باسل العوداتصفحات سورية

(قوات الردع) الدولية/ باسل العودات

 

 

في ظل استمرار الفشل الدولي العميق في إيجاد أي طرف خيط يمكن أن يؤدي إلى حل القضية السورية سياسياً وإزاحة النظام الشمولي الجاثم على صدر السوريين، وعدم قدرة المعارضة أو النظام وحلفائه على تحقيق أي نصر عسكري (مُظفّر)، وتواصل فشل سلسلة مؤتمرات جنيف وفيينا وبرن وبروكسل وتوابعها، وارتفاع مستوى اللاعقلانية في تعامل إيران وروسيا والولايات المتحدة مع الأزمة السورية، صار لابد من التفكير بطرق استثنائية تضع حداً لكل من يعتبر سورية ساحة تصفية لحساباته، قوة إقليمية كانت أم دولية.

رغم المحاذير التي تترافق مع وضع أي دولة تحت وصاية دولية، إلا أن سوريين كثراً طالبوا بها وأكّدوا على أنها باتت أمراً استراتيجياً مُلحّاً لا بد منه، وأن هذه الوصاية ـ على عجرها وبجرها ـ أفضل من براميل النظام وميليشياته المُنفلتة، وأفضل عشرات المرات من ضبابية الولايات المتحدة وخبثها وسلبيتها، وأفضل مئات المرات من المافيا الروسية التي تُجرّب أسلحتها في سورية، وكذلك أفضل آلاف المرات من سموم إيران وفِتنها، وبشكل حاسم أفضل من وحوش داعش والقاعدة الذين لا يعرف أحد أصلهم وفصلهم، فضلاً عن أن هذه الوصاية قد تكون إنقاذاً لقوى المعارضة السياسية والمُسلّحة الضائعة المُمزقة التي لم تجد أحداً يتبنى بجدّية مشروعها الخلاصي الوطني.

في وقت مُبكّر، كان يمكن لهذه الوصاية أن تضع حداً للنظام وميليشياته، وتمنع مرتزقة العالم المتدخلين في سورية، وتوقف القتل وتساعد بالإفراج عن المعتقلين وتُسهّل عودة اللاجئين والمُهجّرين، وتُحيل القتلة للمحاكم الدولية، وتُبعد أوحال الطائفية والمحاصصة وأوهام التقسيم، وتُنقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الدولة ومؤسساتها، إلا أن الدول الكبرى لم تكترث بها، أو بالأدق، لم توافق عليها ووأدتها في مهدها.

وفق القوانين التأسيسية للأمم المتحدة، لا يمكن أن تمر الوصاية دون موافقة الدول الخمس الكبرى، حيث تتعطل قرارات الجمعية العامة المتعلقة بأي أزمة دولية إن بدأ مجلس الأمن مناقشتها، وبالتالي لم يعد لكل دول العالم أي دور أو صوت أو قدرة حتى على طرح الفكرة طالما أن مجلس الأمن وضع إصبعه في صحن الأزمة السورية، وبطبيعة الأمر طالما أن روسيا عضو دائم في هذا المجلس حيث ستمنع مثل هذا المشروع أو أي مشروع يرسّخ الوجود الأممي في سورية كقوة حاسمة.

تتفق القوى الإقليمية والدولية المتدخلة والمؤثرة بالشأن السوري على أن الحل للأزمة لن يكون إلا سياسياً، لكنها في الوقت نفسه لا تتعامل إلا بالسلاح لتحقيق السلام، وتُعطّل السياسة لتُؤجج الحرب، فلا يضع أحد حداً لأحد، ولا يأبه أحد بالمقتلة السورية، فالنظام صار محض مليشيات مسلّحة منفلتة لا يعرف أحد من يسيطر عليها ومن يوجهها ومن يأمرها، وتعددت الرؤوس والأجهزة والمرجعيات، وانتشرت إيران في سورية دون قيد، وصار رأس جيشها في دمشق وذيله في طهران، وتدخلت في كل شيء، تقتل هنا وتفتك هناك وترسل أفغانها ليَقتلون وعراقييها ليَذبحون ولبنانييها ليَحتلون، ولا تُخفي أن سورية شأن داخلي إيراني.

أما روسيا فقد أتت بسلاحها وطيرانها وآلتها الحربية، القديمة التالفة لتتخلص منها، والحديثة لتُجربها، دون أن تُحضر معها إنسانية يُفترض أن يتحلى بها القوي تجاه الضعيف، وبسرعة تأقلمت مع طبع النظام، وصارت تقصف يمنة ويسرة لا تكترث إن كان الضحايا مدنيين أم مُقاتلين.

بالمقابل استخدمت الولايات المتحدة عبر تحالفها الدولي قوة نارية لا يعرف أحد حجمها، ولا من تستهدف ولا أين، ونسجت شبكة مُعقّدة من العلاقات الغامضة لدرجة حار السوريون بها، فتارة تقول إنها لا تريد إرسال أسلحة فتاكة للجيش الحر خوفاً من وقوعها بالأيدي الخطأ، ثم ترسلها للأكراد ليكملوا مشروعاً غامِضاً مُستفِزاً لا ترضى عنه غالبية السوريين.

يُضاف إلى كل هذا، ميليشيات حزب الله وانفلاتها العسكري في سورية، وتنظيم الدولة الإسلامية بوحشيته وغموض مُحرّكيه وشركائه، وتنظيم القاعدة الذي خرّب الثورة وحرفها وأسلمها، وفصائل مُسلّحة محسوبة على المعارضة لكنها في الواقع ثلّة من المجرمين استغلوا الثورة.

وسط فوضى المتدخلين والقوى والجيوش والميليشيات، ووسط انتشار السلاح كوسيلة وحيدة للتفاوض بينها، ووجود تدخل عسكري من ست عشرة دولة على الأقل، لم يعد السوريون اليوم بحاجة إلى وصاية دولية، بل هم بحاجة لـ (قوات ردع) دولية، تضع حداً لكل تدخلات هذه الدول والقوى والجماعات، وتُنهي استهانتها بالحياة والقوانين والأخلاق والمنطق والعقل والإنسانية، ليست كـ (قوات الردع العربية) التي جعلها النظام السوري سيئة الصيت والسمعة، ولا هي قوات فصل قتال أو مراقبة وقف إطلاق نار، ولا قوات (بريستيجية) من أصحاب القبعات الزرقاء، بل قوات مُدجّجة مسلّحة مؤهّلة، عربية وأجنبية، تُعطى صلاحيات كاملة لوضع حد لكل حامل سلاح في سورية، وتكون الناظمة لسورية أمنياً وعسكرياً وسياسياً، لإنقاذ بلد دمّرته الحرب وعاثت فيه بجنون كل قوى الأرض.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى