صفحات سوريةمصطفى اسماعيل

كورد سوريا والقلق من الغد

 


    مصطفى اسماعيل

    الأوضاع في سوريا الغد باعثة على القلق منذ الآن, وتبدو عناوينها العريضة غير المطمئنة اليوم أكثر وضوحاً.

    وتتضح معالم سوريا الغد يوماً بعد آخر من خلال مواقف وتصريحات وحوارات, أو تصرفات البعض السوري المعارض.

    يبدو أن قدر المعارضة التي نمت وترعرعت في ظل نظام أمني استبدادي شمولي أن تكون غير ديمقراطية وغير محتفية بالقيم الديمقراطية, ويبدو اليوم من المشهد السوري أن العسكر المنشق وغالبية المعارضين السوريين مثلاً ليس لديهم تصور واضح لما يمكن أن تكون عليه سوريا الغد خارج الإنشائيات والبلاغات والتنظيرات الفكرية.

    فإذا ما حددنا أكثر لقلنا أن ليس هنالك مقاربة جدية أو تفكير جدي وحقيقي من لدن المعارضة السورية لحل مشكلة الأقوام الأخرى المختلفة في سوريا الموزاييك, وأن بعض التصريحات التي تطلق من هنا وهناك تحمل أجواء من الاحتقان وتشي بمركزية عربية في سوريا القادمة وهامشية القوميات والأقليات الأخرى في البلاد, وهذ إعادة إنتاج لمفاهيم ومقاربات حزب البعث والدولة الأمنية في عهد الأسدين.

    في الوسط المعارض السوري ( العربي منه ) لم تك اللاءات بخصوص الكرد وحل قضيتهم القومية بمثل هذا الوضوح فيما سبق, ولم يك رفض المقترحات الكردية لحلها بمثل هذا الوضوح يوماً.

    أن تقف المعارضة العربية السورية والمعارضون العرب السوريون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ضد طموحك المعلن, وضد قضيتك, وضد حلها بناء على العهود والمواثيق والأعراف الدولية, فإن هذا يعني تسويفهم لولادة سوريا الجديدة المتطلع إليها كردياً منذ بدء الثورة السورية المباركة ضد النظام, وهذا يعني أن الثورة السورية لن تكون عملية انقلاب جذرية في البنى والمفاهيم السورية, وأننا سنحتاج إلى المزيد من الوقت لنصبح ديمقراطيين حقيقيين وليس ديمقراطيين على الورق.

    لقد ثبت بالتجربة وبالبراهين أن هذه المعارضة غير جديرة بقيادة السوريين في هذه المرحلة الثورية, فهذه المعارضة لم تغادر بعد قمقمها, ولا ماضيها غير المجيد, ولا إنائها القومجي, ولا تزال رهاناتها وحساباتها في حل القضايا والأزمات والمشاكل تشبه إلى حد بعيد أو هي مستمدة من نفس المطبخ الحزبي الأمني الذي كان يتعامل مع تلكم القضايا والأزمات والمشاكل طيلة عقود أربع.

    الأمر الآخر وراء لاءات المعارضة العربية السورية إزاء حقوق المكونات السورية الأخرى هي المرجعيات السياسية التي باتت توجه هذه المعارضة, فدول الخليج لديها تصور عن سوريا الغد, وتركيا لها حساباتها واجنداتها ورؤاها عن تكوين سوريا الجديدة, وقد لعبت تركيا الدور النابذ الأكبر فيما يتعلق برفض أي تبلور مستقبلي للقضية الكردية في سوريا, وقد كانت نافذتهم السياسية في ذلك المجلس الوطني السوري, ولم نكن نستغرب حين كنا نسمع بين الفترة والأخرى تصريحات إقصائية ملتهبة من غليون أو الشقفة أو البيانوني .. إلخ, أو مؤخراً من قبل أركان في الجيش الحر, فهم كما بتنا نعلم يستمدون نسغ الموقف من المرجعية الراعية والموجهة لهم, ولا أدل وأبلغ على ذلك تطابق موقف عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري والتركي الرسمي حيال التطورات الأخيرة في مناطق كردستان سوريا.

    ما نريده ولادة دولة سوريا الجديدة المفارقة للدولة المدعوكة السابقة, وأن تكون الدولة الجديدة واحة حريات لكل المكونات السورية وخصوصياتها, وأن تكون المقاربات من الآخر في هذه الدولة محكومة بمرجعيات وطنية و بمرجعيات دولية, لئلا تتكرر فصول ومشهديات القمع والعنف والإذلال ولئلا تأكل هذه الدولة أولادها مجدداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى