صفحات الثقافة

كئيبة هي الحرية في سراييفو/ محمد ديبو

 

 

 

كعيون النساء الجريحة

كطعم الخيانة إذ تحوّل الحب إلى مقصلة

كألم الطفل لحظة شعوره بالهجران

موجعة وحزينة سراييفو،

يائسة،

إذ يدرك قلبها المتخم بالألم

أنّ الحرب لم تزل تسحق أعشاب حريتها التي لم تولد بعد

 

***

 

كبيرة وواسعة هي المقابر في سراييفو

الأموات أكثر راحة من الأحياء

أقل ألما

وأكثر قلقا.

شواهد قبورهم تصرخ: كذبة هي الحرب

كذبة هي القضايا التي متنا لأجلها

كذبة هي الأعراق والأديان والدول

كذبة متنا لأجلها

فلا تتبعونا.

 

***

 

مقبرة للمسلمين

مقبرة للكاثوليك

مقبرة للأرثوذكس

مقبرة للصرب

مقبرة للبوسنيين

مقبرة للكروات

 

 

المقابر ولّادة للموت القادم

الموت الذي ينمو ببطء بين دهاليز الأموات

شواهد قبورهم تصرخ: من فرّق مقابرنا كما حصد حيواتنا؟

احذروهم

صانعو الموت

يصنعون من مقابرنا الممزَقة مادة لحياتهم

ولموتنا القادم الذي ينمو ببطء بين مقابرنا

 

***

 

ليست الأرض ما نمشي عليه في سراييفو

بل جثثنا الحية

 

**

 

في قلوب الأمهات دموع معلّقة لم تجف بعد

على جلود النساء العاشقات تنبت سكاكين الحذر وندوب حرب لم يمحوها الوجد.

أحزانهن لم تزل تحلّق

عاليا

عاليا

فيما الفرح طرد بريدي مؤجل

 

***

 

عشاق ومناضلون

حالمون ومزارعون

مثقفون وفقراء..

 

أرادوا الحرية

حلموا بها طويلا

ماتوا لأجلها

وحين أتت بعد دم ودموع

بعد حرب وموت

أدركوا كم كئيبة وتعيسة هي الحرية

 

***

 

رغم هذا الحزن

ليس الألم وحده ما يؤلم هنا

ليست ندوب المدينة وحربها المعلقة

وليس أنين الضحايا الذين لم تعرف قبورهم

ولا الأرض التي لم تشف من همجية الحرب والحداثة،

هي ما يجعل الحزن كثيف هذا المساء.

 

أنك لستِ معي هنا يا حبيبتي

لتزيلي أثار الحرب عن الكنائس والوجوه الباكية

عن اليأس والأعشاب

عن قلبي المتخم بك

فيما الأسى يغطينا معا.

إذ كيف تنهض المدن دون اسمك؟

وكيف تحيا الحياة التي لا تمر أصابعك عليها؟

وكيف تعرف الحرية طريقها إلى المدن الملعونة

إن لم يرشدها ذراعاك العاريان كشراع؟

ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى