صفحات سوريةفاروق حجّي مصطفى

كردستان العراق ولعب دور توازن القوى في المنطقة

 

فاروق حجي مصطفى

لا يبدو أن وضع الكرد في كردستان العراق أحسن حالا من وضع بقية إخوتهم الكرد في الأجزاء الأخرى، وما نراه اليوم في كردستان من عمران وانقلاب جذري في البيئة الريفية وحدثنة الواقع السكني والعمراني لا يمنعهم من الشعور بالقلق لوضعهم الحالي ومستقبلهم، ولعل السبب في ذلك أن شركاءهم لم يستوعبوا تطلعاتهم بعد، بل يطل (هذا الشريك) بين حين وآخر برأسه يهدد كيانهم، الأمر الذي يوحي بأن الكرد ما زالوا بحاجة إلى وقت حتى يتفهم شركاؤهم شؤون وشجون كردستان ويتفهموا أن كردستان إضافة إلى أنها المؤسسة السياسية تمثل تطلعات شعب ذاق العذاب، فهي مضرب مثل للمقاومة والتحدي، وتاليا تتميز عن العراق (تاريخيا وجغرافيا)، فضلا عن الظروف التاريخية الصعبة التي تجاوزها الكرد بإرادتهم دون اللجوء إلى أي سند أو مطية.

والحق أن الحكومة المركزية (في بغداد) وخاصة جماعة رئيس الوزراء نوري المالكي أخطأت في التصور والتوقعات حول واقع الكرد، وما لا تدركه هذه الحكومة أن ثمة واقعا (اضطهاديا) تجاوزه الكرد بمواردهم الذاتية، وبالتالي لن يقبلوا أي إملاءات أو أي تبعية لطرف دولي أو محلي، وأن قبولهم بأن تكون منطقة كردستان تابعة دستوريا للعراق الجامع هو لأنهم حريصون كل الحرص على النسيج السياسي والاجتماعي عبر التاريخ. وهذا ما يثبت أداءهم السياسي في العملية السياسية، حيث لم نلاحظ أنهم (أي كرد العراق) يريدون مقاربة الوضع العراقي، وأقصد العملية السياسية في العراق بمنطق انتهازي، ولو كانوا كذلك لوافقوا مع صدام حسين إبان المفاوضات معه في بداية تسعينات القرن المنصرم، حينذاك رفض الطرف الكردي المفاوض التوقيع على أي اتفاق، لأن الاتفاق لا يفتح المجال أمام الديمقراطية، ويحرم جزءا كبيرا من المكونات العراقية من المشاركة السياسية. وقتذاك كانوا قد دافعوا عن حزب المالكي وغيرهم (الغالبية الشيعية)، وانطلاقا من هذه الروحية فإن الكرد يقفون بالمرصاد ضد أن يتحول العراق إلى حيز استبدادي؛ طرف يعيش بامتيازات وطرف يتحول شيئا فشيئا إلى عبيد للسلطان الذي تاجه وعرشه في بلد آخر.. بمعنى آخر مثلما وقف الكرد في وجه صدام حسين، وذلك دفاعا عن مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي، فيتحتم عليهم اليوم (أخلاقيا) أن يكونوا في موقع الدفاع عن الديمقراطية، والعدالة السياسية والمجتمعية في العراق، وهذا ما يستنتجه كل زائر لأربيل (هَولير بالكردية)، وكان الرد الجميل لهذه المواقف الكردية هو تشكيل «قيادة عمليات دجلة»، وما أدراك ما هي قيادة «عمليات دجلة»..!

ولا نستغرب أن تشكيل قيادة «عمليات دجلة» ليس فقط موجهة إلى الكرد، إنما هي شكل من أشكال توزيع دوائر الاستبداد، ليس على مستوى كردستان فحسب، إنما على مستوى كل العراق، وهذا ما أصبح جليا عندما أراد المالكي طرح نفسه كحامٍ للقوميين العرب وقيامه بتجييش «العرب» ضد الكرد، وذلك لتوجيه الأنظار إلى قضية الكرد، كما لو أنها خطر على «وحدة العراق»، في حين أن محاولة المالكي لبلورة هذا التوجه تشير بشكل من الأشكال إلى خلق شرخ في البلاد، وانفصال العراق الجامع سياسيا، وهذا ما لا يناسب العراق على الأقل في هذه المرحلة.. حيث العراق أمام استحقاق بناء دولة قوية ومحورية، خصوصا أن موقع العراق الجيوبولتيكي والتاريخي – السياسي الحساس – حيث وجود دولتين عريقتين (إيران وتركيا) على حدود العراق (دولتان لهما تاريخ من الصراع على مناطق النفوذ في المنطقة) – يفرض عليه ويؤهله للعب دور توازن بين القوتين العسكريتين والاقتصاديتين، لا أن يصطف إلى جانب محور ضد الآخر، مما يضع مكوناته (مكونات العراق) أمام محك خطير، ألا وهو إما معي أو ضدي.. في حين يرفض هذا التوجه حتى أقرب طرف من نوري المالكي. وهذا ما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن موقف الكرد أقوى من موقف الحكومة المركزية، لأن موقف الكرد (على الأقل) يستند إلى حجج وطنية جامعة؛ فهم يدافعون عن الشراكة السياسية والعدالة السياسية وقبل كل شيء عن العملية السياسية والديمقراطية.

ثمة من يرى أن ما يجري من خلاف بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم الكردي سببه وجود طرف يريد أن يكون للعراق دور رائد في تعميم نموذج للديمقراطية، باعتباره كان الدولة الأولى في دحر مفاصل الاستبداد والطغيان المتمثل بحكم صدام حسين، وطرف آخر يسعى لجر العراق إلى اصطفافات لا ناقة له ولا جمل فيها، منطلقا من الروح العصبية المقيتة لفئة ما وليست لطائفة، لأن غالبية الأطراف والشرائح الطائفية تنبذ فكرة استعادة مرحلة الاستبداد وتؤمن بسلوكية الشراكة.

بقي القول إن العراق اليوم أمام تحدٍّ حقيقي للديمقراطية، وبعد 10 أعوام من الخروج من مأزق الديكتاتورية لا يريد العراقيون العودة ثانية إلى مرحلة ما قبل حرب 2003، وإن الكرد يشاركون العراقيون في تطلعاتهم الديمقراطية، عبر تمسكهم بمفاصل الديمقراطية والحفاظ على العملية السياسية. وهنا في أربيل ترى غالبية النخبة أن السبيل الوحيدة لتجنيب العراق مأزق العملية السياسية وظهور الاستبداد على سطح العملية السياسية هو العودة إلى الدستور والتمسك به والقيام بتنفيذ بنوده، ولا سيما البند 140، حيث ما زالت شرائح واسعة تدفع ثمن ضريبة تلكؤ الحكومة المركزية في مقاربة وضع مجتمعاتها بروحية المؤسسة، وهذا ما يدفعهم للضغط على القيادة الكردية ليكونوا أوفياء لهم وللدستور، ويكونوا في موقع مسؤولية القسم الذي أقسموه بأن يكونوا أوفياء للعراق الديمقراطي والاتحادي، والسؤال: هل يشارك أحد في الحكومة المركزية تطلعات كرد العراق وبعض الأطراف الغيورة من المجتمعات العراقية؟ ومن كل فئات هذا التوجه؟ هنا مربط الفرس.

* كاتب كردي سوري

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى