مراجعات كتب

كتاب – ما هو الدور التركي في تأجيج الصراعات في الجزيرة السورية خلال قرن؟ النفط و”المحاصيل الاستراتيجية” نقلاها من البداوة إلى العمران/ جوزف باسيل

يحاول كتاب “التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية” (1021 صفحة – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) ان يدرس تاريخ التكون الاجتماعي والسياسي الحديث للجزيرة السورية على مدى تاريخ طويل يمتد من منتصف عشرينيات القرن العشرين التي انطلقت فيها عملية اعمار الجزيرة بعدما لا يقل عن خمسة قرون ونيّف من الخراب، ونشأ منها مجتمع ديناميكي متحضر مركّب الهوية، وحتى منتصف السبعينيات التي شهدت خاتمة برامج الاحلال القومية ونهاياتها في وقت واحد.

طرحت في عملية التكون الطويلة المدى تلك، أسئلة ومشكلات وقضايا العلاقة بين التنمية والاندماج الاجتماعي والوحدة والانفصال في اطار تكون الدولة السورية الحديثة، في حدود سوريا “الانتدابية” وبروز اشكاليات التشكل المعقد والمتعثر للهوية الوطنية السورية.

توظيف اللاجئين الفلسطينيين

تطور تعريف الجزيرة خلال هذه المرحلة الطويلة مرات عدة، اذ عرّفتها سلطات الانتداب الفرنسي في اطار مفهوم الأحزمة الإتنية الجبلية والطرفية الضاغطة على المدن الداخلية السورية وعملت في سياق هذا التعريف على تشكيل كيان اتني في الجزيرة احبطه الاعتراض التركي. ودخلت تلك السلطات خلال فترة الحرب العالمية الثانية في احتكاكات جيوسياسية كبيرة مع البريطانيين والاتراك للسيطرة عليها، كما أعيد هذا التعريف بعد اكتشاف طاقاتها الكبرى الكامنة في مرحلة انطلاق الثورة الزراعية في الجزيرة وتحولها الى مكان “شهي” لسياسات ومشروعات الولايات المتحدة الاميركية في شأن توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها. ثم عرفت أهميتها منذ النصف الثاني من الخمسينيات باعتبارها اقليماً نفطياً “واعداً”.

وتمثل المشترك في هذه التعاريف بتحول الجزيرة طيلة الفترة الممتدة من الخمسينيات حتى اليوم الى أحد أكبر النظم الزراعية السورية المختصة بانتاج “المحاصيل الاستراتيجية” مثل الحبوب والقطن وباستثمار مكامن النفط.

التطهير الديني – الإتني

تقرأ في هذا الكتاب عن المجازر التركية في تلك الفترة 1914 – 1939، في حق كل الاقليات المسيحية من أرمن وآشوريين وسريان ويونان.

وورد في الكتاب “نتجت الهجرتان الارمنية والسريانية والآشورية من سياسة تطهير تركيا الجمهورية من المسيحيين حيث كان هناك 4,5 ملايين مسيحي تقريباً يعيشون في الاناضول الذي لا يتجاوز عدد سكانه العشرة ملايين نسمة يومئذ. وكان مؤتمر ارضروم تموز 1919، نص على تجريد “الفئات المسيحية من الحقوق والامتيازات التي تخل بالسيادة الوطنية والتوازن الاجتماعي”.

نسبة كبيرة من هذه الهجرات انتقلت الى الجزيرة السورية وحلب بصفتهما الأقرب جغرافياً من مناطق التهجير.

مارست قيادة كمال أتاتورك فعلياً سياسة التطهير العرقي والديني و”كان كل ما حدث حتى نهاية 1939 ان عملية التطهير فاقت ما استهدفته السياسة الإتنية القومية التركية نفسها، اذ خلال فترة قصيرة وصل عدد السكان غير المسلمين في تركيا الجمهورية الى لا شيء تقريباً”.

ويعكس المؤلف مصادرة ممتلكات المسيحيين على الأزمة العالمية عام 1939 فيقول: “تمكنت تركيا في ذروة الأزمة العالمية من أن تحقق في الثلاثينيات ارتفاعاً في معدل نموها الحقيقي بنسبة تراوح بين 7 و9 في المئة سنوياً اما الانتاج الصناعي فشهد توسعاً قدره 11,5% سنوياً. ويعود جزء أساسي من مصادر هذا النمو الى المدّخرات التي جرى الحصول عليها من خلال الاستحواذ على ممتلكات المهجرين الذين كانوا يعتبرون الأغنى في تركيا. وبالتالي كانت هناك أمة تغتني بشكل ظالم على حساب شعوب مظلومة وضعت في طريق التهجير القسري أو الاضطراري بفعل سياسات قومية اتنية دمجية تنظر الى المسيحيين والاكراد بصفتهم “آخر” لتركيا الجمهورية القومية الجديدة القائمة على نموذج الدولة – الأمة الغربي”.

المطامع التركية في الجزيرة

بحلول أواخر العشرينيات كانت الجزيرة قد عرّفت فرنسا بوصفها اقليماً زراعياً ونفطياً وغدت مسرحاً لإحدى اكبر واخطر العمليات الاتنية وسياسات الهوية الفرنسية في محاولة تشكيل كيان كلدو-آشوري، كردي بدوي فيها، في الثلاثينيات تحت الانتداب الفرنسي. واختلفت قصة هذا الكيان عن سائر الحركات في جبل الدروز ومحافظة اللاذقية بكونه مشروعاً تغلب عليه خصائص المشروع الانفصالي واحتدام الصراع الوطني السوري – الفرنسي – التركي على مصيره أكثر من حدود المشروع اللامركزي المالي والاداري وتنصيب حاكم محلي في جبل الدروز واللاذقية.

الخلاصة ان الجزيرة كانت عرضة في الثلاثينيات والاربعينيات للمطامع التركية بالنفوذ العسكري فيها، وللمطامع الفرنسية بمحاولة تشكيل كيان إتني مستقل فيها تحت الانتداب الفرنسي ولتساهل السلطات البريطانية في ضم شمال سوريا الى تركيا…

إدارة الرئيس الاميركي هاري ترومان وصفت حملة مشروع توطين الفلسطينيين في الجزيرة بنوع من النشوة العملية والعقائدية، بعدما تخلت عنه اسرائيل، ويفسر هذا المشروع الاميركي جزءاً أساسياً مستوراً من قصة معظم الانقلابات العسكرية السورية الاولى منذ عام 1949 وحتى عام 1954،… قبل ان تدعم الإدارة الاميركية مشروع جونستون لتوطينهم في وادي نهر الاردن وتقاسم مياهه اقليمياً بحيث تنشأ مشاريع ري ضخمة تتيح عملية التوطين. ولكن حكومة إسرائيل رفضت هذا المشروع وعرقلته بسبب سياستها المثابرة للسيطرة على الموارد المائية ومضيها في مشروع تحويل نهر الاردن من طرف واحد، وعدم رغبتها في توطين اللاجئين الفلسطينيين على مقربة منها. وفي حدود عام 1964 كانت اسرائيل قد تمكنت من انجاز مشروعها بتحويل النهر ولم يستطع العرب ان يفعلوا شيئاً.

ما اقرب النهر من البحر فهل الجزيرة بعيدة إذا نظرنا الى واقعها الحالي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى