب السوري، طبعاً هذا تسيطر عليه قوات بشار، إضافة إلى الميليشيات التابعة لإيران وعلى رأسها «حزب الله».

الروس بالطبع ليسوا مقامرين ولكنهم لاعبو شطرنج، وبالتالي لم يكن اندفاعهم العسكري بآذان مصمومة عن تصريحات الغرب، التي كانت تشير إلى القلق من التدخل الروسي، الذي اعتبره هاموند يزيد الوضع تعقيداً في سورية، بل رحبت روسيا بالتعاون بين جيشها والجيش الأميركي، خصوصاً والجيشان يقودان معركة على أرض دولة واحدة، وكلاهما يعلقان قميص «داعش» والإرهاب عنواناً لمعركتهم.

الروس اتخذوا مسارين في شرعنة تدخلهم المباشر والمعلن عسكرياً في سورية، المسار الأول العزف على لحن الإرهاب، والتأكيد أن تنظيم «داعش» يضم حوالى 2400 عنصر روسي، وحديث الخارجية الروسية عن اعتبارها سقوط سورية في يد الإرهاب سيعني أن الأراضي الروسية هي التالية، لاعتبارهم سورية قريبة منهم وليست بعيدة كليبيا، التي ما زال بوتين يشعر بالغصة ويعتبر أن الأميركان خدعوه في الملف الليبي.

المسار الآخر الذي سعى له الروس هو اعتبار نظام بشار الأسد «شرعيا»، وبالتالي صرحت الخارجية الروسية أنها ستتدخل عسكرياً إذا ما طلبت منها الحكومة السورية، وهذا ما رد عليه وليد المعلم في اليوم التالي بأن سورية قد تطلب المساعدة من الجيش الروسي، وهذا الحديث للاستهلاك الإعلامي لأنه صدر بعد أن كانت المقاتلات والجنود الروس وصلوا إلى سورية بالفعل، وبدأوا في تأسيس قاعدة جوية عسكرية.

سيناريو التقسيم الحديث عنه ليس جديداً، ويبدو أن بشار الأسد وكذلك «حزب الله» فكروا بذلك كخطة بديلة من قبل معركة القصير، وصولاً إلى التغيير الديموغرافي في الزبداني، ومحاولة صنع كنتون يضم العلويين والأقليات الأخرى على الساحل والحدود اللبنانية، ولكن التقسيم بحد ذاته لن يحل مشكلة الإرهاب، ولا سيضمن أن تكون دولة الساحل مستقرة، وأكثر من ثلثي سورية مناطق صراع، مع ما يضيفه ملف اللاجئين إلى تعقيدات المشهد السوري.

أميركا تعرف أنه من دون تدخل بري لا يوجد أفق للقضاء على «داعش»، والتحالف الجوي بمفرده لن يقضي على الإرهاب، ولكنها لن تسمح أيضاً لروسيا أن تتحرك بشكل كثيف على الأرض، حتى ولو تصدى الروس فعلاً لـ«داعش»، ولكن التحرك الروسي يبدو أنه حقق ما يصبو إليه الروس، وهو المحادثات العسكرية المباشرة بين الجيشين، التي ستؤدي إلى التنسيق حول سبل التعامل مع الإرهاب، وليس القضاء عليه بالضرورة، أما بشار والأقليات واللاجئون فليسوا أكثر من مشهيات على طاولة الحوار «العسكري» اليوم.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى