صفحات سورية

كل من ينادي بالحرية في سورية هو عميل مأجور

 


 

محمد فاروق الإمام

استبقت وسائل الإعلام السوري المرئي والمسموع والمقروء المرتهن لنظام حزب البعث الشمولي انتفاضة الشعب التي تنادى إليها شباب الوطن عبر الفيسبوك، لتكون انطلاقتها يوم الخامس عشر من تموز، متهماً أصحاب الدعوة ليوم الغضب في سورية (أنه تم التأكد من أصحاب الدعوة – لما سمته تلك الوسائل بـيوم الفتنة في سورية – أن أصحاب الدعوة هم عملاء مأجورون للموساد يقودهم المدعو (ديفيد بنجامين رحموت) وهو ضابط استخبارات إسرائيلي مكلف بتجنيد العملاء في الموساد والعمل لصالحه في سورية لصنع فتنة في يوم 15 آذار    وأن عميلته المدعوة (زوي يونس) تعمل مع والدتها السورية لصالح الموساد في السويد، وأن والدتها سورية الجنسية من الجولان السوري تزور سورية دوماً وتعمل لصالح الموساد وزارت إسرائيل في العام 2010).

الإعلام السوري الذي كان منذ العام 1963 مطية لفبركات ممجوجة ومقرفة لأجهزة الأمن السورية تعوّد عليها الشعب السوري وهو يسجل لهذا النظام كذبه وافتراءاته بحق شرفاء الوطن ومفكريه وقادته ومثقفيه وعلمائه وضباطه وأطبائه ومهندسيه وأساتذة الجامعات والطلبة، الذين كانوا ضحية لفبركات أجهزة الأمن السورية، وقضوا على يد الجلادين وقضاة محاكم التفتيش داخل أقبية التحقيق والمعتقلات والسجون والزنازين لهذا النظام منذ العام 1963 ولا يزالون حتى اليوم وعلى مدار ما يقرب من نصف قرن يدفعون فاتورة كانت باهظة التكاليف.

ومما يثير الضحك – وشر البلية ما يضحك – أن أجهزة أمن هذا النظام تدعي تحقيق منجزات كبيرة في عالم الجاسوسية والإرهاب، فأين كانت هذه الأجهزة عندما وصل الجاسوس الإسرائيلي كوهين (كامل أمين ثابت) إلى قيادات حزب البعث وضباط أجهزة الأمن والمؤسسات العسكرية، وقد رشح ليكون عضواً في القيادة القطرية لهذا الحزب الشمولي، وقد سرب من المعلومات السرية للقوات العسكرية السورية ومفاصل تنظيماتها وتسليحها وتحركاتها وتوزعها للموساد الإسرائيلي (وقد شاهدته بأم عيني يتجول في القطاع الشمالي من الجبهة برفقة كبار الضباط وقادة الحزب عام 1964)، هذه المعلومات التي جعلت إسرائيل تهزم الجيش السوري في ست ساعات وتحتل الجولان المفرغ من القوات السورية التي فرت في الساعات الأولى للمعركة بعد إصدار وزير الدفاع في حينها (حافظ الأسد) بلاغ سقوط القنيطرة ولما يدخلها بعد جندي إسرائيلي واحد، وأوامره للجيش بالانسحاب الكيفي.

وأين كانت أجهزة الأمن السورية عندما اغتال الموساد عماد مغنية وهو في عقر المخابرات السورية في كفر سوسة، وأين كانت أجهزة الأمن السورية عندما اغتال الموساد عدد من قيادات حماس في مخيم اليرموك قلعة فرع فلسطين للمخابرات السورية، والقائمة أطول من أن يستعرضها الإنسان أو يحيط بها.

ومن فبركات الأمن السوري الممجوجة والمقرفة (عن مكافحته للإرهاب) اتهام (أبو عدس) وعرضه لمسرحية أراجوزية في التلفزيون السوري يستعرض فيها اعترافات أبو عدس بأنه هو من اغتال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، بهدف إبعاد الشبهة عن تورط شخصيات كبيرة ومهمة سورية في جريمة اغتيال الحريري، وكل الناس في سورية وخارجها يعرفون أن أبو عدس هو معتقل لدى أجهزة الأمن السوري منذ سنوات قبل حادثة الاغتيال.

وأخيراً فبكرة هذه الأجهزة لتهم بالعمالة للفتاة طل الملوحي وتلويث سمعتها والطعن بشرفها وشرف عائلتها والحكم عليها بخمس سنوات من قبل محكمة عسكرية.

ورغم هذه الفبركات والتهم فإن الشباب السوري الذي يتجسد فيه إرث الآباء والأجداد وبطولاتهم، وهم أحفاد يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وحسن الخراط وشكري القوتلي وسعد الله الجابري وعبد الرحمن الشهبندر وهاشم الأتاسي، أداروا ظهرهم لكل هذه الأباطيل والمفتريات، واندفعوا متحدين أجهزة الأمن وزعران حزب البعث الشمولي وشبيبته الثورية في انتفاضة سارت في شوارع دمشق يهتف شبابها (الله سورية حرية وبس.. سلمية.. سلمية.. وينك يا سوري وينك) هتافات لم يسمعها الشعب السوري منذ ما يقرب من نصف قرن حيث هناك الهتافات الممجوجة والمقرفة المفروضة (بالروح بالدم نفديك…) (أسد إلى الأبد) (الثالوث المقدس: وحدة حرية اشتراكية)، وعبارات وهتافات كفرية منافقة ما أنزل الله بها من سلطان.

المظاهرة التي انطلقت في شوارع دمشق يوم الثلاثاء الماضي حملت في طياتها ما كنا نحلم به نحن المنفيون وقد هرمنا – كما قال الشيخ الثائر التونسي – حتى نرى هذه اللحظة التاريخية وقد خرج أبناؤنا وأحفادنا كاسرين حاجز الخوف ليفعلوا ما لم نستطع نحن فعله، ليس جبناً أو تقاعساً، ولكن كانت عصا الأمن الغليظة تلهب الظهور وتكسر العظام، وسكينه تجز الرقاب وسط تعتيم إعلامي مقيت، وحتى نستنهض من عزائم الشباب نذكرهم بأن آباءهم وأجدادهم لم يتخلوا لحظة عن الكفاح والنضال، وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيلها، فنحن من مورست بحقهم المجازر ونصبت لهم المقاصل والمشانق وبنيت لهم المعتقلات والسجون والأقبية والزنازين وأقيمت لهم المذابح والمجازر، وقضوا في أتونها ألوفاً تتبعها ألوف (مجزرة حماة الصغرى، مجزرة حماة الكبرى، مجزرة حلب، مجزرة بانياس، مجزرة سرمدا، مجزرة جسر الشغور، مجزرة اللاذقية، مجزرة حمص) وبين هذه المجازر كان العشرات من المجازر واختفاء الآلاف من شباب الوطن في مقابر جماعية وسط صحراء تدمر!!

أبناؤنا وأحفادنا الثائرون للوصول إلى الحرية والانعتاق من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، نشد على أيديكم في انتفاضتكم المباركة ونحن معكم ومن ورائكم سنقوم بما يمليه علينا الواجب وندعوكم إلى الثبات والصبر والاستمرار، فللحرية باب بكل يد مضرجة يدق، وليكن مثلكم الأعلى شباب تونس وشباب مصر الذين صنعوا من إرادتهم وتصميمهم وعزيمتهم معجزة العصر (انتزاع الحرية) من قمقم جلاديهم الذين كانوا أقل من جلادي النظام في سورية وحشية وغلظة وعدوانية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى