صفحات العالم

كأن العالم ترك سوريا لمصيرها!


    موناليزا فريحة

بين خطة أنان وجولات الابرهيمي، تمضي سوريا الى المجهول بمباركة من دول الغرب ودول الشرق وفي رعاية العرب والاقليم. في أقل من عشرين شهرا، انزلقت البلاد من حركة احتجاج سلمية على نظام بشار الاسد، الى احد النزاعات الاكثر عنفا ووحشية في هذا القرن.

القتلى أكثر من عشرين الفا والجرحى مئات الآلاف. المفقودون نحو 80 الفا ربما قضى عدد كبير منهم في السجون السورية تحت التعذيب. اما النازحون فعددهم 250 الفا على الاقل، الى عدد مماثل او اكبر لجأ الى دول الجوار، تاركا خلفه جنى العمر. ضواح تحولت اطلالا واخرى تبدو كأن إعصاراً غادرها للتو.

جون بدرو شوارتز، استاذ الادب الانكليزي في الجامعة الاميركية ببيروت، زار دمشق حديثا في ريفها لم يجد حرستا ولا جوبر ولا الحجر الاسود ولا القدم. قصد مدينة دوما فوجد نصفها. وفي داريا ثلاثة ارباع مدينة، حتى الآن. اما زملكا فبدت له كأنها لم تكن. مبان اطبقت على نفسها واعمدة كهرباء بدت اشبه بأشجار اقتلعتها العاصفة وقذفت بها بعيدا. ولا تشي الصور والتقارير الواردة من حلب وحمص وادلب وغيرها بحال افضل لسوريا والسوريين.

لم يحصل، أقله في الماضي القريب، ان استخدم نظام كل هذا العنف ضد شعبه. يستعين نظام الاسد بالطائرات والدبابات والصواريخ والاسلحة الثقيلة ضد خصومه، كأن البلاد ليست بلاده والشعب ليس شعبه. يحاول العبث بأمن الاردن ولبنان وتركيا لتحقيق هدفه، ولا من يردعه. يرتكب المجازر بدم بارد كأن ساعة الحساب لن تأتي يوماً.

أما المعارضة، فلم تعد توفر حيلة. السيارات المفخخة صارت قوتها الضاربة والجهاديون جيشها الاحتياطي. تستخدم القنابل الفتاكة ضد العسكريين والمدنيين على السواء. تخطف وتقتل وتسلب وتعد قتلاها كل مساء كمن يحصي غلة الحصاد.

منذ اكثر من عشرين شهرا، يخوض الجانبان جولات كر وفر في ساحات سوريا وعلى ارواح السوريين. كل منهما مصمم على القتال، الا ان ايا منهما ليس قادرا على توجيه الضربة القاضية. الازمة السورية في طريق مسدود عسكريا قد يكون متعمدا، وثمة شعور متزايد بأن العالم لا يبالي إن خرجت سوريا مدمرة من هذه المحنة.

لقد اكتسب العالم بجدارة صفة المتفرج الغافل عن هذه الازمة. يتذرع الاميركيون والاوروبيون والصينيون والروس بالخوف من تمدد الازمة خارج حدود سوريا، كأنها لم تتمدد بعد. أو ربما لم تؤثر فيهم بعد مشاهد القتل والخراب الآتية من سوريا، وهم ينتظرون شيئا على نسق مجزرة سريبرينيتسا تهز ضمائرهم وتضطرهم الى التعامل بجدية اكبر مع سوريا.

الثابت حتى الآن انه كلما طالت محنة سوريا صارت ادارة مرحلة ما بعد الأسد أشد صعوبة، إلا اذا كان العالم قرر حقا ترك سوريا لمصيرها وترك السوريين يقلعون شوكهم بأيديهم كما سبق له ان فعل في لبنان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى