صفحات الثقافة

كارل كراوس Karl Kraus: سليل بيت اللغة القديم

 

 

يعدّ كارل كراوس الكاتب النمساوي(1874 ـ 1936)من أكثر الكتاب التزاما بالكتابة الشذرية، إذ كرّس حياته الكاملة في تجويدها، واعتبارها سلاحا لهجاء ونقد الوضع الفكري في بلاده النمسا وألمانيا، خاصّة وسائل الإعلام، وتوظيف اللغة من أجل استغباء النّاس، والتلاعب بمشاعرهم. لقد كانت اللغة الألمانية بالنسبة إليه هدف الساسة و الرأسماليين لبلوغ مصالحهم بأساليب دنيئة، لذلك جعل من نفسه المدافع الأول عنها وما تحمله من قيم سامية، فهو على حدّ قول الشاعر جورج تراكل”سليل بيت اللغة القديم” وكان فنّ الشذرة أداته في فضح ما يسمّيه هو بإمبراطورية الغباء، أو كما كان يصفه إلياس كانيتي الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة1981الذي لم يكن يخفي إعجابه و تهيبه بأنّه في حدّ ذاته كان بمثابة “سور الصين العظيم ضدّ الرداءة”، وأنّه “يرى الخطر و يتّجه إليه…” كان كارل كراوس سليل عائلة يهودية غنية جدّا، لذلك لم يكن في حاجة إلى متابعة دراسته أو العمل فقد كان حرّا و مستقلا استغنى عن ديانته اليهودية وانتقل إلى الكاثوليكية ثم ما لبث أن نقم عليها، أصدر جريدة “المشعل” التي كانت مشاكسة و ساخرة لاقت إقبالا كبيرا، في البداية شاركه في تحريرها العديد من الأسماء اللامعة، لكن طاقته الكبيرة على العمل جعلته في النهاية محررها الوحيد لعقود من الزمن. من أعمال كراوس الشهيرة “الأخلاقية والعدالة المجرمة” و”كلمات منظومة” و”أقوال وأقوال مضادة” و”مسرح الحلم” و”أدب وأكاذيب” وأخير عمله العظيم “الأيام الأخيرة للبشرية” الذي تنبأ  فيه بمقدم النازية ونهايتها. كان كراوس مستقلا في فكره وآرائه حرّا، لذلك لم ينل الشهرة التي يستحقها في عصرنا، لقد عادى الاشتراكيين و الشيوعيين وانتقد حتّى الليبراليين، أمّا الصهيونية فقد كان عدوها اللدود رغم يهوديته نسبا، فقد سخر من ثيودور هيرتزل الذي زاره مرّات وحاول استقطابه إلى مشروعه الصهيوني بقولته الشهيرة:”هيرتزل ملك اليهود الباحث عن مملكة” لكنّ أقسى انتقاد وجّهه إلى الصهاينة في عموم أوروبا وبقية العالم هو:”لديهم الصحافة، لديهم البورصة، والآن لديهم أيضا اللاوعي” لذلك ظلّ كارل كراوس مرفوضا من قبل الجميع. هنا نماذج من شذراته المشهورة من كتابيه: “شذرات” و “أقوال وأقوال مضادة”.

 

1- لشيطان متفائل إذا كان يعتقد أنّ بإمكانه أن يجعل البشر أسوأ ممّا هم عليه.

 

2-دون شكّ الكلب وفيّ. لكن، هل ينبغي لنا، لهذا السبب الاقتداء به؟ هو وفيّ للإنسان، لا للكلب.

 

3-بما أنّ امتلاك الحيوانات المتوحشة ممنوع من قبل القانون، وأنا لا أجد أية متعة في تربية الحيوانات الأليفة، فقد فضلت أن أبقى أعزب.

 

4-    الخلاف بين الأطباء النفسانيين و بقية المرضى العقليين، هو تقريبا العلاقة بين الجنون المحدودب و الجنون المقعّر.

 

5-ستكون العزلة مكانا مثاليا، لو كان بالإمكان اختيار الناس الذين نتحاشاهم.

 

6-الشذرة لا تتطابق أبدا مع الحقيقة، فهي إمّا نصف حقيقة أو حقيقة ونصف.

 

7-العالم سجن، حيث من الأفضل للمرء أن يشغل زنزانة فردية.

 

8-الحقيقة خادمة عديمة المهارة، أثناء التنظيف تحطّم الصحون.

 

9-لا يمكن أن نملي شذرة على آلة كاتبة، فهذا سيأخذ وقتا طويلا.

 

10-وظيفة الطحال ينبغي أن تكون شبيهة بوظيفة الموثقين في الدولة: أي ضرورية، لكن لا لزوم لها.

 

11-الغيرة هي نباح كلب يلفت انتباه اللصوص.

 

12-الديموقراطية تعطيك الفرصة في أن تكون عبدا للشخص الذي تختاره بنفسك.

 

13-قصيدة ما، تبقى جيّدة إلى أن نعرف صاحبها.

 

14-الرجل الضعيف تخامره الشكوك قبل اتخاذ القرار، الرجل القوي تنتابه بعد اتخاذه.

 

15- التحليل النفسي هو في حدّ ذاته المرض الذي يزعم علاجه.

 

16- تحفّز الصحافي الآجال المستعجلة، لذلك يكتب أسوأ عندما يكون لديه الوقت.

 

17- اللغة هي الأمّ، لا بنت الفكر.

 

18- الأعشاب الضارة غير قابلة للتلف أبدا.

 

19- الأفكار حرّة، لكننا مع ذلك لدينا مشاكل.

 

20- ينبغي أن نكتب في كلّ مرّة كما لو كنّا نكتب للمرّة الأولى والأخيرة.

 

21- ما يهمّ في الحبّ، هو ألّا يبدو المرء أكثر غباء ممّا سيصبح عليه.

 

22- الرذيلة و الفضيلة أقرباء مثلما الماس و الفحم.

 

23- القدرة على الشكّ، بعد أن يتمّ إقرارها فورا، هي الأكثر سموا و الأكثر قوة.

 

24- من لا يحفر حفرة للآخر يقع بنفسه فيها.

 

25- أنا والقارئ لسنا متفاهمين جدّا، هو لا يصغي لما أقوله، وأنا لا أقول له ما يريد الإصغاء إليه.

 

26- في رأس فارغ تلج الكثير من المعرفة.

 

27- الحياة العائلية هي تدخّل في الحياة الخاصّة.

 

28- الأدب اليوم وصفات طبّية يخطّها المرضى.

 

29- بكثرة ما ننظر إلى كلمة عن قرب، بكثرة ما تنظر هي بعيدا إلى الخلف.

 

30- ينبغي على الأخلاقي أن يتصرف دائما كما لو كان قد أتى للمرّة الأولى إلى العالم، والفنان كما لو أنّه قد أتى لمرة واحدة وإلى الأبد.

 

31- لن تكون الفكرة شرعية إلّا إذا كان للمرء شعور بالقبض عليه متلبّسا بانتحال للذات.

 

32- لا شيء يتغيّر أبدا، إلّا إذا لم يعد من الجائز قوله.

 

33- الكاتب هو ذلك الشخص الذي بوسعه أن يجعل من لغز جوابا.

 

34- التعليم عكّازة بواسطته يهاجم الحمقى الحكيم ليثبتوا أنّهم ليسوا أغبياء.

 

35- اللغة هي أمّ الفكر وليست خادمته.

 

36-تبدأ الفضيحة عندما تضع الشرطة حدّا لها.

 

37- شاعر يقرأ، هو المشهد ذاته لطبّاخ يأكل.

 

38- ثقافة واسعة هي صيدلية مجهّزة جيّدا، لكن ليس هناك يقين بأنّ (مركبات السيانيد) تعطى من أجل نزلة برد.

 

39- للفنانين الحقّ في أن يكونوا متواضعين، و واجب أن يكونوا مغرورين.

 

40- الموهبة في الغالب خلل في الشخصية.

 

41- السخرية العاطفية هي كلب ينبح على القمر فيما يسقي ببوله القبور.

 

42- يحبّ الأمريكيون كلّ ما ليس لديهم،  وعلى وجه الخصوص الآثار القديمة و مظاهر الحياة الداخلية.

 

43- الرجل قبالة النساء محدود بالنظام الاجتماعي في ألّا يكون أبدا سوى  متسول أو سارق.

 

44- العالم سجن من الأفضل للمرء أن يقضي فيه محكوميته في السرّ.

 

45- الفتّان الغاوي الذي يتباهى بتلقين النساء أسرار الحبّ، هو الغريب الذي يحلّ بالمحطّة ويعرض على المرشد السياحي أن يدلّه على المعالم الجميلة للمدينة.

 

46- ما من حدود تحضّ على التهريب مثل العمر.

 

47- المتعة الإيروتيكية هي سباق حواجز. الحاجز الأكثر إغراء وأكثر شعبية هي الأخلاق.

 

48- ثمّة نوعان من الكتاب. أولئك من “هم كتّاب” ومن “ليسوا كذلك”. عند الأولين المضمون و الشكل مجتمعين مثل الروح و الجسد، عند التالين المضمون و الشكل يسيران جنبا إلى جنب مثل الجسد والملبس.

 

49- على من يقتحم الأبواب المفتوحة ألّا يخشى أن تهشم نوافذه.

 

50- على من لديه ما يقوله أن يتقدّم إلى الأمام و أن يلزم الصمت.

 

المترجم: سعيد الباز

ضفة ثالثة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى