صفحات الثقافة

“كتارا” توقظ أنصار محاكم التفتيش/ أحمد شوقي علي

 

 

كادت جائزة كتارا أن تخرج بأحداث نمطية لم تفارق البداهة قيد أنملة. فبعض أسماء الفائزين التي سربت إعلاميًا قبل إعلان الجائزة بعشرة أيام، حملت درعها في مواجهة اتهامات “العمالة” التي كان متوقعاً أن تطاول الفائزين المصريين، وقد طاولت فعلاً إبراهيم عبد المجيد وسامح الجباس، ثم خرجت الروائية سلوى بكر لتطالب في تصريح صحافي لها بضرورة قيام “المجلس الأعلى للثقافة في مصر” بالتحقيق مع الـ240 روائياً مصرياً الذين تقدموا للجائزة، لمجرد انها قطرية.

دعوى التحقيق مع الفائزين، كانت لتكون مألوفة لو كان الداعي لها أحمد موسى أو زميله توفيق عكاشة، فهما كانا يطالبان بالتحقيق القضائي مع الكتّاب الـ240 كلهم بل وسحب الجنسية المصرية منهم، وهو أمر، على عبثيته، مفهوم في إطاره. لكن أن تخرج أديبة مرموقة (سلوى بكر) ولها تاريخ طويل ومعلن من النضال، لمحاسبة المبدعين والتفتيش في ضمائرهم بأي صفة كانت، فهو أمر غريب جدًا، بل والأغرب منه أن تطالب تلك الأديبة جهة هي “المجلس الأعلى للثقافة”، الذي ليس لديه أي سلطة حقيقية أو مجازية لمحاكمة أي فرد.

خرج استطلاع الرأي الذي أجراه الموقع الإلكتروني لجريدة “الوطن” المصرية تحت عنوان “مثقفون يطالبون بمحاسبة 240 روائيًا شاركوا فى مسابقة قطرية”، وضم ثلاثة كتّاب فقط، هم يوسف القعيد وفاطمة ناعوت وبكر، مشابهًا لكثير من الآراء التي، تضمنتها استطلاعات رأي أخرى في بوابة “الأهرام” و”اليوم السابع” حول الموضوع نفسه، وإن كان تصريح بكر هو الأغرب بينهم، فهو يتشابه مع موقف آخر لأحد أبرز المسؤولين في وزارة الثقافة المصرية. إذ قام أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب، وهو ترأس وفد مصر التي حلت ضيف شرف على الدورة الأخيرة لمهرجان براغ في التشيك، بمشاركة صورة في صفحته في “فايسبوك” تظهر الروائي إبراهيم عبد المجيد –أحد أعضاء الوفد- قارئاً من روايته “أداجيو” الفائزة بالجائزة القطرية، وعلّق عليها مجاهد قائلاً: “إبراهيم عبد المجيد يقرأ من رواية “أداجيو”، في معرض براغ الدولي للكتاب (مصر ضيف شرف)، قبل أن يذهب ليحصل على جائزة عنها.. بس مش عارف ليه قال لنا إنه رايح باريس مش قطر؟!”.

وبدا التعليق، في ظاهره، كمداعبة أو معاتبة من رئيس هيئة الكتاب، لعبد المجيد، إلا أن رد فعل أحمد مجاهد على تعليق أحد أعضاء الوفد، وهو خالد البلتاجي، المترجم من التشيكية إلى العربية، وكتب فيه: “الحقيقة يا د.أحمد أنا ترجمت المقتطف من الرواية وندمت على ما فعلت بعد اللي عمله وسقط من قائمة الأدباء الذين أثق فيهم كقاريء”، قد يحمل معنى آخر غير ذلك. إذ أبدى مجاهد استحسانه في البداية لذلك التعليق بوضع “أعجبني” عليه، لكنه عاد وألغاه حين جاءت تعليقات بعض رفاقه الآخرين منتقدة للبلتاجي. هذا الرجوع  في قرار “اللايك” قد يكون منطقيًا مع خاصية فايسبوكية باتت عفوية، يضعها الشخص على التعليق قبل قراءته من الأساس -في أغلب الأحيان- كنوع من تقدير المشاركة. إلا أن الموقف المتسرع لرئيس هيئة الكتاب، يعكس إدراكه السريع لماهية وظيفته الحكومية التي يشغلها، وخشيته أن تصبح تلك النقرة البسيطة بمثابة موقف رسمي لهيئة الكتاب من أحد أعضاء الوفد، الذين اختارتهم ليمثلوا مصر في الخارج.

وبالرغم من عدوله عن قرار “لايك” لتعليق البلتاجي، إلا أنه لم يتدخل معلّقاً أو رافضاً ما قاله المترجم المصاحب للوفد، ليترك باب التأويل مفتوحًا أمام الجميع.

وتلخص هذه المشهدية، ردود الأفعال المهاجمة لإبراهيم عبدالمجيد وحده، رغم أنه واحد من فائزين مصريين عديدين. إلا أنه الأشهر والأكثر تكريسًا من سامح الجباس غير المعروف نسبيًا. والهجوم تركز على أنه تقدم ليفوز بجائزة وصفوها بـ”الجائزة السياسية” التي “تريد الإيقاع بالمصريين” بحسب قولهم، ما يفتح الباب أمام مراجعة رد الفعل الأدبي المصري على الأدباء الذين امتدحوا دكتاتوريين عربيين أو نالوا جوائز منهم، من جهة، ومن جهة آخرى مراجعة صفة “السياسية” الملصقة لنتائج جائزة كتارا في دورتها الأولى.

للجوائز جدلها الدائم، قبل كتارا فاز جابر عصفور بجائزة القذافي، وسبقه آخرون بمدح صدام حسين ومعمر القذافي أيضًا. والأخير، أفرد له العديد من الأدباء صفحات لتحليل مجموعته القصصية “الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء”، إلا أن ردود الأفعال التي صاحبت تلك الأحداث لم تكن معلنة بالشكل نفسه الذي يجري الآن ضد “كتارا”، ولعل السبب في ذلك عائد للتوتر(السابق) المعلن بين البلدين، والذي يعطي مساحة كبيرة توحي بالتأييد في الخصومة ضد من “يطبّع” علاقاته مع قطر، ما يوحي بأن الثقافة المصرية والعربية بوجه عام، قد باتت أشبه بثقافة العشيرة أكثر منها ثقافة تنتصر للقيم الإنسانية وترفض الممارسات القمعية والاستعمارية بشكل عام.

أما بالنسبة لحقيقة الغرض السياسي لكتارا، فلا بد أولاً من التسليم بأن أي فعالية ثقافية، سواء أكانت مؤسسية أو فردية، تحمل هدفًا سياسيًا ما، سواء أكان ذلك الهدف مقبولاً أو غير مقبول. أما أن تحمل كتارا هدفًا بعينه لإذلال المثقفين المصريين، كما وصفه بعض المنتقدين للجائزة من المصريين، فهو أمر يحتاج التوقف عنده. فإذا كان هذا غرض الجائزة الخفي، فلماذا منحت جوائزها لكاتبين فقط من مصر، وقد تقدم لها 240 كاتبًا مصرياً من أصل 711 من البلدان العربية الأخرى. فلو كان الأمر بغرض الفضح، لفاز بها أكثر من اثنين، أو كانت منحتها لكتّاب آخرين تقدموا إليها أكثر شهرة من الكاتب المغمور سامح الجباس. ولو كان الأمر بغرض التشفي لأعلنت الجائزة عدد المصريين المشاركين فيها، ثم لم تمنح أياً منهم شيئًا، لكن القائمة الفائزة، ضمت روايتين اثنتين لكل من مصر والمغرب والعراق، وواحدة لكل من الجزائر والسودان والبحرين والأردن. وبالرغم من ذلك، فقطر ليست على خلاف معلن مع المغرب والعراق، وهو ما يحيلنا إلى أن لجنة كتارا راعت التوزيع الجغرافي مثلاً. لكن هذا الاحتمال أيضًا، قد يكون غير صائب تمامًا. فالقائمة، وإن ضمت مصر والعراق والمغرب العربي ودول الخليج (البحرين)، إلا أنها بدت مقصرة في تغطية الشام إذ اختارت الأردن فقط فيما سقط من حساباتها لبنان وسوريا. أما إذا كانت الجائزة في اختيارها لواسيني الأعرج وإبراهيم عبد المجيد وأمير تاج السر، تمثل ترضية لهم عن عدم فوزهم بالبوكر، فكان يجب عليها أن تراعي سوريا التي لم يفز أي كاتب منها على الإطلاق بالجائزة الإماراتية.

من الواضح  أن “كتارا” أرادت، في دورتها الأولى، أن تحقق أهدافها دفعة واحدة. فعاد سعيها بنتيجة قد تكون عكسية. فهي اختارت توقيت منحها في الشهر نفسه الذي أعلنت فيه جائزة البوكر عن اسم الفائز بها. ولأنها تريد التوافق مع الجائزة الأقدم منها من باب ترابط المصالح وأيضًا حتى لا تبدو وكأنها النسخة الأكثر تطورًا من سابقتها، اضطرت لجنتها لإلغاء إعلان القائمة القصيرة بالمرشحين للفوز بها، حتى لا يؤثر ذلك على المتابعين للإعلان عن نتيجة البوكر، واستعاضت عن الأمر بتسريب أسماء الفائزين كنوع من الدعاية، فخرجت نتيجتها لا تحمل أي مفاجأة.

كذلك تعتبر رواية “أداجيو” هي الأحدث بين الروايات الخمس الفائزة في فئة الرواية المخطوطة، وكأن اللجنة طلبت من كتّاب بعينهم التقدم للحصول عليها، بغية تكريس نفسها بين الجوائز الأدبية الشهيرة. ولما لم يكن هناك رواية حديثة لهذا الكاتب أو ذاك فقد شاركوا بالمتاح من أعمالهم قبل إغلاق باب الترشيح، فواسيني الأعرج مثلًا لديه رواية صدرت نهاية العام الماضي وهي “سيرة المنتهى” لكنه شارك برواية أقدم منها هي “مملكة الفراشة”، كذلك أرادت الجائزة أن تبعث رسالات طمأنة للكتّاب من شتى أرجاء العالم العربي. فالكاتبة البحرينية الشابة، منيرة سوار، تقف بين أربعة من الكتّاب الكبار، أصغرهم تعدى عمره الخامسة والخمسين، في حين فازت كاتبة تخطى عمرها الستين في فئة الروايات غير المنشورة في إشارة إلى أن هذه الفئة ليست حكرًا على الشباب، إلا أن إدارة الجائزة لم تصدر أي بيانات رسمية حول الروايات الفائزة وحيثيات فوزها كما يحدث في الجوائز كلها.

لا شك أن عشرة فائزين بالجائزة هو رقم مغر بتحقيق العديد من الأهداف، لكن الجوائز تكسب قيمتها في المستقبل، لكن يبدو أن الجائزة التي ما زالت تقدم نفسها في هذه الأوساط، يصرّ البعض على اختزالها في أنها جائزة سياسية.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى