صفحات سوريةعلي العبدالله

كيري بين نارين/ علي العبدالله

 

 

لم يكتف وزير الخارجية الاميركية باصدار بيان مشترك مع نظيره الروسي قبيل ساعة واحدة من موعد انعقاد اجتماع وزراء خارجية ما يوصف بـ “النواة الصلبة” لأصدقاء الشعب السوري في باريس يوم 9 الجاري، لاحتواء تحركها وتحديد سقف لمطالبها، بل وقام باطلاق تصريحات قوية ضد النظام وحلفائه، وحذّر روسيا من الغوص في المستنقع السوري، وأستبق اجتماع “المجموعة الدولية لدعم سوريا” في فيينا 17 الجاري بالقيام بجولة على عدد من دولها لاقناعها بقبول ما تضمنه البيان المذكور وتبني قرار يدعو النظام والمعارضة الى العودة الى مفاوضات جنيف.

ماذا أراد كيري من كل هذه التكتيكات؟.

لمس كيري من خلال تصريحات المسؤولين في عدد من الدول الاوروبية والعربية، بالاضافة الى تركيا، المستوى المرتفع من الهواجس والقلق من تمسكه بصيغة العمل الثنائي مع لافروف وتغييبهم عن المشاورات/المفاوضات، ومن طبيعة تفاهماته مع نظيره الروسي، التي رأوا فيها تهاونا واضحا من جانبه، واستيائهم من تسليمه بالتصورات الروسية التي لن تقود الى حل حقيقي ينطوي على فرص نجاح واستمرارية تسمح بعودة الامن والاستقرار الى سوريا وجوارها فقط بل وستخلق بؤرة عدم استقرار دائمة من خلال صب الماء في طاحونة الارهاب. لذا أراد احتواء ردود افعالهم من خلال الموافقة على حضور الاجتماع المذكور والقاء خطاب عالي النبرة يلامس هواجسهم ومخاوفهم ويلتف على مبررات قلقهم ويطوق أية محاولة لاختراق سقف تفاهماته وتوافقاته مع نظيره الروسي.

لم تنجح محاولته في احتواء المخاوف والالتفاف على التحفظات، فقد جاءت تعليقات عدد من المسؤولين الغربيين والعرب والاتراك مشككة في وعوده ومطالبة باجراءات عملية، “نريد أفعالا لا أقوالا”، ربط بعضها بين التعاطي بايجابية مع الوعود وتقديم دعم تسليحي كبير ونوعي لفصائل المعارضة المسلحة بحيث تستطيع شل سلاح جو النظام الذي عاد الى قصف المدنيين بكل صنوف الاسلحة بما في ذلك البراميل المتفجرة، بالاضافة الى تلبية طلبات الهيئة العليا للمفاوضات بتحقيق تقدم على صعيد وصول المساعات الانسانية ورفع الحصار عن المدن والبلدات والبدء باطلاق المعتقلين، خاصة الأطفال والنساء، كما قضى بكل ذلك القرار الدولي رقم 2254، وتثبيت وقف الاعمال العدائية، والدخول في مفاوضات حول الانتقال السياسي، كي يعود وفد “الهيئة”، الذي علق مشاركته خلال الجولة الماضية احتجاجا على عدم تحقيق تقدم حقيقي في الملفات الانسانية، التي اعتبرها القرار الدولي خارج المفاوضات وفوقها، والسياسية، الى جنيف.

لذا جاءت جولته قبيل عقد اجتماع فيينا لاستكمال محاولته التخفيف من هواجس ومخاوف الحلفاء، وتليين مواقف دول مؤثرة في الصراع واقناعها بالموافقة على اهداف الاجتماع: تثبيت الهدنة، ايصال المساعدات الانسانية، تسريع العملية السياسية، من دون ان يعدها بشيء حيث طلبت السعودية تسليح المعارضة في حال افشال النظام للجولة القادمة من المفاوضات، عزز محاولته بارسال قوات خاصة الى اليمن لدعم قوات التحالف العربي في محاربة “داعش” و”القاعدة”، وبقيام طائرات اميركية، وبالتنسيق مع قصف مدفعي تركي، بقصف مواقع “داعش” في ريف حلب الشمالي، حيث قالت بعض المصادر أن طائرات تركية شاركت في العملية لكسر الاعتراض الروسي على تحليق الطيران التركي فوق الاراضي السورية، كمدخل لانجاح الاجتماع والخروج بنتائج تتسق مع تفاهماته وتوافقاته مع نظيره الروسي.

غير أن تقديرات عدد من المحللين شككت في نجاح المحاولة التكميلية في ضوء مواقف الجانب الروسي الذي بدأ بالتشويش على الاجتماع قبل بدايته من خلال طرح جملة طلبات اولها الفصل بين مواقع المعارضة المعتدلة وجبهة النصرة، التي ستواصل الطائرات الروسية قصف مواقعها، ودعوة عدد من ممثلي منصات موسكو والقاهرة وحميميم(قدري جميل، صالح مسلم، هيثم مناع، رندة قسيس، اليان سعد) الى فيينا للاجتماع بوزير الخارجية سيرغي لافروف، وتجديد المطالبة باشراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي(استخدم المصدر الروسي تعبير مشاركة الأكراد وهو يقصد الحزب المذكور في اختزال فج للشعب الكردي بحزب، وتجاهل بقية الاحزاب الكردية المشاركة في وفد الهيئة العليا للمفاوضات) في مفاوضات جنيف، وتجديده المطالبة باغلاق الحدود التركية السورية، وعمله على وضع وثيقة تحتوي على كل هذه المطالب لطرحها على الاجتماع في مواجهة مطالب الدول الداعمة للمعارضة، ما سيضع كيري بين نارين: نار الحلفاء الذين يريدون موقفا اميركيا اقوى في مواجهة موسكو، ونار موسكو التي تريد سحبه الى موقفها بالكامل مستغلة حاجته الى استمرار عملية التفاوض لاعطاء انطباع بنجاح الادارة في تحريك الملف قبل مغادرتها البيت الابيض، ما يثير مخاوف حول فرص عودة مفاوضات جنيف في حال تمسك الدول الحليفة والاتحاد الروسي بمواقفهما ما يقود الى فشل اجتماع فيينا في تفكيك العقد واطلاق الدخان الابيض. فالمطالب الروسية تصعيد واضح وأقرب الى عملية لي ذراع ووضع عراقيل أمام العملية السياسية بقصد تخريبها تنفيذا لاستراتيجية موسكو القائمة على استغلال الصراع السوري لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية في المواجهة مع الولايات المتحدة ردا على رفض الأخيرة عقد صفقة شاملة معها حول ملفات عالقة بين الجانبين(كان بوتين قد أبدى استعداداً لفتح المساومات وتقديم تنازلات في الملف السوري إذا وافق أوباما على تنازلات مقابلة تبدأ برفع العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضمّها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وتمتد إلى التفاهم على تقاسم النفوذ في أوكرانيا نفسها، وصولاً إلى الملفات المتعلقة بتوسع حلف الأطلسي ونشر الأسلحة الاستراتيجية شرق اوروبا، وهو ما رفضه اوباما من منطلق ان ليس لواشنطن مصالح في سوريا تخشى عليها وبالتالي فالمقايضة غير مقبولة). وقد زاد في حنقها تشغيل الدرع الصاروخية في رومانيا وقرار واشنطن  نشر مزيد من القوات والعتاد في شرق اوروبا على حدودها الغربية، ودفعها الى الانزلاق الى سباق تسلح مكلف اقتصاديا ووضعها في مواجهة مع مواطنيها الذين يتطلعون الى حل مشكلاتهم المعيشية والخدمية، ما دفعها الى التمسك بكل طلباتها في الملف السوري، وهو ما لايمكن قبوله لا من قبل المعارضة السورية ولا من داعميها، وهذا يجعل أي اتفاق لوقف الأعمال العدائية او ايصال المساعدات الانسانية مؤقتا وعرضة للخرق والانتهاك.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى