مراجعات كتب

كتاب: “التحول الديموقراطي ـ سوريا نموذجاً”/ أحمد ياسين

مبادئ التخطيط الاستراتيجي لمرحلة ما بعد نظام الأسد

إن معركة السوريين اليوم، هي معركة مزدوجة: فمن جهة عليهم العمل لاستعادة الجمهورية، تلك التي تحولت تماماً، الى مملكة يتوارثها الابناء؛ ومن جهة أخرى، العمل لاستعادة الديموقراطية.

وفي كلتا الحالتين، فان السوريين جميعهم، وبكل أطيافهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والإثنية، لا يختلفون، ابداً، على اولوية النجاح في كلتا الحالتين.

هذا ما يعلنه الباحث السوري رضوان زيادة، كتقرير ختامي لدراسته الجديدة هذه، والتي يضمنها مبادئ التخطيط الاستراتيجي لمرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

ويتألف هذا الكتاب من مقدمة وتسعة فصول: ويوضح زيادة في المقدمة قائلاً: منذ أجبرت على مغادرة بلدي الأم سوريا في عام 2007، بدأ يشغلني هاجس امكانية تحقيق التحول الديموقراطي في بلداننا العربية عموماً وفي سوريا خصوصاً.

فقادني هذا التفكير الى السفر الى اكثر من خمسين بلداً في اميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية والغربية وافريقيا، للتعلم من تجاربها في التحول الديموقراطي، والتعرف الى قصص نجاحها وفشلها، والدروس التي يمكن تعلمها من تجارب هذه الدول.

ويتابع: إطلعت على افكار وتجارب رواد التحول الديموقراطي في العالم، من جين شارب الذي استقيت منه معظم الافكار الواردة في هذا الكتاب الى غاندي ولوثر كينغ، وغيرهم، وصولا الى ثورات الربيع العربي التي لما تكتمل بعد، أو تنتقل من الدكتاتورية والاستبداد العائلي أو الحزبي الى بناء الديموقراطية.

فهذا الكتاب، يخوض في كل هذه التجارب، مستخلصاً ـ وعلى ما يلفت زيادة ـ ما يمكن الاستعانة به في تجربتنا الحالية، وأهمها (أي هذه التجارب)، سلمية عمليات التحول، او الثورات وأخلاقياتها وطرق نجاحها. وذلك استناداً وانطلاقاً من خلاصة نظرية جين شارب القائمة على شروط الكفاح السلمي او المقاومة السلمية او مقاومة اللاعنف، الهادفة الى اسقاط الأنظمة الدكتاتورية.

كذلك، يعلن زيادة، في هذه المقدمة (التي يضمنها كامل قواعد واسس نظرية حين شارب اللاعنفية، بكل تفاصيلها وأهدافها كافة) ان اهم ما يعلمنا اياه شارب، هو ان التخطيط، لمرحلة ما بعد سقوط النظام، يجب بحثه، في وقت مبكر، بحيث يحضر له بشكل جيد.

وهنا، يرى زيادة، انه مع ولادة الربيع العربي، وبدء (الثورات العربية) التي قادت الى التحرر من الأنظمة الدكتاتورية، في الكثير من البلدان العربية، بدت الأهمية مضاعفة في الاستفادة من تجارب التحول التي شهدتها أوروبا الشرقية، وأميركا اللاتينة، وذلك، لأن سوريا اليوم، تمر بمرحلة التحول ذاتها، وخصوصا مع تحرر الكثير من المناطق السورية من نظام الأسد، وسيطرة الجيش السوري الحر عليها، كان لا بد من التخطيط لمرحلة ما بعد الأسد والاستعداد لها، وهذا ما يحاول هذا الكتاب الاجابة عليه عبر فصوله المختلفة.

وبناء على ذلك، يستعرض الفصل الأول وقائع “التحولات الدولية في الشرق الأوسط بعد 11 أيلول”. وفي هذا الفصل يؤكد زيادة ان التحول الديموقراطي، في المنطقة العربية، يجب ان يستند ـ بالكامل ـ الى عوامل محلية وداخلية ـ وبحسب خصوصية كل بلد ـ في عملية تغيير النظام الدكتاتوري أو اسقاطه؟ وينبه زيادة، ان لا امل في هذا التحول إذا ما اقترن بالتدخل العسكري الخارجي، مشيرا الى تجربة العراق، التي كانت مأساوية جدا في هذا المجال، اذ ان هذه التجربة (العراقية) جعلت فكرة الديموقراطية، فكرة نابذة، طاردة، بدلا من ان تكون جاذبة ومحرضة على التغيير، فلقد هزمت فكرة التدخل الخارجي لإحلال الديموقراطية في المنطقة العربية، هزيمة” منكرة، علما وعلى ما يشير زيادة، ثم ومؤكداً ـ أنه، تاريخياً، لم يكن للتدخل العسكري اي تجربة في إحلال الديموقراطية.

وذلك، لأن خيارات الحركات الديموقراطية الداخلية، انما تكون واضحة في رؤيتها وأهدافها، باتجاه تحقيق الديموقراطية وانجازها.

ويتمحور الفصل الثاني حول “ثورات الربيع العربي”، ويشدد الكاتب، في هذا الفصل على ان نجاح ثورات الربيع العربي، يرتبط بمدى نجاح التحول الديموقراطي، مؤكداً ان عملية التحول الديموقراطي في اي نظام تمر بثلاث مراحل، هي: ضعف النظام او تفككه، ثم المرحلة الانتقالية التي تكون اكثر اماناً، اذا ما تمت بوسائل ديموقراطية، فالمرحلة الأخيرة، وهي الاستقرار الديموقراطي، وتتم عندما تصبح البنى الديموقراطية مستقرة ومتماسكة ومنسجمة مع الوعي الجمعي العام للمجتمع.

والفصل الثالث يشخص الظروف والحيثيات والوقائع والعوامل، التي شكلت ـ مجتمعة ـ رحم “ولادة الثورة السورية”، ويجري التأكيد، في هذا الفصل، على ان سوريا هي حالة مثالية للثورة، حيث اجتمع فيها الفشل السياسي والاخفاق الاقتصادي، ففضلا عن حالات الفساد الملحوظة التي تظهر حجم الهوة بين طبقة تزداد ثراء، ومجتمع يزداد فقراً، فهناك 30% من السوريين تحت خط الفقر، وفق الاحصاءات الرسمية، ويلفت زيادة الى ان ما اخر اندلاع الاحتجاجات في سوريا، هو الخوف بشكل رئيسي، الخوف من القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية السورية التي تتباهى بأنها لا تتردد في استخدام العنف ضد المتظاهرين، اضف الى ذلك ـ والاضافة للكاتب ـ تحفيز ذاكرة الخوف التي ترسخت لدى السوريين بعد احداث الثمانينات التي خلفت اكثر من 30 الف قتيل، وما يزيد على 125 الف معتقل سياسي، و17 الف مفقود، لا يعرف ذووهم مصيرهم الى الآن، فضلا عن سير التعذيب التي اصبح السوريون يتداولونها باستمرار، ما شكل رادعا نفسيا يلجم اي تحرك مطلبي او سياسي، لكن نجاح الشباب في مدينة درعا الجنوبية في كسر حاجز الخوف. والخروج بالعشرات في تظاهرات تطالب بالحرية، كمطلب وحيد، وتمدد التظاهرات بعد فترة، الى مدن أخرى. (بانياس ودير الزور وحمص ودمشق وحلب، ومدن أخرى في ريف دمشق)، يدل على ان تصميم الشباب السوري، على استكمال ثورته، يتصف بالصمود الضروري، لتحقيق النجاح، وأنه لا يمكن قمع هذا الأمل بالرغم من توسع الاعتقالات في أكثر من مدينة، وسقوط شهداء بينهم أطفال بسبب من الاستخدام المفرط للعنف في تفريق المتظاهرين، واستخدام الرصاص الحي، كما اثبتت اكثر من منظمة حقوقية، كما ويؤكد هذا الفصل على ان الشعارات المرفوعة، منذ اليوم الأول لقيام هذه الثورة، تدل على ان هذه الثورة هي ثورة الكرامة وعلى راسها الحرية.

ويؤكد، ايضا ان محافظة درعا الجنوبية، هي المكان المثالي الذي كان على الثورة السورية الحالية ان تبدأ فيه، ومع انتشار المتظاهرات في كل المدن السورية، ومع اتساع رقعة الثورة، زاد استخدام النظام، للعنف المسلح والأسلحة الثقيلة والدبابات ضد المدنيين، مما دفع الكثير من الضباط الى عدم اطاعة الاوامر، والانشقاق وتشكيل ما يعرف بـ”الجيش الحر” الذي انيطت به مسألة تحرير سوريا من نظام الاسد، بعدما رفض هذا النظام اية مبادرات سياسية، من اجل التنحي، وبدء مرحلة الانتقال السياسي وبالتالي وعلى ما يوضح الكاتب دخلت سوريا مرحلة “من التحرير، عبر المقاومة المسلحة، ممثلة في “الجيش الحر”. وبذلك انتقلت الثورة السورية الى مرحلة جديدة، هي ما يطلق عليه، مرحلة اللاعودة، والتقدم، باتجاه الحسم العسكري الذي سيزيد، بكل تأكيد صعوبة المرحلة الانتقالية ويعقدها، وهنا يشدد زيادة قائلا: لكن كلي ثقة بأن السوريين الذين يدفعون اليوم تضحيات غالية، من اجل تحرير بلدهم قادرون على ادارة المرحلة الانتقالية بكل عزم ةاتقدار، هذا بالرغم من نجاح نظام الاسد، وعبر الاستمرار في ارتكابه المجازر والجرائم اليومية، بحق الشعب السوري، في تحويل صورة ثورة الكرامة والحرية، الى صراع مسلح بين متناحرين، فأصبحنا والاشارة لزيادة في منتصف صراع مسلح بين عصابات وميليشيات لا يحكمها أي رادع اخلاقي او انساني، وبين مقاتلين من اجل الحرية. وما النقاش الدائر في مجلس الامن حول، وقف طلاق النار، الا دليل على اننا الآن في صراع مسلح وانه يجب وقف اكلاق النار بين الطرفين، بدل دعم الحقوق المشروعة للشعب السوري في نيل حريته وكرامته. فبذلك تحولت صورة الثورة السورية التي بدأت سلمية من اجل بناء الدولة المدنية الديموقراطية، الى صورة نزاع مسلح يسقط خلاله الضحايا من الطرفين، وعليه، والتوضيح لزيادة، يجب وقف النزاع المسلح بكل الطرق السياسية الممكنة.

ويضيف زيادة هنا، انه لقد اتضح اليوم، ليس لكل السوريين وحسب، وانما للعرب والعالم، ن نظام الاسد اصبح اشبه بالعصابات التي تحكم بالعنف والقتل: فلا يعنيها مصالح سوريا او مصيرها، ولا يهمها استقرار سوريا او نموها. بل ما يهم الاسد وعائلته، هو البقاء في الحكم ولو على جماجم الآلاف من السوريين.

ويعدد الفصل الرابع “عوامل التحول الديموقراطي” ويقول: ان عملية التحول الديموقراطي، ترتبط بعدد من القيم، مثل العقلانية والتعددية والمساواة بين الجنسين والمواطنة، وهي بمجملها تشكل المدخل الضروري لتحول نظام تسلطي الى نظام ديموقراطي، حيث تعتبر هذه القيم بمثابة الاطار النظري، الذي يحمي عملية التحول من الانزلاق باتجاه نظام عسكري او الانتقال نحو نمط من الفوضى التي تهز استقرار البلد وتضعفه.

ويحلل هذا الفصل جذور التحول في تشيكوسلوفاكيا لنموذج في اوروبا الشرقية، وسوريا كنموذج آخر في دول الشرق الاوسط، وذلك من خلال تتبع تجرية الانتقال الديموقراطي في تشيكوسلوفاكيا (التي انقسمت فيما بعد الى جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا)، وقراءة هذه التجربة على ضوء الخطوات التي قامت بها المعارضة السورية بعد عام 2000. ويؤكد الكاتب ان عوامل التشابه كثيرة بين النظام التشيكي الذي كان قائما، قبل تحقيق التحول الديموقراطي في تشيكوسلوفاكيا، وبين النظام السوري لحالي. اذ ان النظام التشيكي كان شبيها كثيرا بالنظام السوري الحالي، من حيث بناء المؤسسات الامنية، وهيكلية المؤسسات السياسية. اذ كان الحزب الشيوعي، التشيكوسلوفاكي، يسيطر على كل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية، ويحكم، من خلال تكتل احزاب صغيرة متحالفة معه كما هي حال الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا. وقد نص الدستور التشيكوسلوفاكي على ان الحزب الشيوعي هو القائد في الدولة والمجتمع.

انها المادة ذاتها التي استعارها المشرع السوري، وضمنها في الدستور السوري الدائم الذي صدر في عام 1973، في مادته الثامنة التي تنص على ان حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع.

ويدور الفصل الخامس حول “بدايات ربيع براغ”. وقد جاء فيه ان التجربة الديموقراطية في التاريخ التشيكي ما قبل عام 1936، اختزنت دوراً محورياً، في الهام المعارضة التشيكية والمجتمع المدني التشيكي، بقدرتهما على التحول والعودة الى الحياة البرلمانية الديموقراطية. وربما لعبت احداث عام 1968 التي يطلق عليها “ربيع براغ” دوراً حيوياً في تذكر تلك التجربة، كما ان احداث ذلك العام الاليمة، التي انتهت بتدخل دبابات الاتحاد السوفياتي لقمع الحركة الاصلاحية وادت الى اعدام العديد من قادتها وضباطها العسكريين، وعلى رأسهم قائد الحركة الجنرال الكسندر دوبتشيك، مثلت نقطة البداية، بالنسبة الى الكثيرين. فهي قد دفعت بعضاً من قياديي الحزب الشيوعي الى معارضة التدخل العسكري، والانضمام، فيما بعد، الى صفوف المعارضة، والتوقيع على ما يسمى “ميثاق 77″، الذي، يمكن القول، ان الكثير من مؤرخي حركة التحول الديموقراطي في تشيكوسلوفاكيا، يعودون اليه بوصفه، لحظة البدء في مرحلة التحول.

ويقول زيادة في هذا النطاق انه لمن المثير حقاً، تتبع تطور حركة المعارضة التشيكوسلوفاكية وخطواتها، لنرى حجم التشابه بين نضالها، ونضال المعارضة السورية اليوم من اجل التغيير. فإن تجربة “ميثاق 77” تبدو شبيهة تماما بقصة بيان الـ99 مثقفا في سوريا. كما ان النقاشات بين المعارضتين الداخلية والخارجية في سوريا، تبدو هي ذاتها، كتلك التي جرت بين المعارضتين الداخلية والخارجية في تشيكوسلوفاكيا.

وقد صدر بيان المثقفين الـ99 في 27 ايلول/ سبتمبر عام 2000. وكما “ميثاق 77″، كان الهم الاساسي للبيان، موضوع حقوق الانسان.

وبعد صدور هذا البيان، كان تنامي منتديات المجتمع المدني في سوريا، قد نشط الحراك الاجتماعي والسياسي فيها، بشكل غير مألوف، من اجل زيادة الضغط على النظام لتحقيق لمزيد من الانفراجات السياسية، فولدت فكرة “بيان الالف”(الوثيق التي وقع عليها الف مثقف وناشط سوري) الصادر في العام 2001. لكن التعقيدات المختلفة التي عمد اليها النظام لوقف نشاط هذه المنتديات نهائيا، قد دفع الكثير منها لان يوقف نشاطه، وعندها اعلن، رسميا عن نهاية “ربيع دمشق”، ليصبح هذا المصطلح، اشبه بالتعبير التاريخي، الذي يطلق لوصف مرحلة تاريخية مرت بها سوريا. اذ استعير هذا المفهوم من تجربة “ربيع براغ” التي لم تعمر سوى اشهر قليلة. ويؤكد الكاتب في هذا السياق بقوله: لكن ربيع دمشق كان قد شكل النواة لخلق قوى وشخصيات سياسية، ستلعب دورا مهما بعد اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011. “فحركة ربيع دمشق” التي قمعتها السلطات السورية مبكراً خوفاً من تناميها، هذه الحركة قد تحولت، بالتالي، الى شكل من اشكال الاحتجاجات السلمية، التي تتصاعد باستمرار، والتي من شأنها ان ترغم النظام على تقديم التنازلات الضرورية، وهو ما يقود في النهاية الى انجاز عملية الانتقال الى الديموقراطية.

ويستعرض الفصل السادس اجواء “عملية الانتقال الى الديموقرطية في تشيكوسلوفاكيا”، شارحا وقائع هذه العملية، والظروف التي احاطت بها، حيث يقرر ان المعارضة التشيكية، وبعد توافقها على “ميثاق 77″، اصدرت في تشرين الاول/ اكتوبر 1988 وثيقة بعنوان: “ديموقرطية للجميع” وهي اول وثيقة سياسية لها، تطالب بالديموقراطية، في حين، بدأت التحولات السياسية بعد عام تقريبا من صدور هذه الوثيقة. وتبدو التجربة التشيكية هنا، ايضاً، شبيهة بالتجربة السورية في اصدار إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي في تشرين الأول/اكتوبر

2004

كما ويضيء الفصل السابع على تأسيس “إعلان دمشق وولادة المعارضة المنظمة” وقد جاء فيه ان الضغوط الخارجية على سوريا، انعكست ضغوطا داخلية هائلة على قوى المعارضة.

كما دلت توصيات المؤتمر القطري لحزب البعث (حزيران/يونيو 2005)، والى ذلك، اعلن الرئيس بشار الاسد تجميد اصدار قانون جديد للأحزاب السياسية ـ بعد ان كان قد وعد في أكثر من مرة بقرب صدور هذا القانون ـ رابطا بين الضغوط السياسية التي تتعرض لها سوريا، وتاجيل النظر في هذا القانون، وقد حاولت المعارضة ان تبلور ـ في تلك الفترة ـ طريقة جديدة للعمل، فولدت فكرة تأسيس اعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي.

التي تؤمن بأن دعوات الاصلاح العديدة، التي وجهتها المعارضة خلال السنوات السابقة، اصطدمت، دائما بجدار الرفض من قبل السلطة، هذه السلطة، التي غالبا ما كانت ترد بالمزيد من الاعتقالات والتشديد على المعارضة، لذلك صرح اعلان دمشق بايمانه بالتغيير الديموقراطي، وعدم جدوى دعوات الاصلاح.

وقد صدر اعلان دمشق، برضى كل الأطياف الموقعة عليه (الأحزاب الكردية والاسلامية والقومية والشيوعية)، وقد اطلق “إعلان دمشق” حراكا فكريا وسياسيا حول ضرورة التغيير وحتميته، وأظهر قدرة القوى السورية على التحاور والتوافق، رغم اختلاف المصالح الإيديولوجية، وقطع ـ تماما ـ مع نمط الدعوات المطلبية التي شملت العرائض والبيانات، نحو الحض على التغيير ومحاولة تحقيقه وانجازه، وفي واقع الأمر، اصطدم الاعلان بعدم وجود استراتيجية واضحة، لكيفية تحقيق هذا التغيير، فقد تمحور النقاش الذي كان يجري في ظروف سرية وصعبة للغاية، حول ضرورة بناء هيكلية تنظيمية للاعلان، تدير شؤونه، وتكون خطوة باتجاه حل الخلافات الحزبية، لتأسيس قيادة موحدة لإعلان دمشق. نجحت المعارضة في تنظيم الاجتماع الذي دعت اليه الأمانة العامة لاعلان دمشق في 1/12/2007 وعلى اثره، تم تشكيل المجلس الوطني السوري وانتخاب قيادة جديدة لاعلان دمشق. ولقد تعرض اعلان دمشق لهزة قوية، اثر اعتقال ابرز رموزه الفاعلين والمؤثرين، لكنه استمر في اصدار البيانات التي تعرض موقف المعارضة السورية من الأحداث السياسية الداخلية والاقليمية، لكن الصراع ما زال مستمراً، والمستقبل سيحكم ما اذا كانت حركة اعلان دمشق ستنجح في تحقيق التحول الديموقراطي.

ويخوض الفصل الثامن في تجربتي “التحول الديموقراطي والعدالة الانتقالية”، قائلاً إن العدالة الانتقالية تشير الى حقل من النشاط أو التحقيق، يركز على المجتعات التي تمتلك ارثا كبيراً من انتهاكات حقوق الانسان، كالابادة الجماعية، أو اشكال اخرى من الانتهاكات، تشمل الجرائم ضد الانسانية، أو الحرب الأهلية، من اجل بناء مجتمع اكثر ديموقراطية لمستقبل آمن، ويمكن ادراك هذا المفهوم من خلال عدد من المصطلحات التي تدخل ضمنه، مثل اعادة البناء الاجتماعي والمصالحة الوطنية.

وتأسيس لجان الحقيقة، والتعويض للضحايا، واصلاح مؤسسات الدولة العامة التي غالبا ما ترتبط بها الشبهات اثناء النزاعات الأهلية الداخلية المسلحة، مثل الشرطة وقوى الأمن والجيش، ويرتبط مفهوم العدالة الانتقالية بين مفهومين هما: العدالة والانتقال، لكن المعنى الدلالي الأدق للمفهوم يفيد تحقيق العدالة اثناء المرحلة الانتقالية التي تمر بها دولة ما. فمع التحول السياسي، بعد فترة من العنف في مجتمع من المجتمعات. يجد المجتمع نفسه ـ في كثير من الأحيان ـ امام تركة صعبة من انتهاكات حقوق الانسان، لذلك تسعى الدولة الى التعامل مع جرائم الماضي رغبة منها في تعزيز العدالة والسلام والمصالحة، فيفكر المسؤولون الحكوميون ونشطاء المنظمات غير الحكومية في انتهاج مختلف السبل القضائية، وغير القضائية، للتصدي لجرائم حقوق الانسان.

وتستخدم في ذلك عدة مناهج لتعميم احساس بالعدالة اكثر شمولا وأبعد أثراً.

ويؤكد الكاتب، في نهاية هذا الفصل، بقوله: “إن العالم العربي، يبدو في حاجة الى الدخول في مرحلة جديدة من “العدالة الانتقالية”، خاصة تلك الدول التي شهدت انتهاكات فظيعة على مستوى حقوق الانسان في الماضي، في ظل أنظمة الحكم التي اطاحت بها ثورات الربيع العربي. فوحدها العدالة الانتقالية ـ والتقرير للكاتب ـ تؤسس للمصالحة الوطنية التي هي شكل من اشكال العدالة الانتقالية، التي تكون ضرورية، لإعادة تأسيس الامة على اسس شرعية قانونية وتعددية وديموقراطية في الوقت ذاته إذ تبدو ـ وعلى ما يرى الكاتب ـ تجربة المغرب مغرية في هذا المجال، وحاجة العراق ماسة اليها اكثر من غيره، ولا مخرج لسوريا بعد سقوط نظام الأسد الا الدخول في المصالحة الوطنية، فهي وحدها الكفيلة بالخروج من اسر الماضي الثقيل الوطأة الى رحاب المستقبل.

أما الفصل التاسع والأخير، فيستشرف آفاق التصورات المنتظرة لـ”سوريا المستقبل” حيث يقرر زيادة هنا ان سوريا الديموقراطية في المستقبل ستواجه اربعة تحديات رئيسية، هي:

1 ـ الاصلاح السياسي والدستوري.

2 ـ التنمية الاقتصادية.

3 ـ تحديث الجيش السوري.

4 ـ انعطاف في السياسة الخارجية.

فهذه هي، باختصار النقاط الاربع الأساسية التي يجب على سوريا المستقبل ان تضعها، أولوية لها، ويتساءل الكاتب هنا، بقوله: “لكن كيف يمكن تحقيق ذلك، وعبر اية خطوات من التحول الآمن يجب ان نسير؟ ويشير الى ان أكبر تحد يواجه اي بلد، في مرحلة التحول الديموقراطي، هو كيفية تفكيك النظام الشمولي، فالنظام السوري ومنذ، الجمهورية الثالثة، اي ومع تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي، السلطة عام 1963، لم يكن هذا النظام، مختلفا عن الكثير من الأنظمة الشمولية التي قامت في اوروبا الشرقية واميركا اللاتينية، لذا يجب ان تستفيد مرحلة التفكيك هذه، من وفرة الدروس الضرورية التي تتضمن الانتقال الآمن والسلمي للديموقراطية.

وتستند عملية الانتقال هذه الى عمودين رئيسين: وهما:

1 ـ المصالحة من أجل كسب المستقبل.

2 ـ استعادة الثقة في المؤسسات.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى