رزان زيتونةصفحات سورية

كتائب “الجيش الحر” إذ تتفرّغ للإغاثة

رزان زيتونة

كيف يمكن تفسير ظاهرة قيام بعض الكتائب المُقاتلة في عدد من المناطق المحرّرة في سوريا٬ بالانخراط في الأعمال الخدمية والمدنية وصرف أموال طائلة عليها٬ في الوقت الذي تستمر فيه المعارك على مختلف الجبهات في تلك المناطق؟

وإذا كانت الجهات الداعمة تهدف فعلاً إلى مساعدة السكان في الأمور الخدمية والحياتية٬ فلماذا أُوكِلت تلك المهمة للكتائب والألوية العسكرية – بل لبعضٍ منها فقط وبناءً على اعتبارات تخصّ الجهات المانحة وليس مصلحة الأهالي- بدلاً من المجالس المحلية والجهات المدنية؟

ما علاقة الكتائب بتشغيل الأفران أو تسيير مواصلات عامة أو الإشراف على المدارس أو القضاء وغيرها من شؤون المدنيين.

المنطق يقتضي أن تصرَف الأموال الممنوحة للمقاتلين من أجل تعزيز قوتهم العسكرية وصمودهم على الجبهة٬ وليس لتعزير الفكر أو التيار الذي تدعمه هذه الجهة أو تلك. لكن ما يحصل على أرض الواقع في بعض المناطق المحررة ينحى في الاتجاه المعاكس تماماً.

وكأنّ هناك من يعمل على بناء دويلات صغيرة تمتلك المال والسلاح الذي يمنحها وهمَ السيطرة. وهو وهمٌ لأن المناطق المحررة لاتزال تحت الحصار وفي قلب المواجهة، وخطر إعادة الاجتياح ليس مستحيلاً، ولأنها تحت الضربات البرية والجوية بشكل يومي٬ ولأن نسبة السكان التي عادت إليها بعد النزوح لا تزال بسيطة رغم الأرقام المبالغ فيها التي يتم تداولها.

أي من الأجهزة الخدمية والمدنية التي عملت تلك الكتائب على تأسيسها لا يصلح بحالٍ من الأحوال حتى للبناء عليه في المرحلة الانتقالية. ليس فقط لارتجالها وشبه انعدام الاختصاصيين فيها٬ واعتمادها على المال السياسي الذي قد ينضب في أية لحظة لدى تغير حسابات الجهة المانحة، بل بالدرجة الأولى لأنها أقصت من المشاركة فيها كل من لا يشبهها، حتى قلبت الاختلاف إلى ما يشبه العداء الذي يمكن تلمسه ببساطة من أحاديث الناس واصطفافاتهم.

في المقابل هناك الكثير من الكتائب والألوية التي تساهم في العمل الخدمي والمدني، لكن بالمشاركة مع المدنيين وليس كسلطة مفروضة بقوة المال والسلاح.

جانب آخر أتاح للمقاتلين التدخل في غير شؤونهم العسكرية٬ هو ضعف الأطراف المدنية الذي يعود من ناحية إلى ضعف٬ وأحياناً انعدام الدعم الذي يمكّنها من أداء الدور الخدمي والإغاثي والمدني٬ ومن ناحية أخرى إلى تناحر تلك الأطراف على أتفه الأمور في الوقت الذي تجمع فيه على الشكوى من واقع الحال ورغبتها في تغييره، لكن من غير تقديم تنازلات صغيرة من شأنها جمع تلك الجهود لتصب في غاية واحدة وتتمكن من مواجهة السلبيات التي أصبحت أمرا واقعا مع الوقت.

يرى كثيرون أن الأمور ستتغير في المستقبل خاصة مع عودة السكان بشرائحهم المختلفة إلى مناطقهم٬ لكن ذلك سيقتضي حينها اعادة البناء من نقطة الصفر الى جانب التعامل مع كل ما سينتج عن الوضع الحالي من عداءات بين كل من المؤسسات الورقية التي بنيت على أرض متحركة وبقايا المؤسسات القديمة من عهد النظام وتحدي اعادة بناء تلك المؤسسات على أسس صحيحة قدر الامكان.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى