صبر درويشصفحات سورية

كزهر اللوز أو أبعد…

      

صبر درويش

تقرير من الزبداني

لثائرات الزبداني، المدينة الواقعة إلى الغرب من العاصمة دمشق، كلمة في الأحداث التي تجري اليوم في سوريا.

فهن وليس غيرهن، من خرج إلى الشارع صارخاً في وجه الخوف، وحنجرته تنده: “يا حمص.. حنا معاكي للموت..”

فجأةً بات كلّ مكونٍ من مكونات المجتمع السوري، معني بفعل التغيير الجاري العمل عليه، ولنساء سوريا ما لرجالها من دور في فعل التغيير هذا. وهو شيء يثير الدهشة في مجتمع حكم بقبضة أمنية على مدار ما يقرب من نصف قرن.

تقول إحدى الناشطات: عندما خرجنا في أول مظاهرة لنا، انتابنا شعور غريب، شيء ما مختلف حدث لنا، إنها حياة جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة.

أصبحت مشاركة النساء في مظاهرات الزبداني أمر معتاد، حتى أنهن نظموا اعتصاماً كبيراً للمطالبة بالمعتقلين وهو الشيء الذي أفضى إلى الافراج عن أغلبهم فيما بعد.

تقول أم سالم إحدى أبرز ناشطات الزبداني: عندما قررنا الخروج في مظاهرة للمطالبة بالمعتقلين، كانت تقطن إلى جانبنا عائلة ليست من الزبداني، فلم يكن لديهم من يطالب بمعتقليهم، فخرجت في المظاهرة نيابةً عنهم للمطالبة بمعتقليهم، حتى أنني –تتابع- قمت بكتابة اللافتات التي عليها أسماء معتقليهم في بيتي، وهو شيء كان بالنسبة لي أمر طبيعي، فكل الثوار هم أبناؤنا.

تروي لنا أم سالم: أنه في هذا الاعتصام بالتحديد، أصرت الناشطات على الوقوف في المقدمة، ودار جدال مع الشباب المتحمس، والكل يتنافس على الوقوف في المقدمة، إلا أن قرار ناشطات الزبداني كان حاسماً: نحن في المقدمة، ولن نسمح بأن يمس الأمن أحد من أبنائنا.

قدمت ثائرات الزبداني عدداً من المعتقلات، وفي إحدى المرات قامت قوات الأمن باعتقال ثلاثة من نساء الزبداني، فانتفضت على إثر ذلك المدينة بأكملها، وكانت رسالة واضحى لعناصر الأمن: نساؤنا خط أحمر!.

ولا تكتفي ثائرات الزبداني في المشاركة في مظاهرات شبه يومية، بل إن الثورة كشفت جوانب كثيرة كانت مخبأة في أعماقهن، كما تقول إحدى الناشطات. فلا تقتصر مشاركتهن فقط على المظاهرات، بل يقمن بالتحضير لهذه المظاهرات من كتابة اللافتات، وحياكة الأعلام، وغيرها من مستلزمات المظاهرات. كما أن الثورة جعلت منهن صحفيات كما تؤكد ذلك جريدتهن “اوكسجين” التي تصدر كل خمسة عشر يوماً، وممرضات يساهمن في إسعاف الجرحى والمصابين، وإعلاميات بالمعنى الواسع للكلمة. ومغنيات للثورة تقول إحدى الناشطات ضاحكةً.

بالمختصر شاركت ثائرات الزبداني في كل أشكال النشاط الثوري للثورة بما في ذلك المساعدات والإعانات المقدمة للنازحين وأسر المعتقلين وغيرهم ممن يحتاج للمساعدة.

وأما الملفت للانتباه في كل ما يجري، هو الإصرار الذي سيقع عليه المراقب، لدى الناشطات من أهالي المدينة, تقول إحداهن: اعتقلوا ابني في البداية، بداية الثورة، ثم ما لبثوا أن اعتقلوا أولادي الثلاثة دفعةً واحدة. وفي النهاية خرجوا جميعاً وعادوا إلى التظاهر كما في السابق.

لا تقتصر الثورة السورية اليوم على إسقاط النظام الحاكم، بل تجاوزتها إلى إعادة هيكلة المجتمع بأكمله، ففعل التغيير هو فعل هدم لمرحلة هي الأسوأ في تاريخ سوريا، وإعادة بناء مجتمع وعلاقات اجتماعية جديدة يصح بأن نسميها فاتحة الدخول في عصر الحداثة، حيث لكل خلية في المجتمع دور في فعل التغيير والبناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى