صفحات الناس

كوميديا سورية سوداء/ فادي الداهوك

ثلاثة مشاهد تحكمها المقاربة حيناً والمفارقة أكثر الأحيان. أمرٌ طبيعي ولا تشوبه شائبة، أن يستقبل اللبنانيون مختطفيهم، وأن يفعل الأتراك كذلك، لكن أن تتم الصفقة بإطلاق النظام السوري لمواطنات سوريات معتقلات فإنه لأمر تنطبق عليه كل مقومات الكوميديا السوداء.

بلد السوريات اللواتي يحملن جنسيته، لم يحملهن قبل اعتقالهن ولا بعد إطلاق سراحهن.  ١٣٠ معتقلة، قلّ التأكيد عن عددهن وكثر التكهن بأسماء بعضهن، فيما تردد اسم طلّ الملوحي أكثر من مرة، أمنية ربما، أو إشاعة تكررت كثيراً.

السوريات المفرج عنهن، لم يصل إلى استقبالهن أحد، ولم تظهر داعية لحريتهن مثلَ الحجة حياة، ولم تنقل وسائل الإعلام ملامحهن وما حلّ بهن. هن أصلاً لم يخرجن من أقبية المخابرات إلى بيوتهن، بل وصلن إلى أضنة التركية من دون ضجيج أو مجال لأن تروي واحدة منهن فقط ما حصل في المعتقل، ومن دون أن تعرف أسماءهم حتى.

واثنتا عشرة معتقلة تسلّمهن ذويهن جثثاً معذّبة بين حمص ودمشق، و٢٠ أخريات رفض النظام إطلاق سراحهن إلى حين تحسن حالتهن الصحية السيئة، بينما نقلت٤٧ معتقلة براً من سجن حلب المركزي إلى مدينة أضنة التركية، وحظيت ٣٥ منهن بركوب الطائرة من مطار دمشق إلى مطار أضنة، وفقاً لمراسل تلفزيون الآن في سوريا حازم داكل.

وعلى ذكر طلّ الملوحي، فلو تحدّثنا عنها، لن يتسع المقال كما اتسع المعتقل لمعاناة الشابة التي كبرت أربع سنوات في الزنزانة، حين لم تستحِ مديرة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية السورية، بشر كنفاني، أن توضّح لحشد من الإعلاميين في شباط 2011 أن طلّ الملوحي التي كان عمرها 20 عام حينها ومضى على اعتقالها سنتين “تنحدر من أسرة مفككة، وفاقدة للقيم، تعرفت إلى ضابط نمساوي أقام علاقة جنسية معها مقابل بعض الهدايا والمبالغ المالية، وصورها بالسر ثمّ سلّم شريط الفيديو الذي يحتوي على صورهما معاً إلى السفارة الأميركية في القاهرة. والأخيرة قامت بتجنيدها في العمل لصالحها وأوقعتها في فخ علاقة جنسية جديدة مع سائق موظفة في السفارة الأميركية بالقاهرة لتصبح مجبرة على العمل معهم وتنجح أخيراً في الإيقاع بالسكرتير الثاني في السفارة السورية بالقاهرة سامر جربوع، الذي تعرض لحادث مفتعل أدى إلى إصابته بشلل دائم في فكه”.

هو الطعن بالشرف سلاح النظام القديم الحديث والذي ظهر في نظرية جهاد النكاح، التي تبرهن مدى احتقار نظام لمواطنيه ومدى التعاطي الإعلامي الدعائي الذي يصور السوريين على أنهم كائنات شهوانية وحول بذلك شاشاته إلى محطات أشبه “بالورنو”.

لن تجد المعتقلات أكثر من الثورة وفاءً لهن، الثورة التي أطلقت تسمية خاصة بهن على إحدى أيام الجمعة، ويكفيهن فيض الكرامة الذي حملنه إلى جانب رجال سوريا الثائرة.

هن اليوم يحملن الجنسية السورية و يطلبن اللجوء إلى بلاد ستمنحهن إياه ربما، كونهن لا يحتجن وثائق وأدلة على ما حصل لهن، فالفضيحة كانت على الهواء مباشرة عندما بادلهن الرئيس برهائن غير سوريين.

وحتى تكتمل الكوميديا السوداء سوف يحكين أنه سبق أن أطلقت سوريات قبلهن بصفقة تبادل مختطفين أيضاً، لتكون صفقة أعزاز، هي الصفقة الثانية التي يبادل فيها النظام السوري معتقلات سوريات بمختطفين غير سوريين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى