أسامة محمدصفحات مميزة

كـأس «العالـم القـادم».. سـورية


اسامة محمد

قد لا تصدقونني.. أنتم أحرار.. أرجو ذلك.. كما أرجوه لنفسي.

قد لا تصدقونني أنّ سوريا القادمة ستحصل على كأس «العالم القادم» بكرة القادم.

تسألون كيف؟

تقولون هذا تَعَصُّب! لا والله ليس تعصباً.. أو أنّهُ على الأقل تعصبٌ عِلميّ.

وليغدو عِلمي عِلْمَكُم.. ريثما نتفق على العَلَمْ.

أنا الذي سأسأل.. إي وشو ناقصنا؟

الحالة البدنية؟ الحالة الروحية النفسية؟ الحالة الذهنية؟ الحالة التقنية الفنيّة؟ والروح المعنوية؟.

كل هذه الأسئلة مردوده.. ولأُفَنِدَنَّها وأجْلوَنَّها بَيِّنَةً واضحةً وضوح الحقّ لأهل الحقّ واحدةً واحدة باختصار يفرضه الآنْ. وضيقُ الوقت الضروري للتحضيرات الجارية على قدمين وساقين قاومتا «دولاب» الأمن طلباً لـ«دولاب الهوى».

هل تعلمون أية خبرة تكتنزها أقدام السوريين. أية مخيلة؟

الحالة البدنية:

الجاهزية البدنية تَحَمُّلٌ وسرعةٌ ومرونه.

يعني أن تلعب ساعة ونصف ساعة بنفس الطاقة والتركيز.. ناهيك عن الشوطين المضافين في الأدوار النهائية.. وأن تتنفس بعد كل هذا وتسدد ضربة الجزاء.

لا بد أنكم تتذكرون « التحملّ والسرعة « عند ألمان «رومينيغه» وجاهزيتهم الذهنية ما جعلهم في دقائق معدودات يقلبون خسارتهم أمام منتخب بلاتيني من 1/3 إلى 3/3 ويربحون بركلات الجزاء.

الجاهزية الذهنيّة لا تتوفر بسهولة تحت وطأة التراجع البدني.

والجاهزية الذهنيّة تُقيمُ العدلَ بين واحداتِ الزمن فلا تعتبر الدقائق الخمس الأولى «كِخّاً» والأخيرة خلص «خِلصِتْ» وهذه الـ«خلصت» اختصاصٌ واجَهَهُ السوريون وتخصصوا بالخلاص منه.

تقوم تدريبات التحمّل تقليدياً على كسر حاجز التَحَمُّل .. ويعني أن تركض نصف ساعة إضافية بعد الشعور بالتعب ومن ثم تفتح خطواتك في الربع ساعة التالية وتنهيها ركضاً سريعاً صعوداً. ثمّ … لا تلهث.

هنا يبدأ التفوق السوري … فمن الصعب أن تجد شعباً ركض ما ركضناه.

من ومنذ درعا حتى صباح اليوم الجمعة.

أربعة أشهر وعام من الركض .. من اختراع مفهوم خارقٍ للتحمل …كلما تعبت منه وبه تركض أكثر وكلما «متَّ» «تحيا».

كلنا نعرف التعبير الشائع «متُّ من التعب» هذا الذي لم يحصل في سوريا اليوم.

يمكن القول إنّ المتظاهر السوري «ماتّ من الموت أو من الرصاص أو القناص وليس من التعب».

من يستطيع منازلتنا في مسألة التَحَمُّل؟ لا أحد.

باختصار لا أحد ولا اثنين ولا الثلاثاء «ميعاد حبيبي» ..فما بالك بيوم الجمعة و«الخلايق مجتمعه»؟!

وإذا كانت الدول المنافسة تطور برامج علمية للتحمل بدءاً مما اصطلح على تسميته باختراق الضاحية .. المترجم عملياً إلى ما بين الـ5 كيلومترات وصولاً إلى 10 أو 16 تبعاً لساديّة المدرب.

بعد كل هذا.. واحتراماً لمفهوم علمي اسمه «الاسترجاع استعادة القوة المبذولة» يذهب اللاعبون للنوم.

منتخبنا لا ينام .. والأرقام تثبت أنه ركض ما متوسطه 14 شهراً نهاراً. بالإضافة إلى القسم الليلي.. والليل كما شاهدتم ركض وقفز في المكان وتموّجٌ وغناء جماعي سواء أكان «سكابا على شهداء سوريا وشبابا» أو «جنّه جنّه جنّه» والعارف في أمر الفوطبول يعرف أن الرقص والقفز والغناء جَمَاعةً يُطور الهارموني والتخاطر اللحني بين الأفراد.. فـ«مينوتي» الأرجنتيني الشهير الفائز بكأس العالم العام (1978) ومكتشف مارادونا .. وزَّع رواياتٍ أدبيةً موحدّة ليقرأها اللاعبون وزجهم في عتمة صالات السينما ليحضروا نفس الفيلم معاً .. لرفع مستوى التخاطر والانسجام المزاجي والذهني.

على كلٍ نحن المنتخب الوحيد الذي يستطيع اللعب ليلاً مع انقطاع الكهرباء.

لعنها الله حين تكهرب الأجساد وتُظْلِم البلاد.

السرعة:

في مقام السرعة «السبرينت» نتذكر رومينيغه.. رونالدو الأول ورونالدو الثاني وميسي ومارادونا وهنري وبيلانوف.. ومجزرة الصنمين.

هل تتذكرون مجزرة الصنمين؟

هل تتذكرون السرعة الهائلة لفتيان وشباب وشيب يسابقون الرصاص. نحو عدسة الموبايل الثابت والمنخفض.

أنا لا أنساها… ومنذ رأيتها وأنا أتعجب.. لم أكن أتخيل سوريين بهذه السرعة.

اشتهيت أن يرى المعري نبوءته. وفاء مواطنيه لشعرهِ هنا في الصنمين وهنا في المعرة.

«طِرْ إن اسطعت في الهواء… رويداً «.. كانوا يطيرون.. والموت كان رويداً…

في تدريبات السرعة التقليدية… كان مدربنا يُهرولنا ثم يُصفِّق فننطلق 15 متراً سرعة قصوى.. يصفق فنهرول من جديد.

شعب يسابق الموت:

أول ثلاثة مدربين في حياتي.. كانوا بلا صافرة. كانت الصافرة حكراً على الحكم.

يصفق فنتدرب على سرعة الانطلاقه وسرعة الاستجابه «الريفلكس» وسرعة تغيير الاتجاه. يصفق فنغير اتجاه الركض من الأمام لليمين أو يصفق فتستدير وتسرع في الاتجاه المعاكس.

ثم يصفق فتستدير.. كل هذا التصفيق لم يوصلنا كأس العالم.

الصافرة اليوم متوافره… صافرة القذيفة والصاروخ. والرصاصة.. الرصاصة صافرة القناص.

هل تتخيل معي ردة الفعل؟ السرعة؟ هل تتخيل شعباً بين قوسين يسابق الموت؟

نحن أول شعب يغير من بدهية «لا تسرع… الموت أسرع»

وبغض النظر عن أهمية هذه الحكمة في الحوار والسياسة وقبول الآخر. والمسألة الطائفيّة.

فالسوريون وفق الأرقام والإحصاءات العلمية سبقوا الموت.

السوريون الذين تمكنوا من سبق الموت أكثريه حتى اللحظة.

شبابنا جاهزون.

من يستطيع مجاراتهم في التحمل والسرعة وردّة الفعل؟ لا أحد.

هكذا يتضّح أننا سنتخطى مرحلة المجموعات ونصعد للدور الثاني (الـ16).

السرعة في كرة القدم لا تكفي .. فالركض هنا ليس مستقيماً.. ليس ركضاً للركض

ولا سرعة من أجل السرعة.. هنا ثمة منعطفات وتغيير اتجاه حادّ الزاوية والزمن. أنظر الرسم التوضيحي لـ«ميسي».

والله إني لأرى ألف ميسي في شوارعنا المقدسة.

هل تعرف ما هو الدريبل؟ يسمونه بالعامية الترقيص. أن ترَّقص الخصم.. تأخذه يميناً وتذهب يساراً فيذهب يساراً فتصبح يميناً ثم تتقدم أو تمرر.

الجمهور يحب هذه اللحظة.. ويحب التبييض.. أو تمرير الكرة من بين قدمي الخصم.. إشارةً إلى سحقه نفسياً وسحق جمهوره..؟

ثمة عداؤون أسرع من ميسي ولم يفلحوا في الملاعب… لبطءٍ في المخيلة.

ليس الدريبل صدفة ولا سرعة ولا مرونة ولا عضلات. الدريبل هو فارق سرعة المخيلة بين الـ ميسي والـ لا ميسي.

أخي ميسي.

أي «دريبل» يمكن مقارنته بدريبل الموت! تمرير الحياة من بين قدمي الموت؟!!.

أي تحمل وسرعة وتركيز وروح معنوية وإعداد نفسي.. أكثر من هذا الذي ترى هنا في شوارعنا الخضراء.

هل من شكٍ أننا سنتخطى ربع النهائي؟ بالطبع لا.

هل أحدثك عن الكره الشاملة… التي أنقذت السوريين .. عن تبادل المراكز بين المدن والأحياء.. والأموات أيضاً.. «نحنا معاكي للموت» .. نحن الكرة الشاملة.

وماذا ينقصنا لنصف النهائي؟

الطاقم الطبيّ؟ هه.. نحن من نجري بلا ليزر عملية استئصال رصاصة على ضوء ابتسامه.

وتسألونني عن النهائي.

لا تسأل من سبق ولعب كرة القدم عنها فهو وبلا ريب قادر على كتابة ألف ليلة وليلة بليلة واحده. وسوف لن تصادف أحداً منّا فوق سن الخمسين يتعفف عن الكذب.

أجمل لحظات عمري كانت التسديده التي ارتطمت بالعارضة وارتدت لترتطم بعارضة مرمانا على بعد 100 متر ثم عادت راضيةً مرضيّة .. ولم تعد.

من مِنّا لم يحرز كأس العالم فليرمني بحجر.

كل ما تبقى هو المباراة النهائية.

ونتيجتها بدهية ومضمونه ولا تستحق صفّ المزيد من الكلام.

وإذا كنت لم تقتنع بدراستي العلميّة أعلاه .. فمن الواضح أنك شبيّح.. وأنك أنت أيضاً ركضت وطاردت وقاتلت وقتلت واعتقلت المتظاهرين 14 شهراً. بس ليش؟ «حرام عليك».

يبدو أننا سنتواجه في نهائي «العالم القادم».

سوريا ستربح.

وقبل رفع كأس «العالم القادم» سنقف دقيقة صمت على أرواح الشهداء:

أحمد نضال ملندي «24 عاماً ـ محافظة إدلب» بطل سوريا في الشطرنج ـ بعد تعرض منزله للقصف من قوات النظام . وحسام راتب الشعار.. مدرب مدارس الكره في الوثبة الحمصي الذي استشهد قنصاً وهو يوزع الخبز.

وشهداء نادي الكرامة وفق «غوغل»: رئيس فرع الحزب الأسبق بحمص، ورئيس النادي الأسبق المهندس «غازي زغيب» الذي استشهد وعائلته في بابا عمرو. ولاعب الكرامة «أحمد سويدان» الذي استشهد في القصف العشوائي على حي القرابيص، ولاعب منتخب الناشئين ونادي الكرامة «عبد الرحمن صبّوح» ..أحد شهداء المجازر التي تلت اقتحام حي بابا عمرو. والشهيدان «طارق الأسود» و«أنس الطرشة» بعد سقوط قذيفة على سيارتهما في شارع الكورنيش.

«طارق» و«أنس» كانا زينةَ مُشجعي حمص – الكرامة .. ومنشدي علم الجمال الكروي ..على مقام:

«ما بَدْنَا الدَوري وما بَدْنا الكاسْ…. بَدْنا لعّيبِه بتْعَبِيْ الراسْ»

(سينمائي سوري)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى