بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

كلام عن القرية السورية والمؤامرة


بدرالدين حسن قربي

نشرت جريدة الدستور الأردنية والقدس العربي اللندنية 15 كانون الثاني /يناير 2012 مقالاً عن القرية السورية للشاعر العراقي المعروف ســعدي يوســـف، مفاده حسبما حدثته سيدةٌ لاتعرفه، التقاها في مقهى أوروبي عن إنشاء قرية سورية في أحد الدول الأوروبية هدفها تدريب جنود متوحشين متعطشين للدم على كل ماهو سوري تمهيداً لغزو سوريا وهدم قراها على رؤوس أهلها الآمنين. وحديثها حسب قوله أعاد إلى ذاكرته المتعَبة ماكان من القرية العراقية التي أقيمت في أكثر من مكان أوروبي قبل احتلال العراق. وعليه، وإن كان الكلام كلام قهاوي، ولكن يمتنع ذلك لمكانة كاتبه، بل ويستوجب التعقيب.

أراد شاعرنا أن يأخذنا بطريقة المآلات إلى اعتبار ثورة الياسمين على أرض البطولات السورية، مؤامرة خارجية يراد منها أن يصار بسوريا كما كان في العراق. ولئن كنّا نعتقد أن المؤامرات على بلادنا لم ولن تتوقف، وهي ليست جديدة بل ممتدة في الزمان والمكان من قبل ومن بعد، ولئن كنّا أيضاً لاننفي خبر القرية العراقية أو السورية ولانثبته، ولكن المؤكد أن من دخلوا العراق على صهوة الدبابة الأمريكية معروفون جميعاً أفراداً وجماعاتٍ وكتلاً وأحزاباً وأطرافاً، وكان مَقْدمهم من مدائنَ مقاومِةٍ وممانِعةٍ معروفة، مدنٍ تَمُورُ رفضاً لكل ماهو أمريكي وصهيوني، وليس من قرية أوروبية شرقية أو غربية.

إشارة شاعرنا الكبير إلى ماعاد إلى ذاكرته عن القرية العراقية الأوروبية، أعادت إلى ذاكرتنا أيضاً الخصومة التاريخية والعلنية للنظام السوري لنظيره نظام بعث العراق لعشرات من السنين حتى يوم سقوطه بالطريقة المعروفة، والتي ترافقت بمناقبه ومآثره المشهودة في وقوفه في صف الجانب الإيراني، بحيث جعل النظامُ السوري وكذلك حليفُه الإيراني من بلده قريةً لامثيل لها في العالم كمكان إقامةٍ وتدريب، وحركةٍ وتدبير، وتخطيطٍ للمعارضين العراقيين حتى تمكنوا بالمساعدة الأمريكية والبريطانية العلنية، والتدخل العسكري المباشر أيضاً من العودة إلى العراق راكبين دبابة الأمريكي وداخلين بمعية المحتل.

وعليه، فهل كانت مشكلة العراق ونظامه في القرية العراقية الأوروبية التي أشار إليها الشاعر أم في الدولة السورية ونظامها، أم أن مصيبة العراقيين والسوريين هي مع مستبدهم وقامعهم وقاتلهم وسارقهم العراقي والسوري الذي أوصلنا معه إلى وضع كارثي معرفي أخلاقي سياسي اقتصادي اجتماعي وتنموي بعد عقود من ديكتاتوريات مستبدة فاسدة ومفسدة، أهلكت الحرث والنسل وعطّلت حراك المجتمع وجففت فيه سـحر الحياة وبهجتها وأماتت فيه الأمل!!؟

ومن ثم، فإننا نتساءل مع أصحاب القرية العراقية السابقة والسورية الحالية اللاحقة: هل مثل هذه القرى هي التي جعلت من نظامنا قامعاً فاشياً وقاتلاً متوحشاً، يتطهر بالمقاومة من كل آثامه وذنوبه قبل أن يأوي إلى نومه، أو جعلت منه لصاً نهّاباً على رؤوس الأشهاد ثم يغتسل بالممانعة فيرجع كل صباح تقياً نقياً كيوم ولدته أمّه. هل هذه القرية السورية التي أشارت إليها سيدة كريمة في مقهى، هي التي تآمرت واقنعت رجل أمن اسمه عاطف نجيب، كل إمكاناته أنه عُتلّ شاذ،ّ ومريض زنيم، ولص مجرم، وكل مؤهلاته أنه ابن خالة رئيس النظام، ليصبح أحد أبطال ثورة الياسيمن السورية، يوم لم يثنه عن التوحش في تعذيب باقة من ورود أطفال درعا قطرة من رحمة أو لَحْسة من إنسانية، فصب عليهم سوط عذاب…!!؟

إن نظاماً قامعاً متوحشاً يرتكب أفظع الجرائم بمواطنه المقهور، وعامله البئيس، وموظفه التعيس، ومثقفه المضطهد وشعبه الجائع والممتهن، ثم يثور بركان جماهيره على السادة والكبراء بعد طول صبرٍ ومعاناة لعشرات السنين، لسنا بحاجة لنجوب شرق الأرض وغربها ولاشمال أوروبا لنقول عن قرية ومؤامرة في تفسير هذا الكم من الغضب الساطع لشعب مسحوق يدعو ربه أن ينام ثم يستيقظ فلا يرى منهم أحداً، ويتمنى لهم صاعقة تأخذهم أخذة واحدةً ولا تبقي منهم أحداً. لأنه لو اجتمعت قرى الأرض تخطيطاً وترتيباً، لما استطاعت أن تحدث دماراً وخراباً في بنية المجتمع ومنظومة قيمه كما فعل ويفعل السفهاء والمعوَّقون من أبناء جلدتنا وبني قومنا ممن أعمى الله بصرهم وبصيرتهم وعقولهم ممن تولوا أمرنا بقوة بسطارهم وسلاحهم.

من يصدّق اليوم أن سوريا بعد عشرات السنين من حكم شمولي فاشي لحزب واحد وعائلة واحدة، الحرية فيها مسلوبة، والكرامة فيها مغتصبة تتهددها جوائح الفقر والمصير المجهول..!! من يصدّق أن نصف قرن من حكم متوحش قتل فيه الوالد وما ولد أكثر من خمسين ألفاً من مواطنيه، واعتقل مئات الألوف منهم، وشرد أضعافهم طوعاً وكرها..!! من يصدق أن عشرات من السنين لم تكن كافية لهم للإصلاح، وحتى إذا قامت قيامة المستضعفين الأحرار وخرج ماردهم لايلوي على شيء يتحدى اللصوص والسفهاء والعاهات من الهبّاشين والشبيحة والمجرمين، خرجوا بلا ذرة من حياء ولاضميرومعهم شبيحتهم من العمائم واللحى يطلبون التمديد لهم للإصلاح، ولكن أنّى لهم وقد اقتربت ساعتهم، وأفضوا إلى ماقدموا من إجرام، وفاتهم القطاااار.!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى