صفحات الناسعلا عباس

كأني سمعت هذه القصة/ علا عباس

 

 

أقرأ في الصحف، وفي شبكة الإنترنت، تفاصيل عن أوزبكستان ووفاة رئيسها إسلام كريموف. فمن إعلان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم هذه الوفاة، قبل صدور إعلان رسمي عنها، إلى نشر وكالة إنترفاكس الروسية الخبر، ثم سحبه والاعتذار عنه، ثم تأكيده، وفي النهاية إعلانها رسمياً. وفي هذه المناسبة، بدأت وسائل الإعلام نشر تفاصيل عن هذا البلد المجهول بالنسبة لنا، وعن الرئيس الذي لم تعرف البلاد سواه، فهو يتولى السلطة في أوزبكستان، منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وكان قبلها الأمين العام للحزب الشيوعي الأوزبكي. وهو من مواليد سمرقند في 1938، استلم السلطة في أوزبكستان منذ عام 1989، وكان يفوز في كل انتخابات في البلاد وتُفصل على قياسه، فيتم تعديل الدستور ليحق له تجديد الترشيح، ولترتفع مدة الولاية من خمسة أعوام إلى سبعة. وهو يمتلك، بأسماء مقربين منه، شركة الهاتف الخليوي في البلاد وملاهي ليلية وشركات كبرى، ويسيطر على اقتصاد البلاد، ويتأرجح في علاقاته الاستراتيجية ما بين روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية، ولابنتيه نفوذ كبير في الدولة، إلى درجة أن مراقبين يرشحون واحدة منهما لتخلفه في الحكم، ويضعونها ضمن قائمة المرشحين المحتملين الذين يتقدّمهم رئيس الوزراء الذي يحتفظ بمنصبه منذ 13 عاماً.

سجّلُ الرئيس كريموف حافل في قمع الحريات، وتعذيب المعارضين والتضييق على الناس، وإمساك البلاد بيد من حديد، وممارسة سطوة مخابراتية على مفاصل الدولة. وقد شهدت أوزبكستان خلال فترة حكمه قصصاً غير مسبوقة من التعذيب البشع، وصلت إلى وضع المعارضين في ماء يغلي حتى الموت. وقد كتب السفير البريطاني السابق في أوزبكستان، كريغ ميراي، كتابه “جريمة قتل في سمرقند” عن التعذيب الممنهج ووسائل التعذيب الغريبة التي كان يعتمدها نظام كريموف الذي صنفته منظمات حقوقية وإنسانية سنواتٍ بأنه من أسوأ المستبدين في العالم، وكثيراً ما تعقد المشابهة بين نظامي الحكم في أوزبكستان وكوريا الشمالية.

واجهت حكم كريموف اضطرابات عدة تعامل معها بقسوة مفرطة، وقد ذوّب معارضيه بالأسيد، وسجن آلافاً لمجرد الشبهة، وواجه تمرداً مسلحاً شهدته البلاد بالطيران والدبابات والأسلحة المحرّمة دولياً، ومنع أي انتقاد لحكمه وشخصه، حتى لو صدر عن ابنته، وقد أطلق يد رئيس الاستخبارات ليعاقب ابنته على توجيهها انتقاداتٍ لطريقة حكم البلاد.

واعتبر مراقبون تأخير إعلان الوفاة مؤشراً إلى صراع داخل السلطة بشأن من سيتولى خلافة الرئيس الراحل. وتتداول المعلومات ثلاثة أسماء، هم رئيس الاستخبارات (رئيس هيئة أمن الدولة) إينوياتوف، ورئيس الحكومة ميرزيايف، ووزير المالية عظيموف. وهم يمسكون بأيديهم الأمن والسياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد. ويبقى أقوى المرشحين رئيس الاستخبارات لإمساكه بالملفات الأمنية منذ عشرين عاماً، ولنجاحه، أخيراً، من إقصاء أقوى منافسيه على الخلافة، جلنارا كريموفا، وهي الابنة الكبرى للرئيس الراحل كريموف، فقد نجح في تحجيم نشاطها وتقليص نفوذها، ومصادرة شركاتٍ تملكها، وسجن مقربين منها موزعين على مفاصل الدولة، بسبب توجيهها انتقادات لطريقة حكم والدها البلاد، في أحد مجالسها الخاصة.

ويكفي أن نعرف أن رئيس الوزراء الذي يمارس صلاحياته، منذ ثلاثة عشر عاماً، أنه استلم منصب رئيس الحكومة في عام 2003، وظهر أول مرة على وسائل الإعلام، وشاهد الأوزبكيون صورته أول مرة في عام 2006، أي بعد ثلاث سنوات من توليه منصبه.

وتبقى لولا، الابنة الصغرى لكريموف، مرشحةً محتملة، وهي سفيرة بلادها لدى منظمة اليونسكو.

يبقى هذا التفصيل، أن تخلفه ابنته في الحكم، لأتاكد تماماً من أنني سمعت هذه القصة من قبل. لا لم أسمعها فقط، بل عشتها بكل تفاصيلها، فأنا لم أغادر بلادي سورية حتى عام 2012، وقد عشت التسعينيات ومطلع القرن الجديد بكل تفاصيله، وأعرف هذه الحكايات جيداً. وأعرف الآن ماذا يعني الاستبداد، وماذا تعني وفاة المستبد، وإلى ماذا سيجرّ إرثه، وأي مصير ينتظر تلك البلاد.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى