صفحات الثقافةماهر الجنيدي

كفن من أجل دودة وحيدة جداً/ ماهر الجنيدي

 

 

قال يوماً إنه يقرف بلده، يتقزّز من عائلته، ويشمئز من أولئك الأغبياء الذين ينجبون أولاداً من دون تأمين حياة لائقة بهم. فما ضير الحياة من دون أبناء، إن كانوا يعيشون هذا القيح الذي يسمّونه وطناً، ومع هؤلاء النمل الذين يسمّونهم أبناء البلد؟..

قال يوماً إنه أممي. مواطن عالمي. ترك البلد إلى بلاد لا يحبّها. وتنقّل بين قارات يشمئزّ من فصولها، وجال في مدن يكره مواسمها، واعتصرت قيئه أزقّتها وصباياها وشبابها الذي يتسكعون على أرصفتها. ذوّبته حرارة شموسها، أمرضته نسائمها، أصابته بالدوار حدائقها، ومنازل القمر في سماءاتها.

من بلده، بالمراسلة، استقدم إلى البلاد التي لا يحبّها زوجةً يمقتها، وأنجب منها طفلاً يبغضه، وصار لديه عائلة لا تحبّه. رتّب هجرة جماعية إلى الثلوج، فتركوه يذهب كدودة وحيدة.

هناك… في زاوية الكون، أقام على هامش الوجود، تخلّى عما تبقى في ذاته من إنسان.

حين جاء الربيع إلى الشام رأى أن السوريين ما زالوا قملاً ينبغي للعمامات السوداء أن تلعنهم، ونملاً يستحقون السحق بالبسطار الإيراني.

هناك في زاوية الكون، في زاوية الوجود، تقول الحكاية إنّ دودة وحيدة، وحيدة جداً، صارت غصن يباس في شجرة زقّوم ميتة.

دعوني يا أصدقائي أكفّن بعض ذكرياتي، وأعلن الحداد على ظنوني بأنه كان يوماً صديقاً!

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى