صفحات الناسلقمان ديركي

قَرِفنا/ لقمان ديركي

 

 

قَرِفنا يا معلم، إي والله قرفنا، بالتأكيد قرفنا.. لأننا شعب بالأساس قرفان. فانت يا أخا العرب لا تعرف السوريين. نحن شعب الله القرفان منذ بدء الخليقة. ونحن قدماء، قِدم التاريخ الوسخ. أصلاً التاريخ وسخ بالضرورة، لا يكتبه إلا المنتصرون، والمنتصرون هم حثالة البشرية في هذه العصور، عصور ما قبل خمسمائة عام، وباعتبار أننا من مدينتين معمرتين لألفي وخمسمائة عام، فإن القرف يجري في دمائنا، ذلك أننا عاصرنا من هو أكثر وساخة ممن نعاصرهم الآن. لكن ورغم هذا اللقاح الذي أخذناه لآلاف السنين ضد القرف فقد قرفنا.

قرفنا من المطربين الثوريين أولاً منذ الأسبوع الثاني للثورة. قرفنا من صاحب اللحية الشيوعية الذي صرع قفانا بأغانيه الثورية لمدة ثلاثين حولٍ لا أبالكَ يسأمِ. وإذا به في عصر الثورة يصمت صمت الحملان. أذن من طين وأذن من عجين. لم يسمع بالثورة السورية أخا الشليتة، أخا العرب. قرفنا منه، بل واستفرغنا كلما تذكرنا أغانيه..

وقرفنا أكثر من الثوري الشيوعي الفنان (العبقري) حسب رأي الغلظاء المستمعين إلى موسيقاه. وهم من أغلظ ما خلق الله في التاريخ، بل إنهم أغلظ من غلاظاته الثورية. فإذا بالثوري الفج المهضوم من شدة غلاظته يشيد بالمقاومة المقرفة من أساسها في زمن الثورة، ويصبح عدواً لإسرائيل في عصر إجرام الأسد. ولم يكتفِ بنفسه في خدمة مانحيه، بل اضطر لبيع أمه التي قرفنا منها أيضاً ومن كل تاريخها الرومانسي الوطني.

قرفنا يا أخا العرب قرفنا، قرفنا من الحشيش بعد أن صار اللي بيسوى واللي ما بيسوى بيدخن حشيش. حتى أكيلة الحشيش صاروا يدخنوه. قرفونا الحشيش يا أبو شريك، وقرفنا في طريقنا الشاعر العالمي الذي يسرق العرفان العلوي ويصنع منه شعراً صوفياً. قرفناه وقرفنا مريديه من المثقفين العلويين الذين صاروا مسبحين ليل نهار باسم الأسد، وكانوا العصا الثقافية التي رفعها الشبيحة ضد الشباب العلوي الثائر.

قرفنا، وقرفنا المتدينين الذين باتوا يحاسبونك على ذكر اسم الرسول إذا لم يتم على الطريقة التي تعلموها من مشايخ الفضائيات العربية. قرفنا الدين والدنيا… قرفنا الحب بسبب الشعراء الهيمانين بحبيباتهم في زمن الثورة على سبيل الترفع على الشأن العام.

قرفنا، قرفنا الحرية بسبب الناشطين الثوريين. قرفنا الكرامة بسبب لاعقي حذاء الأسد الذين صاروا من سدنة الثورة. قرفنا الإحتجاج بسبب المعارضين تحت سقف الوطن، وقد وصل عباقرتهم إلى الإحتجاج على اسم سوريا الأسد، فلا يجوز برأيهم أن تنتسب البلد لأحد، وقالوا: أسد سوريا.. جملة أصح، وصح لسانك يا معارض، ياللي فتحت للتملق مَعارض.

قرفنا، قرفنا الوطن لشدة ما خوزقونا باسمه،. قرفنا الأراضي المحتلة لشدة ما حرروها في الصحف كي يحبسونا. قرفنا الحلم لشدة ما حققوه لنا بالصرماية كي لا نحلم. قرفنا أنفسنا لشدة ما تحدثوا عنَّا. لكننا لم نقرف الثورة، فهي ليست ثورة سورية فحسب، هي ثورة زمان، ثورة إنسان، ثورة ستتعدى حدود المكان، وهم يحاولون أن نقرفها، لكننا قرفناهم فقط.

قرفنا، قرفنا آلاف الكذابين دفعة واحدة في أربع أعوام. الثورة السورية.. كيف تقرف أربعين عاماً بكل ما أنتجته من أدب وفن وفكر وسياسة في أربع سنوات. وفات الثعلب فات، فات في ثورة على كل ما فات.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى