سمير العيطةصفحات مميزة

كلّ طائفيّ عدوّ لسوريا!/ سمير العيطة

لا يُمكن لثورة أن تكون طائفيّة. والثورة تفقد هويّتها الثورية عندما تتبنّى أطروحات تتحدّث عن أكثريّة وأقليّة، أو أقليّات. والمثقفون الذين يقدّمون نظريّات وتحليلات تقول بالطائفيّة السياسيّة ليسوا أبداً، ولا يمكن اعتبارهم، مثقّفين ثوريين. الثورة تطرح بالضرورة مشروعاً وقيماً لجميع المواطنين وليس لفئة منهم، ومن دون مساومة على تحقيق الهدف الأسمى للمساواة التامّة في المواطنة.

السلطة المستبدّة يمكنها أن تكون طائفيّة، وأن تستخدم أدوات تسلّط واستزلام تقوم على عصبيّات طائفيّة ودون الوطنية، مهما ادّعى خطابها الإعلامي الوطنيّة.

أمّا الثورة السوريّة فقد جرى حرفها عن أهدافها، ضمنيّاً في البداية، من خلال تداول ألفاظ وتعابير وشعارات واختيار أسماء أيّام الجمع بحيث أبقت في مضمونها على التباسات تحتوي على مساومات سياسيّة وعلى إرادة التناغم مع أطراف أصرّت على التمسّك بمقولة أنّ الحريّة والديموقراطيّة هي ليست حكم الأغلبيّة فحسب، ولكن أيضاً، وأساساً، فرض الأغلبيّة لقواعد العقد الاجتماعي على الأقليّة.

كان الوقوف في وجه مثل ذلك الانحراف صعباً. إذ أنّ السلطة القائمة دفعت إليه منذ اليوم الأوّل، كي لا تكون الثورة ثورة حقّاً، ولأنّ المساواة في المواطنة تعني واقعياً نهاية نمط استبداديّ سائد. ولعبت الدول التي ادّعت دعمها للثورة اللعبة نفسها حيث روّجت في وسائل إعلامها ما يذهب إلى هذا المنحى، وأنّ الثورة هي انتفاضة الأغلبيّة المضطهدة من قبل أقليّة.

واستمرّ الانحراف وتوّضح أكثر فأكثر عندما انقلبت الثورة إلى حرب. واشتدّ الاصطفاف، وباتت النعوت الطائفيّة أكثر صراحةً وشراسة.

وتكرّس في إعلام السلطة، كما في إعلام أطياف من المعارضة، خطابٌ يقوم على الإحساس بالظلم (المظلوميّة). وهذا في أساسه خطاب له خلفية طائفيةّ، بمعنى «أنّنا نقاتل الآخر لأنّ الآخر يريد إقصاءنا». والأنكى، ولإثبات أنّ الطائفيّة لا علاقة لها بالدين والتديّن، انخرط مثقفون كبار، موالون ومعارضون على السواء، مشهودٌ لهم بالعلمانيّة، في هذا النوع من الخطاب معيدين تفسير التاريخ والأحداث الحاليّة على أسس وقراءات «تظلّمية» وطائفيّة.

هنا أيضاً كان الوقوف في وجه الانحراف بعيداً عن قيم سوريا كما عن قيم الثورة صعباً. فكيف تصمد في وجه القصف والقتل والاعتقال من دون عقد حلفٍ مع الشيطان. والشيطان هنا هو تلك التنظيّمات المتطرّفة التي استقدَمَت، كما فعلت السلطة، مقاتلين لمؤازرتها وللدفاع عن طائفة مفترضة وإرثٍ وهميّ، لا علاقة لهما بموروثات سوريا الدينيّة والاجتماعيّة.

إن سوريا لا يُمكن أن تقوم على أسسٍ طائفيّة، والسوريّون ليسوا طائفيين ولو انتموا إلى مذاهبٍ وأديان، والحلف مع الشيطان لا يُمكن أن يؤدّي إلاّ إلى الخراب. وإذن كلّ طائفيّ عدوّ لسوريا.

وسوريا كفكرة وهويّة هي البلد الذي تبقّى من خلافة أمويّة كان أغلب سكّانها لا يدينون بالإسلام لكنها صنعت حضارة تاريخيّة. وهي التي تحمل ما بقي من إرث الإسلام القديم وإرث كنائس الشرق ومن بلاد الشام التي لا يُمكن نعت أغلبيّة سكّانها بالطائفة. وهي البلد الملجأ والسند، في التاريخ واليوم وغداً، لأبناء جبل عامل، كما لأبناء القدس المهاجرين، وللأرمن والشركس والآشوريين والتركمان والكرد وغيرهم.

كلّ طائفيّ عدوّ لسوريا مهما كان موقعه، في السلطة أو في المعارضة… وعقدها الاجتماعي لن يتأسّس على تحالفٍ مع الشيطان.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى