صفحات الحوار

كوزانوف: موسكو لا تثق بالأسد كثيرًا.. وتبحث عن بديل

 

 

الدبلوماسي والباحث الروسي أكد لـ «الشرق الأوسط» أن روسيا ترفض تقسيم سوريا لكنها لن تساعد النظام في استرجاع ما فقده

هدى الحسيني

كثرت التساؤلات في الأسابيع الأخيرة عن أبعاد الدعم الروسي الضخم للنظام السوري، وكثر معها التغيير في المواقف الغربية تجاه ذلك النظام إلى درجة الإعلان عن لقاء غدًا بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، وكان سبقه تصريحات بهذا الاتجاه لزعماء أوروبيين وأتراك.

«الشرق الأوسط» حاورت الدبلوماسي الروسي نيكولاي كوزانوف الذي كان مقره الأخير في السفارة الروسية في طهران، وهو الآن زميل زائر في «تشاتهام هاوس» في لندن، وباحث غير مقيم في «مركز كارنيغي» في موسكو. يرى كوزانوف أنه إذا نجح الروس في أن يشرحوا للسعودية ولدول مجلس التعاون الخليجي أن أي تحرك لن يكون ضد المصالح الخليجية، عنده لن يكون هناك توتر «لأن الدافع الروسي الحقيقي هو القلق الأمني»، وأشار إلى أن مسلمي روسيا (20 في المائة من السكان) هم من السنّة.. «وبالتالي من غير الممكن أن تقيم روسيا تحالفًا قويًا مع الدول الشيعية». وأضاف كوزانوف أن الروس يعرفون أن بشار الأسد يجب أن يذهب لكنهم يرفضون تحديد توقيت خروجه، وأنهم مع بقاء النظام السوري حتى الوقت اللازم للإعداد وبدء عملية التفاوض. وفي حين أكد أن روسيا ترفض تجزئة سوريا، قال إن «وضع نهاية للصراع فيها ليس من الأولويات الإيرانية، فالأهم عند طهران (حزب الله) ولهذا تفضل سيطرة الأسد على الساحل السوري». في الحوار قال الدبلوماسي الروسي، إن الأسد أوجد هيكلاً عسكريًا غير رسمي من مجموعات تدين بالولاء له شخصيًا، وهذه قد لا تكون مخلصة لمن سيخلفه. وفي ما يلي نص الحوار:

* لماذا يصعب التصديق أن هدف روسيا هو هزيمة «داعش» في سوريا، بل إنما تريد تقوية الرئيس بشار الأسد وليس فقط النظام؟

– هناك سببان لذلك: الأول أن الروس ولفترة طويلة مرتبطون مع النظام السوري، وعنادهم في دعم الأسد، ونفيهم بأن هناك بديلاً له، يجعل مؤيدي المعارضة السورية يشككون في النيات الروسية. السبب الثاني هو أنه انطلاقًا من اعتقاد المحللين الغربيين بأن الهدف ليس «داعش»، بل جبهة «النصرة» و«جيش الفتح» اللذان يمثلان الخطر الحقيقي على النظام ويعتقد هؤلاء أن الروس سيركزون على مساعدة النظام لقتال هذه المجموعات وليس «داعش».

أنا لا أعتقد تمامًا بهذا التفسير لأن الروس قلقون من تزايد أعداد المقاتلين الأجانب والمجموعات المتطرفة التي تقاتل في سوريا، إضافة إلى أن «داعش» لا يضم العدد الأكبر من المقاتلين الناطقين باللغة الروسية، لكن السلطات الروسية تعتقد أنه في حال سقوط نظام الأسد فإن هؤلاء سيعودون إلى الأراضي الروسية وينقلون الصراع إليها. لهذا بالنسبة إلى روسيا فإن الأولوية هي مقاتلة كل التنظيمات الراديكالية. في بداية هذا الشهر أصدر الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف بيانًا عن استعداد روسيا للتفاوض مع كل أطراف المعارضة، التي لا تدعو إلى (دولة الخلافة). لكن بكل تأكيد فان الروس يعتبرون جبهة «النصرة» و«داعش» من الأخطار الرئيسية.

* في هذه الحالة، هل تستطيع روسيا أن تجد بديلاً عن الأسد؟

– يجب أن أؤكد أن الروس يقاتلون ليس من أجل الأسد بل من أجل النظام.

* لماذا؟

– لأن روسيا تعتقد أن القوى الأخرى في سوريا غير جاهزة لأخذ زمام الأمور في البلاد وأن تضمن عدم تكرار السيناريو الليبي. لهذا وإلى حد ما فإن الروس يتملكهم هاجس احتمال تكرار السيناريو الليبي أو العراقي في سوريا، فيؤدي انهيار هيكلية النظام إلى تدمير ما تبقى من البلد.

* إذا تحقق ما يريد الرئيس بوتين، ماذا سيفعل لاحقًا في سوريا؟

– بوتين يتبع مسارين. من جهة، يدرك الروس أن هناك حلاً وحيدًا للصراع وهو التفاوض، لذلك يريدون إطلاق هذه العملية بين النظام وبعض أطراف المعارضة انما حسب الشروط الروسية. لهذا هناك اتصالات مع هذه المعارضة والدول الراعية لها. من جهة أخرى، يدعم الروس النظام السوري بالأسلحة ليضمنوا أنه سيستمر الوقت اللازم لرؤية بدء هذه المفاوضات.

* هذا يعني أن بدء المفاوضات ليس قريبًا، ثم ما هي الشروط الروسية؟

– إن التحضيرات لبدء عملية المصالحة ستأخذ وقتًا طويلاً، ومن المهم للروس، أن يبقى النظام السوري على قيد الحياة خلال فترة الإعداد، كي يكون قادرًا على أن يكون جزءًا من الفترة الانتقالية المستقبلية. أما بالنسبة إلى الشروط الروسية، أظن أنه يجب أن ننتظر كلمة بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنه من المتوقع أن يوضح الشروط الروسية.

أما الخطوط الحمراء الروسية فهي: يهم موسكو أن تحافظ على سوريا ضمن حدودها المعروفة، لا تجزئة أو إنشاء عدة دول، وأن الحكومة السورية المستقبلية أن سوريا لن تكون مصدّرًا للخبراء المتطرفين خصوصًا إلى الأراضي «السوفياتية» السابقة، وأن تمثل الحكومة الجديدة أوسع عدد من القوى السياسية وتبقى علمانية، وأيضًا تريد روسيا المحافظة على وجودها السياسي والاقتصادي إلى حد ما.

* ولهذا يقيمون الآن قواعد عسكرية جديدة؟

– أفضل أن أكون حذرًا في التعليق على الخطط الروسية التي يجري الحديث عنها. بكل تأكيد يمكننا الحديث عن حاجات البحرية الروسية في المتوسط التي تتطلب نقطة إمداد بحرية، والقاعدة في طرطوس إذا أعيد بناؤها يمكن أن تلعب هذا الدور. إقامة مثل هذه القاعدة ممكن في دولة مستقرة، وحاليًا فإن استثمار المبالغ الضخمة في قواعد بسوريا، لا معنى له، لأن نتيجة الصراع غير واضحة حتى الآن.

* في عام 2012 كان هناك حديث عن اقتراح روسي للأسد بأن يتنحى، وقال إريك برنس الخبير في مكافحة الإرهاب إن لبوتين حلاً وسطًا: دفع الأسد إلى خارج السلطة على أن تختار موسكو خليفته؟

– حتى الآن لم أطلع على تعليق رسمي روسي بهذا الخصوص. هناك الكثير من التكهنات حول النيات الروسية. ما أنا متأكد منه، هو أن الروس لا يثقون بالأسد كثيرًا، لكن في الوقت نفسه وحتى الآن، لم يجدوا بديلاً يدفعهم إلى تغييره. ثم إن تغيير الأسد صعب، لأنه خلال سنوات الصراع الخمس، أوجد هيكلاً عسكريًا غير رسمي في سوريا من مجموعات تدين بالولاء الشخصي له، وإذا أخذنا الأسد من هذه المعادلة، فهذا لا يعني أن هذه الميليشيات ستكون مخلصة لمن سيخلفه.

من جهة ثانية، يعتقد الروس أن الفترة الانتقالية يجب أن تكون حذرة وتدريجية حتى لا يتزعزع الوضع في البلاد. ويعتقدون أن سلطات الأسد يجب أن يتم تخفيضها تدريجيًا لفتح المجال أمام الأطراف الأخرى في سوريا، كما أن تغييره ممكن فقط عندما يضمنون أن البديل، أو من سيخلفه سيكون قادرًا على السيطرة على الوضع.

* لكن لم تعد هناك دولة في سوريا، فعن أي دولة تدافع روسيا الآن؟

– هنا ربما أتفق مع الطرح الروسي، إذ إنه باستثناء «داعش» لم ينجح أي طرف آخر في إنشاء دولة إدارية. ومع يقين الروس بأن الأسد يسيطر بالكاد على ربع البلاد، إلا أنه يسيطر على المدن الأكثر كثافة سكانية. موسكو ليست مستعدة لمساعدته على استرجاع المناطق التي فقدها، إنما للتأكد من أنه قادر على السيطرة حيث هو الآن، وطالما أنه يسيطر على هذا الجزء يظل اعتباره شرعيًا، وأن يكون جزءًا من عملية التفاوض في المستقبل.

* الأميركيون عبروا عن استعدادهم للتفاوض وكذلك الأوروبيون، هل يجب على الأسد أن يعرف نفسيًا أثناء التفاوض أنه باقٍ لفترة قصيرة؟

– نعم. إنما ورغم استعداد كل الأطراف المعنية بالصراع لتسوية سياسية، فإن المشكلة هي في كيفية رؤية كل طرف لهذه التسوية. الشيطان دائمًا في التفاصيل وهذا يسبب مشكلات، لهذا لا أرى على المدى القصير أي نجاح لمفاوضات، لأن هناك الكثير من القضايا التي سيناقشها الروس مع الأميركيين ومع دول مجلس التعاون الخليجي، لأنه بينما يعتقد الروس أن الأسد يجب أن يرحل، فإنهم يفضلون ألا يحددوا وقتًا لتنحيه.

هناك أمر آخر، المعارضة وبينها أطراف تعتبر إرهابية، ستكون مصدرًا لمواجهة ما بين الروس والغرب. والروس سيكونون حازمين ورافضين لوجود المجموعات المسلحة.

* كيف يمكن لروسيا أن تكون مع إيران وإسرائيل وضد الولايات المتحدة ومع إسرائيل؟

– لن أقول إن الروس هم مع إيران وإسرائيل، إنما يتبادلون المعلومات. الروس يتبعون أهدافهم في المنطقة. في حالة إيران، الروس والإيرانيون يسيرون في خطين متوازيين لكن أولويات كل منهما وأهدافه في المنطقة وسوريا تختلف تمامًا. وهذا واضح عند الروس.

* ما هي الاختلافات؟

– بالنسبة إلى إيران، وضع نهاية للصراع في سوريا ليس من الأولويات. الأهم لديهم حزب الله ولهذا يفضلون سيطرة الأسد على منطقة الساحل. ثم هم يعرفون أن الأكثرية في سوريا من السنّة، لذلك يحاولون جلب عناصر طائفية أخرى، والروس يقاومون وبعنف تقييم الصراع على أسس طائفية أو دينية.

أما عن العلاقات الروسية – الإسرائيلية، صحيح أنهما يريدان تطوير العلاقات لكنهما يدركان حدود التعاون الممكن بينهما. وخلال الزيارة الأخيرة لبنيامين نتنياهو إلى موسكو أوضحوا له أنهم لن يغيروا دعمهم للأسد طالما هذا من صالح أمنهم القومي، لكن في الوقت نفسه حاولوا أن يأخذوا بعين الاعتبار أن الأسلحة الروسية لن تنتهي في أيدي حزب الله أو المجموعات الراديكالية المعادية لإسرائيل. ولتجنب ما يسمى «النيران الصديقة» أنشأت الحكومتان خطًا لتبادل المعلومات عن الوضع في سوريا.

* من المؤكد أن إيران تعرف الأهداف الروسية النهائية، لكن أليس من المستغرب أنها لم تعترض على التدخل الروسي العسكري اللافت في سوريا، في حين اعترضت على الدور الأميركي في العراق؟

– الروس والإيرانيون ينطلقون بالاتجاه نفسه، ويحاولون حماية نظام الأسد. بالنسبة إلى الإيرانيين فإن استقرار الوضع في سوريا وبدء التفاوض ما بين النظام والمعارضة هو حل، إنما ليس الحل الوحيد. لكن طالما أن الروس يأخذون في الاعتبار المصالح الإيرانية، وأن إيران جزء من عملية التفاوض، فلا اعتراض لدى طهران.

* هل زار قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني موسكو ولمرتين؟

– ليس لدي تأكيد رسمي حول هذا.

* كان هناك انفتاح عربي وبالذات خليجي نحو روسيا، لكن، بعد الدعم العسكري الروسي الجديد للنظام السوري هل تبقى الثقة قائمة؟

– عدم الثقة بين روسيا ودول التعاون الخليجي كان موجودًا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وتبقى العقبة الرئيسية في تطوير العلاقات، لكن العلاقات تحسنت أخيرًا وكثيرًا. إذا استطاع الروس أن يشرحوا للسعودية ولكل دول مجلس التعاون الخليجي أن أي تحرك لن يكون ضد المصالح الخليجية والسعودية، عندها يمكن أن تتجاوز الأطراف التوتر المحتمل.

* من يدفع ثمن الإمدادات العسكرية للنظام السوري؟

– لا توجد معلومات، لكنني أفترض أن الروس يدفعون.

* هل كل هذا الدعم هدية؟

– لا أحب استعمال هذه الكلمة. لكنه في الواقع كذلك. وأنا أفترض هنا، ربما هناك اعتقاد أن هذه الأموال ستعود في المستقبل.

* أو أن تصبح سوريا في الفلك الروسي..

– لا أعتقد أن هناك نيات للسيطرة في المستقبل. لكن بكل تأكيد هناك التفكير بالحضور الروسي الاقتصادي والسياسي والعسكري في سوريا عندما ينتهي الصراع.

* هل فقدان ليبيا، ولاحقًا استرجاع الأميركيين لقاعدة «إنجيرليك» في تركيا من الأسباب التي دفعت روسيا للإقدام على هذه الخطوة في سوريا بداعي التوازن؟

– يكون هذا صحيحًا إذا أدت هذه الخطوة إلى زيادة الاستقرار في سوريا. لا أرى الآن هذا كسبب مباشر. خسارة ليبيا كان لها وقع في السنوات الأولى من الصراع، وكان الروس مصرين على الانتقام لخسارتهم ليبيا والعراق، لكن حاليًا الدافع الحقيقي ينطلق من القلق الأمني. ثم، إلى حد ما، نجح الروس في تعويض خسائرهم في ليبيا بتكثيف علاقاتهم مع دول أخرى في المنطقة. رأينا زيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين روسيا وإسرائيل، وأيضًا مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومع مصر. كما زادت التجارة العسكرية مع المنطقة وهذا مربح لروسيا مثل الصفقات العسكرية الروسية مع الجزائر ومع مصر وربما مع العراق.

* إذا كانت روسيا تريد محاربة المنظمات المتطرفة في سوريا، لماذا حتى الآن لم تتخلص من قائد القوات الجورجية الخاصة «تارخان باتيراشفيلي» الذي يقاتل في سوريا، منذ عام 2012، أي حتى قبل «داعش»؟

– حصلت محاولات للقضاء عليه، لم تنجح، لكنني لا أعتقد أنه أولوية قصوى.

* روسيا والصين متهمتان بأنهما تميلان إلى إيران، لأنه لا يوجد مسلمون شيعة فوق أراضيهما، إنما لديهما الكثير من الخشية من السنة؟

– أود أن أقول في هذا المجال، إن لهذا تأثيرا إيجابيًا وليس سلبيًا. المسلمون في روسيا يشكلون 20 في المائة من السكان وينتمون إلى المذهب السنّي وهذا يعني بالتالي أنه من غير الممكن إقامة أي تحالف قوي مع الدول الشيعية.

* هل تقصد أن التحالف غير ممكن؟

– كلا، لأن أي محاولة لمواجهة الدول السنّية سيكون لها تأثير سلبي قوي على الوضع الداخلي.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى