صفحات العالم

كتّاب رأي من الدرجة الثانية/ ساطع نور الدين

 

 

تشبه وثيقة الدبلوماسيين الاميركيين ال51 حول الحرب في سوريا ،المسربة الى الصحف الاميركية قبل يومين ، براءة ذمة متأخرة من كارثة انسانية واخلاقية وسياسية ، هي الاكبر منذ الحرب العالمية الثانية ، تتحمل ادارة الرئيس الاميركي باراك أوباما مسؤوليتها الرئيسية، ولا تزال ، وهي ستظل تطاردها لأمد طويل.

الوثيقة ، وهي في صياغتها ونشرها تعبر حسب الصحف الاميركية عن تقليد قديم في واشنطن أرسي في حرب فيتنام، تكشف عن انقطاع  الحوار  حول الحرب السورية ، داخل تلك الادارة ، بين مسؤوليها الصغار ، دبلوماسيي الدرجة الثانية في وزارة الخارجية ،وبين صناع القرار الكبار  في البيت الابيض، اي الرئيس اوباما وفريقه الاستشاري القومي ، ذي الانحيازات المعروفة في سوريا.

توحي الوثيقة بأن ثمة جدلا متجدداً في واشنطن.  وهو إيحاء  غير صحيح بالمرة . فالجدل مستمر منذ بدء الازمة السورية،قبل اكثر من خمس سنوات، لكنه محسوم من جانب أوباما ومستشاريه السياسيين والعسكريين المباشرين ، وهو لن يشهد اي تغيير  في الموقف الاميركي في الاشهر الستة الاخيرة من ولايته الرئاسية، وفي الاشهر التسعة الاولى من التدخل العسكري الروسي في سوريا .

لذا يمكن تصنيف الوثيقة بانها نتاج جهد بحثي  اكاديمي ، يتحول فيه الموقعون عليها الى ما يشبه كتاب الرأي في الصحافة ، يحفظون تعدد الاراء وتنوعها داخل مؤسستهم ، اكثر مما يساهمون في انتاج سياسات او برامج عمل، كانت ولا تزال متاحة لاي صانع قرار في واشنطن ، من دون اللجوء الى أساليب الخداع والنفاق الحالي التي تتسم بها السياسة الاميركية الحالية تجاه سوريا.

في الوثيقة إشارة الى ان البراميل المتفجرة هي العبء الانساني الاكبر  والعائق السياسي الاهم   أمام الحل السياسي .  لكن النص لا يدخل في سجال التدخل البري الاميركي المحظور (وغير المطلوب أصلا ) في سوريا ، ولا في نقاش احتمالات الصدام العسكري المباشر مع روسيا ، وهو محرم  وغير مرغوب أيضاً. ثمة دعوة غريبة لتوجيه ضربات عسكرية الى نظام بشار الاسد  من اجل حثه على العودة الى طاولة المفاوضات ، مقابل الضربات التي توجهها روسيا  منذ ايلول سبتمبر الماضي الى معارضيه المعتدلين والمدعومين من واشنطن وحلفائها والمكافحين ضد داعش والنصرة، وآخرها الغارات المفاجئة على الجبهة الجنوبية.

يمكن الظن بأن الوثيقة هي هامش هوامش الحوار الصعب بين واشنطن وموسكو حول سوريا، كتبه دبلوماسيون اميركيون من الصف الثاني هالهم تراجع مكانة بلادهم العالمية امام التوسع الروسي. لكن المؤكد ان الوثيقة ستلقى الكثير من الاحترام و”الاهمال” من قبل كبار المسؤولين الاميركيين ، وستثير المزيد من الاستهزاء والاستخفاف من قبل كبار المسؤولين الروس.. برغم انها في الجوهر خلاف محدود حول استخدام البراميل المتفجرة وجدواها في حسم الازمة في سوريا. وهو ايضا خلاف قديم بين العاصمتين، لم تفلح كلتاهما في اقناع بشار بالتخلي عنه.

الاختلاف بين طبيعة  التدخل الاميركي والتدخل الروسي في سوريا، لم يعد عميقاً ، ولعله لم يكن موجوداً أصلاً. كان هناك قدر من التكامل، ولا يزال. لكن النفاق وحده لا يفسر دأب ادارة اوباما منذ اللحظة الاولى لاشتعال الحرب السورية على القول انها لا تنوي إرسال جنودها الى سوريا ولا توافق على اقامة منطقة أمنة للمدنيين السوريين، لانها لا تود التورط في حرب جديدة في الشرق الاوسط قد تكلف الخزينة الاميركية مئات المليارات من الدولارات ، بينما كان المطلوب منها هو فقط التشويش الالكتروني، من خارج الاجواء السورية ، على الطيران السوري الذي يشن حملات إبادة ضد الابرياء السوريين.

الوثيقة عمل ثقافي يخلو من الابتكار، وهي صفة ملازمة للسياسة الاميركية التي تنبذ أي محاولة متواضعة ، من صغار موظفيها ، لتأنيب الضمير  والتبروء من المسؤولية  عن المذبحة السورية الكبرى.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى