صفحات سورية

قوّات الدفاع الوطنيّ: الباسيج الأسدي/ بسّام يوسف

 

 

توضيح:

تهدف هذه الدراسة إلى تقديم فكرة عامّة عن الظروف التي رافقت تشكيل ما سمّي “قوّات الدفاع الوطنيّ” في سورية، وتقديم صورة عن تركيبتها ومرجعيّتها وإدارتها والجهات التي تموّلها وغير ذلك.

تستند هذه الدراسة إلى شهادات متعدّدة، استطاع معدّ هذه الدراسة الحصول عليها من أشخاص تركوا هذه المليشيات، أو من أشخاص لا يزالون يعملون داخلها، يضاف إلى ذلك شهادات أشخاص عاديّين عايشوا بشكل مباشر أعمالاً ميدانيّة لهذه المليشيّات، أو كانوا من ضحايا بطشها. كلّ ماسبق تمّت مقاطعته مع ماتناقلته وسائل الإعلام المتنوّعة عبر تغطيتها اليوميّة للحدث السوريّ.

مقدّمة

لم تكن دعوات الفيس بوك هي التي أشعلت شرارة النار في هشيم اليباس السوريّ، ولا تلك التجمّعات التي حدثت سواء في الحريقة أو أمام السفارة الليبيّة أو أمام وزارة الداخلية وغيرها، لم تكن تلك التحرّكات ، على أهميتها ، لتفجّر الثورة – رغم وجود كلّ المقدّمات الضروريّة وغير الضروريّة لتفجّرها – لولا أنّ عاملاً آخر أضيف إلى تلك المحاولات ، وهو الذي فجّر الثورة فعلاً وأنهى تلك الخطوات المترددة ،وحطّم هيكل الخوف، وأقصد الاستفزاز المتغطرس والمتحدّي، الذي قام به النظام لقيم ومقدّسات شديدة الرمزيّة في وجدان السوريّين عموماً.

جاء اعتقال أطفال درعا، ليضع أهلهم ومجتمعهم في تحدّ قاس أمام صلف النظام، وعندما حاول هؤلاء طيّ صفحة هذا الاعتقال بما يحفظ كرامتهم واحترامهم لأنفسهم، كان ردّ النظام الذي تعرّض فيه لحرمة النساء بالغ الإهانة، ممّا أدخلهم مرّة أخرى في تحدٍّ أقسى، فانطلقت الشرارة الأهمّ لتشعل – فعلاً – أوّل جذوة في نار الثورة السوريّة، وعندما اقتحمت قوّات الأمن الجامع العمريّ في درعا، كان النظام قد استفزّ ذاكرة قهرهم، وكلّ ما يشكلّ ركيزة الوجدان العميق لهم، وسكب زيتاً على نار لا تزال تستعر حتّى هذه اللحظة.

تدحرجت كرة النار لتشعل قهر السوريّين المتراكم طيلة عقود، كان الأمر مفاجئاً ويكاد يقترب ممّا اعتبره السوريّين بغالبيّتهم – بما فيهم من ثاروا أنفسهم – يقارب المستحيل.

كان النظام قد وضع خططه لمواجهة احتمال كهذا، لكنّه لم يكن يتوقّع أبداً، أن يكون الأمر على هذا النحو، وبدا واضحاً حجم التخبّط في إدارة الأيّام الأولى لانفجار الثورة.

لم تفلح محاولات النظام في حصر النار بدرعا، وراحت المظاهرات تجتاح المدن والأرياف السوريّة، أمّا وحدات الجيش القليلة التي خرجت من مقرّاتها، في البداية على أمل أن تعود قريباً إليها، فقد وجدت نفسها في معركة تتزايد وتتّسع رقعة مواجهاتها. رافق هذا التمدّد انشقاقات واسعة في صفوف الجيش، وبدايات إنشقاق طائفيّ داخل تركيبته، ممّا أطلق إنذاراً بالغ الخطورة للنظام السوريّ، من أجل تدارك ما هو أخطر من ذلك.

هكذا انزلق النظام إلى مواجهة واسعة، لم يكن يتوقّعها، مواجهة استغرقت زمناً أطول بكثير، وتعدّدت جبهاتها، واستنزفت الكثير من إمكانات جيش، ينخر الفساد والطائفيّة والولاءات الشخصيّة جسده منذ عقود.

إيران تتولّى إدارة المعركة

كانت غرفة عمليّات إدارة الأزمة قد شُكّلت – تحسّباً – قبل الانفجار الحقيقيّ للثورة، وضمّت قيادات عسكريّة وأمنيّة وسياسيّة سوريّة، وتمّ التسويق – لاحقاً- على أنّها صاحبة القرار النهائيّ في اتّخاذ القرارات. لكنّ الحقيقة، ومنذ اللحظات الأولى، كانت هناك غرفة عمليّات ثانية، هي التي أدارت المعركة فعلاً، وهي التي قرّرت وفعلت كلّ شيء.

ضمّت غرفة العمليّات هذه: عدداً من الضبّاط والخبراء من الحرس الثوريّ الإيرانيّ يترأسهم “قاسم سليماني”، وكوادر رئيسيّة من حزب الله أهمها “مصطفى بدر الدين “، مع عدد من الضبّاط السوريّين، وثيقي الصلة بإيران وحزب الله.

. هذه الغرفة هي صاحبة القرار الأخير في كلّ التفاصيل السياسيّة والعسكريّة، ويعتقد أنّها مسؤولة عن تصفيات كثيرة، جرت داخل بنية النظام نفسه.

كان رأي الخبراء الإيرانيّين، باعتماد الحسم العسكريّ كخيار وحيد، هو الذي تمّ تبنيه في غرفة العمليّات تلك، وتمّ بناءً على هذا الخيار تهميش وإبعاد كلّ الأصوات التي حاولت البحث عن مخارج أخرى، بمن فيهم شخصيّات كانت تصنّف على أنّها في الصفّ الأوّل عسكرياً(ما سمّي بخليّة الأزمة) وسياسياً مثل: فاروق الشرع.

كانت الخطّة التي تمّ وضعها، تتضمّن إدارة البلاد عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً، وسمّيت خطّة “إدارة الأزمة”؛ وكان من بين بنود تلك الخطّة الواسعة ماهو موضوع هذه الدراسة ،وهو تشكيل بنية عسكريّة رديفة تحاكي في تركيبتها نموذج القوة الرديفة التي شكّلها الحرس الثوريّ الإيرانيّ، ( قوات الباسيج ) ، و”الباسيج” كما هو معروف: مليشسيات عقائديّة (دينيّة) شبه عسكريّة قوامها الأساسيّ متطوعوّن، وتتبع تنظيميّاً وإداريّاً مباشرة للحرس الثوريّ الإيرانيّ، لكنّ قائدها الفعليّ هو المرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة، وأوامرها تأتي من مكتبه الخاصّ.

تشكيل “قوّات الدفاع الوطنيّ”

تم تكليف أحد الضباط السوريين والمعروف بعلاقته الوثيقة الصلة بالقيادة الإيرانيّة، بوضع الخطوات التنفيذيّة لتشكيل قوّات الدفاع الوطنيّ، بما يناسب مهامّها ودورها الذي ستلعبه، والذي يماثل إلى حدّ كبير دور الأجهزة السرّيّة في النظم الفاشيّة. يضاف إلى ذلك، أنّ هدف القيادة الإيرانيّة كان يرمي إلى ماهو أبعد من تشكيل بنية مؤقّتة، ينتهي دورها بانتهاء المعركة، فهي كانت تريد هدفاً آخر أكثر بعداً واستراتيجيّة، وهو تأسيس بنية تنظيميّة دائمة تقوم بمهامّها، ليس داخل الجغرافيّة السوريّة فقط، بل، وتلعب دوراً – مستقبلاً – في المشروع الاستراتيجيّ الإيرانيّ في المنطقة.

في البداية، تمّ انتقاء من هو مناسب ممّن يعرفون بالشبّيحة واللجان الشعبيّة، لكنّ هذا لم يكن ليشكّل إلّا جزءاً من التنظيم المخطّط له؛ لذلك أوكلت مهمّة ضمّ العناصر المناسبة إلى بضعة شخصيّات في عدّة مناطق من سورية.

البنية التنظيميّة لهذه الميليشيا يمكن تصوّرها كهرم بأربعة مستويات، المستوى الأوّل “قمّة الهرم” وتحتلّه قيادة مركزيّة، غالباً ما تكون خارج دائرة الضوء، وهي نواة صلبة شديدة التماسك والتجانس وتقود باقي مستويات الهرم، وترتبط مباشرة بقيادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ ومكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة، ولا تهمّ جنسيّة الأشخاص في هذا المستوى، أمّا المستوى الثاني فيضم القادة العسكريّون والسياسيّون والخبراء الاستراتيجيّون متعددو الاختصاصات، ويلقى الضوء على أفراده حسب الحاجة، وفي المستوى الثالث تأتي الكوادر التنفيذيّة والمدرّبة ميدانيّاً، والموثوق ببنيتها العقائديّة، أمّا قاعدة الهرم فيحتلّها الأفراد العاملون على الأرض والذين لايخضعون لمعايير صارمة في اختيارهم مثل باقي المستويات الأخرى.

تتولّى كوادر إيرانيّة من الحرس الثوريّ، وكوادر من حزب الله، مهمة تدريب وتسليح وتمويل هذه الكتائب ، وفي المستوى الثالث من الهرم يصبح الارتباط العقائدي مهما ، وتكون عناصر هذا المستوى – على الغالب – محصورة بانتماءات طائفيّة (علويّة بنسبة ساحقة، وشيعيّة) بينما يمكن أن تضمّ قاعدة الهرم عناصر من مكوّنات أخرى يغلب عليها الطابع الطائفيّ للمنطقة الجغرافيّة التي ستعمل فيها كتائب الدفاع الوطنيّ ( في منطقة وادي النصارى التي قادها بشر يازجي، كانت النسبة الكبيرة فيها من المسيحيّين، وكذلك الأمر في مناطق الدروز، وفي حلب تسلم هلال الهلال هذه المهمة وكان معظم أفرادها من سنة حلب )، بالإضافة إلى أفراد يمكن استقدامهم من دول ومناطق أخرى.

تمّ اختيار المهندس “صقر رستم” لتشكيل وقيادة هذه المليشيات في حمص، و هلال الأسد ( ابن عمّ بشّار الأسد والذي قُتل في آذار 2014، تقول رواية النظام إنّه قُتل في اشتباكات مع قوّات المعارضة قرب كسب، بينما تتداول روايات أخرى تقول إنّه اغتيل بسبب خلافه مع جهات إيرانيّة، وفي نفس السياق تمّ اغتيال محمّد الأسد المعروف بشيخ الجبل في آذار 2015) لقيادة اللاذقيّة، واختيرت حمص كمركز رئيسيّ لقوّات الدفاع الوطنيّ، لاعتبارات عديدة أهمّها:

موقع حمص بالنسبة لسورية ولبنان، وبسبب تركيبتها الطائفيّة، وسيطرة المعارضة على مساحات واسعة منها، لكن الاعتبار الأهمّ والذي يفسّر لاحقاً المهام التي أوكلت إلى هذه الميليشيا، هو تغيير التركيبة الديموغرافيّة لحمص، باعتبارها شديدة الخصوصيّة ضمن الرؤية الاستراتيجيّة للمشروع الإيرانيّ.

هناك كتائب لقوّات الدفاع الوطنيّ في معظم المناطق السوريّة (دمشق، ريف دمشق، حلب، الرقّة، الحسكة، السويداء، حماة، …) لكنّ كلّ هذه الكتائب تدار من قِبل الإدارة المركزيّة لهذه الميليشا.

لا يتّسع المجال هنا لاستعراض الكثير من المعلومات التفصيليّة حول الشخصيّات التي قادت ميدانيّاً مهامّ هذه الميليشيا، لكن يمكن الإشارة إلى: تيسير اسماعيل المعروف باسم “الأستاذ خلدون”، والذي يقود حاليّاً هذه الميليشيا في حمص بعد انتقال صقر رستم إلى دمشق، والعقيد هوّاش محمّد (انتقل مع صقر رستم إلى دمشق أيضاً)، بالإضافة إلى أشخاص من عائلة الفاحلي والسايس وغيرهم، وهناك أشخاص يقودون مناطق في حمص وريفها، وفي السلمية تزعم هذه الميليشيات المدعو “مصيب سلامة” وهو شقيق رئيس فرع مخابرات القوى الجوية في حلب اللواء” أديب سلامة “، وغزوان السلموني في الصبورة وغيرهم ، يمكن اعتبارهم قيادات صفّ ثان، ويتمّ تداول أسمائهم بشكل كبير كقيادات صفّ أوّل، لكنّ هذا مردّه للفظاعات التي يرتكبونها.

حقيقة الدور الذي تلعبه ميليشيا “الدفاع الوطنيّ”

يكفي للتدليل على أهمّيّة هذه الميلشيا، والدور الذي لعبته، الإشارة إلى تولّي صقر رستم رئاسة اللجنة الأمنيّة في محافظة حمص وهلال الأسد رئاستها في اللاذقيّة، واللجنة الأمنيّة في أيّة محافظة يعيّن رئيسها بأمر من بشّار الأسد، وتضمّ اللجنة في عضويّتها المحافظ ،وكلّ رؤساء الأفرع الأمنيّة والشرطة والقطعات العسكريّة الموجودة في المحافظة، وكذلك أمين فرع حزب البعث في المحافظة.

يتمتّع رئيس اللجنة الأمنيّة بصلاحيّات مطلقة، وهو الحاكم الفعليّ للمحافظة، يصدر أوامره إلى كلّ الجهات، بغضّ النظر عن أيّ اعتبار عسكريّ أو سياسيّ لأيّة جهة.

في حمص اتُّخذت المدينة الرياضيّة مقرّ إدارة لهذه القوّات، أضيف لها معسكر الحسن بن الهيثم للتدريب الجامعيّ، ومبان عدّة أخرى، وتمّ تشكيل قيادة متكاملة. كان حضور الإيرانيّين وحزب الله سرّيّاً في البداية، لكنّه فيما بعد أصبح علنيّاً لعناصر حزب الله، وشبه سرّيّ لعناصر الحرس الثوريّ.

أمّا في اللاذقيّة، فقد كانت المدينة الرياضيّة (نادي الفروسيّة) هي مقرّ قيادة هذه الميليشيا وأُلحقت بها مبان أخرى.

كان تدريب عناصر هذه الميليشيا يتمّ في داخل سورية (هناك معسكران في القرداحة) ومعسكر شرق حمص. أمّا في إيران، فقد تمّ تدريب كوادر خاصّة على استعمال أسلحة متطوّرة نسبيّاً (صواريخ تطلق من على الكتف شبيهة بصواريخ التاو)، ودورات قنّاصين، بالإضافة إلى الهدف الأهمّ وهو ربط هذه المجموعة عقائديّاً بالحرس الثوريّ الإيرانيّ.

أعداد هذه الميليشيا

في حمص، تمّ تشكيل هذه الميلشيا سريعاً، بعد الأيّام الأولى لمظاهرات حمص، وتضمّ القوائم المسجّلة في بداياتها نحو العشرين ألف اسم، لكنّ عدد الذين التحقوا فعليّاً في تلك الفترة لا يتجاوز الأحد عشر ألف عنصراً، الفرق بين العددين له عدّة أسباب منها: قبض المخصّصات الماليّة لعدد أكبر من العدد الفعليّ، ومنها: أنّ أوامر صدرت بعدم ملاحقة الملتحقين في صفوف هذه الميليشا بتهمة التخلّف عن الخدمة الإلزاميّة، الأمر الذي دفع معظم المتنفّذين والقادرين ماليّاً إلى تسجيل أبنائهم فيها، (كانت تُدفع مبالغ كبيرة لقيادات هذه الميليشا من أجل الحصول على هويّة تحمي حاملها من التوقيف على الحواجز). لا يزال باب التنسيب مفتوحاً، وتقدر الأعداد حتّى نهاية ال2015 في حمص وحدها بنحو 30 ألف عنصر، منهم مايزيد عن العشرين ألف فعليّاً. أمّا في اللاذقيّة، فلم يتجاوز مجموع هذه الميليشيات ال 15 ألف عنصر، وهذه الأرقام كانت غير مستقرّة، إذ تسبّبت حوادث قتل أعداد كبيرة منهم في هروب أعداد منهم، وإحجام أعداد كبيرة عن التطوّع ضمنها.

بشكل تقريبيّ، يمكن القول إنّ العدد الأكبر الذي وصلته هذه الميليشيا في عموم سورية يتراوح بين ال 55 – 60 ألف، لكنّ منذ إعلان التدخّل الروسيّ في سورية، حاولت روسيا تحجيم هذه الميليشيا (ربّما بسبب تبعيّتها لإيران) وعملت على خلق ميليشيا أخرى (درع الساحل، مثلاً) بقيادات أخرى، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض بسيط في أعدادها.

( لا أدري إلى أي حد يمكن ربط الموقف الروسي من هذه الكتائب مع نتائج المعارك الأخيرة التي دارت في ريف اللاذقية ).

هناك ميليشيات كان قد تمّ تشكيلها سابقا ولم تكن تتبع إداريّاً “للدفاع الوطنيّ” ثم ألحقت لاحقا، مثل: كتائب البعث في حلب 1200-1500 عنصراً، بقيادة هلال الهلال.وهناك كتائب لاتزال غير تابعه للدفاع الوطني لكنها على تنسيق دائم معها مثل “صقور الصحراء” في اللاذقيّة 4000-5000 عنصراً، بقيادة أيمن جابر. “الجبهة الشعبيّة لتحرير لواء اسكندرون” 2500- 3000 عنصر، والتي يقودها التركيّ معراج أورال(علي كيالي)، وغيرها.

تسليح قوات الدفاع الوطني .

لم يتمّ تسليح “الدفاع الوطنيّ” خارج المركز الرئيسيّ (حمص) بأسلحة نوعيّة أو حتّى ثقيلة، وظلّت الوحدات العسكريّة للجيش في مناطق عمل هذه الميليشيا هي القوّة الضاربة التي تنفّذ المهامّ العسكريّة الأساسيّة؛ لذلك اقتصر تسليح هذه الكتائب على السلاح الفرديّ والرشاشات المتوسّطة والثقيلة، بالإضافة إلى (دوشكا) محمولة على سيّارات، وقواذف الآر بي جي، بالإضافة إلى مدافع الهاون في بعض المقرّات الرئيسيّة.

أمّا في حمص فقد اختلف الأمر، إذ تمّ بناء ما يمكن اعتباره جيشاً بقوام فرقتين، وهناك اختصاصات عسكريّة أساسيّة يقودها ضبّاط مختصّون وموثوق بهم، تمّ نقلهم من ملاكات وقطعات الجيش السوريّ، ليصبحوا من ملاكات “الدفاع الوطنيّ” يرافقهم ضبّاط من الحرس الثوريّ الإيرانيّ، وأتبعت بعض معامل وزارة الدفاع بها.

هناك كتائب خاصّة، داخل هذه البنية العسكريّة: كتيبة المهامّ الخاصّة، كتيبة صقور الدفاع، كتيبة هندسة، كتيبة “قلب الأسد”، كتيبة المدفعيّة والصواريخ …. إلخ.

باختصار، القيادة المركزيّة للدفاع الوطنيّ، بنيت كمؤسّسة عسكريّة متكاملة و مسلّحة بما يتناسب مع مهامها ، مع إدارة سياسيّة وأمنيّة.

حتّى الآن، لم تتسلّح هذه الكتائب بصواريخ أرض – أرض بعيدة المدى، لديها ما هو قصير ومتوسّط، ولم تشكّل أسراب طيران حربيّ خاصّ بها، لكنّ اللافت للانتباه، أنّ هناك قذائف يستعملها الطيران الحربيّ، يجري إرسالها من مستودعات خاصّة بالدفاع الوطنيّ، يمكن التكهّن بأنّ وحدات الجيش العاديّة لا تملك هذه النوعيّة من القذائف.

جغرافيّاً، هناك المدينة الرياضيّة في حمص، ومعسكر الحسن بن الهيثم (معسكر التدريب الجامعيّ سابقاً)، وهناك شرقيّ حمص على طريق تدمر معسكر آخر. بالإضافة إلى مبان ومستودعات (قسم منها في منطقة حسيا الصناعيّة)، وكلّ هذه الأماكن تابعة لقوّات الدفاع الوطنيّ.

عمل هذه الميليشيا ومهامّها

في البداية، كانت المهمّة الأساسيّة لهذه الميليشا هي قمع التظاهرات، ومنع قيامها، بالإضافة إلى مهامّ خاصّة يكلّف بها أفراد خاصّون من هذه الميليشا، فيدخلون جسد المظاهرة ويطلقون النار باتّجاه قوّات الأمن، أو يهتفون بشعارات طائفيّة، والشخص الذي رفع العلم الإسرائيليّ في أحد أحياء حمص القديمة، في الأشهر الأولى من الثورة، هو عنصر من عناصر الدفاع الوطنيّ.

أولى المهامّ النوعيّة لكتائب الدفاع الوطنيّ في حمص هي: فضّ اعتصام ساحة الساعة الشهير، والمجزرة التي ارتُكبت في الساحة قام بها عناصر من الدفاع الوطنيّ، بإشراف مباشر من صقر رستم، (تعدّدت الروايات حول الجهة المنفّذة، ففي تلك الفترة لم يكن يُعرف من هو الشخص الذي يرأس اللجنة الأمنيّة في حمص، وكانت السمعة السيّئة للمخابرات الجوّيّة هي التي دفعت البعض للتكهّن بأنّ المخابرات الجوّيّة وراء هذه المجزرة )، بعد فضّ الاعتصام فجر 19-4-2011، جرفت جثث الضحايا بجرّافات، وتمّ دفنها غرب حمص، أشرف على عمليّة الدفن عناصر من الدفاع الوطنيّ.

لعلّ، المهمّة الأساسيّة التي اشتغل عليها الدفاع الوطنيّ في حمص هي: ارتكاب مجازر طائفيّة بالغة البشاعة( هناك مايزيد عن عشرين مجزرة طائفية موثقة قامت بها قوات الدفاع الوطني )، وخصوصا في مناطق التماس الطائفي , / سهل الحولة – مصياف ريف حمص الشمالي – الزارة ومحيطها شرقا : تلبيسة – عز الدين – حوش حجو …. كما قاموا أيضا بقتل أشخاص من الطائفة العلوية من أجل تسعير الحقد الطائفي واتهام المتظاهرين بها ، كل هذا كان يتم بهدف تغيير البنية الديموغرافيّة للمنطقة، في تفاصيل تنفيذ المهامّ اليوميّة لهذه الكتائب ما يشكّل صدمة بالغة القسوة، ويمكن وصف الجرائم التي ارتُكبت بأنّها من أبشع الجرائم في تاريخ سورية المعاصر.

شاركت “قوّات الدفاع الوطنيّ” في الكثير من المعارك، في ريف اللاذقيّة، وفي حمص، وفي حلب (خسرت الدفاع الوطنيّ عدّة مئات من عناصرها في دارة عزّة بحلب بسبب حماقة قياداتها)، ولعلّ الكثيرين تبنّوا فكرة قيام كتائب “معراج أورال” بمجزرة بانياس، لكنّ الذين نفّذوا المجزرة عمليّاً هم عناصر من “الدفاع الوطنيّ” قدموا من حمص.

التمويل والرواتب

منذ التأسيس، تولّت إيران تمويل “قوّات الدفاع الوطنيّ المركزيّ”، وفرض على بعض رجال الأعمال تمويل كتائبه في مناطق أخرى، كانت رواتب المتطوّعين في هذه الكتائب – دائماً – أعلى من عناصر الجيش بنسبة تراوحت بين 50 إلى 100 بالمئة، ( تتراوح الرواتب الشهرية للعناصر بين 80 – 150 $ ) لكنّ الدخل الحقيقيّ لهذه الميليشيا كان مصدره عمليّات النهب، التي حصرت بهم بأوامر من جهات عليا، لا يمكن تقدير الثروات الهائلة التي نهبت بشكل ممنهج ومدروس، وإن كان ما سمّي “التعفيش” هو من حصّة العناصر العاديّين في هذه الميليشيا، فإنّ القيادات العليا كانت تختار دائماً مصادر للدخل العالي جدّاً مثل: الحواجز – سرقة الآثار وبيعها – الخوّات المفروضة على رجال الأعمال – تفكيك وبيع منشآت ضخمة – عمليّات الخطف لشخصيّات ثريّة وطلب فدية ….إلخ.

على سبيل المثال: كلّ مزارع الخيول في منطقة بابا عمرو والبساتين المحيطة استولى عليها صقر رستم، ونقل كلّ الخيول إلى مزارع خاصّة في طرطوس، وهناك ثلاثة تجّار كبار من عائلة مندو في بابا عمرو، منع صقر رستم العناصر العاديين من اقتحام فيلّاتهم وقام هو شخصيا باقتحامها ونهب كلّ مافيها، هناك معلومات تشير إلى أن هؤلاء التجار كانوا يضعون في فيلاتهم مبالغ ضخمة ، وكان صقر يعرف هذه المعلومة .

أوقفت إيران تمويلها في منتصف العام الماضي بعد أن إيجاد طريقة أخرى للتمويل، فتمّ توقيع عقود حماية مع الحكومة السوريّة، هذه العقود تنصّ على أن تقوم قوّات الدفاع بحماية منشآت ما مقابل مبالغ ماليّة ضخمة، منها: حماية معمل الغاز – حماية حقل نفط الشاعر – حماية بعض المؤسّسات. (والمضحك في الأمر أنّ هناك عقود حماية لبعض قطعات الجيش، خصوصاً قطعات الدفاع الجويّ).

لكنّ الدخل الأهمّ هو ما يختصّ به مكتب الترفيق والمواكبة، هذا المكتب يتعهّد حماية القوافل التي تنقل النفط والقمح من مناطق سيطرة تنظيم الدولة “داعش” إلى مناطق النظام (كلّ القمح الذي أنتجته الأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم في السنة السابقة اشترته الحكومة السوريّة).

) يشرف الآن بشر يازجي” كان قائد كتيبة الدفاع الوطني في وادي النصارى” على مكتب الترفيق والمواكبة ).

تتبع “مؤسّسة الشهيد” والتي يرأسها صقر رستم شخصيّاً، لكتائب “الدفاع الوطنيّ”، وهي مؤسّسة لتلقي الأموال وتبييضها، وتجنّب العقوبات الدوليّة، كونها تحمل صفة العمل المدنيّ، ومنذ فترة أُبعدت أهمّ قيادات الدفاع الوطني عن الواجهة، لتجنّب ذكر اسمها في قوائم العقوبات الدوليّة.

خاتمة

يمكن القول: إنّ أهمّ تشكيل عسكريّ الآن في سورية يتبع للنظام وشديد الولاء لبشار الأسد هو “قوّات الدفاع الوطنيّ”، ويعتبر بشّار الأسد أنّ هذا التشكيل هو جيشه الخاصّ، (صلاة عيد الفطر الأربعاء 6-7-2016 تمّت في منطقة سيطرة كتائب الدفاع الوطنيّ في حمص “جامع الصفا – حيّ عكرمة” وبحمايتها، وزيارته الشهيرة لبابا عمرو تمّت أيضاً بحماية قوّات الدفاع الوطنيّ).

يخطط أن يلعب هذا التشكيل دوراً مهمّاً في بنية الجيش السوريّ لاحقاً، وفي بنية الأجهزة الأمنية ، هناك شخصيات أخرى حاولت أن تشكل ميليشياتها الخاصة، خصوصا أن هذه الميليشيات أصبحت مشاريع استثمارية تدر أموالا طائلة جراء عمليات النهب وبيع الآثار وسرقة أملاك المواطنين ، لكن مراكز النفوذ هي التي تحدد من سينهب هنا ومن سينهب هناك .

كلنا سوريون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى