صفحات سورية

كل أملاك النظام الأسدي لاتعوض حماه


مصطفى السراج

ظن الكثيرون أن النظام الأسدي لن يمارس في حماه مافعله في بعض المدن والقرى السوريه الاخرى لعلمهم أن مدينة حماه في عام 1982  قد تكبدت من الضحايا الأبرياء مالايقبل زيادة لمستزيد، وأي زيادة بها ستجر البلاد نحو حرب أهلية مدمره. وكنت أظن أنه لم يعد لهذا النظام أي كذبة يدعيها على هذه المدينه تبرر جرائم جديده. وأن الجميع سيقف حائلاً بينه وبين الاجرام في حماه منعاً من غرق الوطن كله في طوفان الاقتتال.

ان جريمة عام 1982 في حماه لم تقتصر على قتل عشرات الالاف من الابرياء بل استمر النظام الأسدي في الملاحقة والاعتقال والتشريد والمنع من السفر والمنع من العوده والحرمان من الحقوق المدنيه لابناء مدينة حماه بلا ذنب ولامحاكمة. واستمر النظام الأسدي على هذا النهج استبعاداً واضطهاداً لابناء مدينة حماه حتى بعد وراثة الابن لأبيه. ولم يكتف النظام الأسدي بايقاع كل هذه المآسي بل جعل أبواقه تروج الى أن أهل هذه المدينة ارهابيين متعصبين تزويراً للتاريخ والحقيقه، حتى انطلى ذلك على بعض فئات المعارضه السورية نفسها. مع أن حماه هي المحافظه الأكثر نشاطاً سياسياً في العهود الديموقراطيه، وهي المحافظه الوحيده التي صوتت بأغلبيتها للقائمه التقدميه في آخر انتخابات حره ديموقراطيه حسب الاصول الدوليه قبيل انقلاب 8 آذار عام 1963 وللعلم بعد هذا الانقلاب لم تجر أي انتخابات حره حقيقيه في سوريا حتى يومنا هذا. وبذلك النشاط السياسي المميز في محافظة حماه نجحت القائمه التقدميه بكاملها لم يسقط منها أحد خلافاً لكل محافظات القطر في تلك الانتخابات.

 واستمر النظام في استبعاد وحرمان أهل مدينة حماه من كل منصب فعال سياسياً كان أو اقتصادياً، عسكرياً كان أم أمنياً، تعليمياً أو فنياً، حتى وظائف ادارات الدوله داخل مدينة حماه جعلها محرمةً على أهلها. ونتيجة استطالة مدة الاستبداد والفساد في سوريا، أضحت كل مدينة أو قريه تحتاج الى وجود بعض المسؤولين  في الحكم لتأمين حاجات مواطنيهم من الادارات الحكوميه، لأن كل طلب فردي أو مجتمعي يحتاج الى (واسطه) لتأمينه وحماة محرومة من ذلك، وأهل حماه لايجدون جهة محلية او دولية يلجأون اليها، حتى الشكوى من وقع الظلم معاقب عليه من المخابرات بأسمائها المتعدده وأرقام فروعها المئويه. مرت عشرات السنين عجافاً على حماه، وعوضاً عن اعطائها مساحة ولو ضئيله من الانفراج بعد طول الاستبداد والفساد والاستعباد والاضطهاد، يضيف النظام الأسدي خلال الاسابيع القريبة الماضيه الى ماسبق كله قتلاً واعتقالاً وقمعاً واتهاماً لابناء حماه. وفي المظاهرات السلمية ظهر في حماه بلبل للثوره شاب موهوب اسمه  ابراهيم قاشوش  يغرد بأهازيج تدل على موهبة في سرعة التأليف الشعري والضبط الموسيقي والأداء الرائع الذي حرك مشاعر المتظاهرين. وبقاء مثل هذه الموهبة الكامنه في الشعر والموسيقى والغناء بعيدةً عن الاضواء دليلٌ على ماسبق ذكره من استبعاد أهل هذه المدينه من كل رعاية. وبدل أن يستدرك النظام الأسدي هذا الجرم السياسي ويتوقف عن اضطهاد هذه المدينه، نجده قد عقب على ذلك بجرم جنائي أسفر عن قتل ابراهيم قاشوش، ولم يكتف بذبحه بل قطع له حنجرته التي صدح بها أمام الجموع    سوريا …بدها …حريه    سوريا.. بدها.. حريه..

لم يكتف النظام بكل ذلك بل وصف المظاهرات السلميه زوراً بالجماعات المسلحه، ثم استغل زيارة سفير الولايات المتحده لحماه ليشوه سمعة ابنائها، ولمن يجهل تاريخ حماه أذكر بانها حظيت بالشرف الاكبر في مقاومة الاستعمار الفرنسي من قبل أن يولد حافظ الأسد. واستمر ابناء حماه في تضحيتهم وفدائهم مع الشرفاء من ابناء سوريا حتى الوصول للاستقلال. وبعد ذلك كان لحماه النصيب الأوفر في نشاط الشعب السوري (بصحافته ومظاهرات ابنائه) في اسقاط حلف بغداد ومشروع ايزنهاور، ومساعدة شعب مصر على صد العدوان الثلاثي بقطع خط النفط الذي يغذي دول العدوان وذلك من قبل أن يولد بشار الأسد. أبناء هذه المدينه كان لهم النسبة الأعلى بين كافة المدن والقرى في جيش انقاذ فلسطين عام 1948 ثم في كافة المنظمات الفدائيه بعد ذلك. حماه كانت ومازالت لها الشرف الاسمى نضالاً في كل معارك الوطن ضد أعدائه. لقد دفع ابناء حماه واجبهم النضالي عن الاجيال السابقه والحاليه والمستقبليه سلفاً. المؤلم أن يتهم (من يدعي الممانعه بالاعلام فقط) أهل حماه أصحاب الممانعه الحقيقيه بالخيانه. أبناء مدينة حماه لم يطرقوا باب سفير أجنبي رغم استطالة مدة ظلمهم. وسفير أمريكا (الذي تهافت النظام الممانع استجداءً لعودته لسوريا) هو الذي اتى الى حماه مركز الشهامة والكرامه وقدومه مسؤولية النظام الممانع. واذا كان عمل السفير الامريكي معادياً للوطن السوري  فان استبقائه من طرف النظام الممانع خيانةٌ للوطن، أما أن يتجول في ارجاء الوطن رغماً عن رئيس الدوله وخارجية النظام فأي استقلال بقي لسوريا تحت هذا النظام، وأي سيادة بقيت له على أرض الوطن، ثم يتهم النظام أبناء  حماه (من لاسلطان لهم اليوم على أرض الوطن) بالتقصير لأنهم لم يطردوا السفير. ما يمارسه النظام هو تزوير للحقيقه والتاريخ عن مدينة حماه التي لاينكر تضحيات أهلها الا جاهل، ولا ينفي صدق الوطنية في أبناء حماه الا غافل أو منحاز. تعددت جرائم النظام الأسدي وزادت واستطالت حتى أصبحت حماه لايعوضها شيء ولا حتى كل أملاك النظام الأسدي على كثرتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى