صفحات الرأي

كيـف تقـوم دولـة مدنيـة بمرجعيـة دينيـة؟

 


تقدم الحلقة الثانية من النقاش الذي احتضنته مجلة Le Débat التي استضافت ناصيف نصار وجورج قرم وعلي فياض، وأدارها رئيس تحريرها سمير سليمان، عدداً من المشكلات، وتثير فيضاً من الأسئلة: ما دور الإسلاميين في تكوين اتجاهات التغيير؟ هل يتطلعون إلى دولة مدنية تستمد سلطتها من الشعب، بمرجعية دينية؟ كيف التوفيق بين مرجعية مدنية ومرجعية دينية إسلامية تحديداً؟ كيف التوفيق بين تيارات سياسية تغييرية، قومية ويسارية وليبرالية وإسلامية؟ هل من وسيلة لعزل الايديولوجيات الجاهزة عن معركة التغيير الحاصلة؟ هل الثقة متوفرة بالاسلاميين، بحيث يطمئن العلمانيون والليبراليون إلى الالتزام بالديموقراطية نظاماً دائماً، محرَّما الانقلاب عليه بعد بلوغ السلطة؟

ويثير النقاش مسائل نظرية هامة أبرزها: هل نحن أمام عملية تغيير نظام بنظام، أم أننا أمام «بناء عالم جديد»، بوسائط محلية، تفرضها طبيعة وثقافة ومشكلات المنطقة وتطلعات أهلها في الحرية والتحرير والتنمية لإزالة الاستبداد والفساد والتبعية؟ هل لدينا نموذج جاهز، وفق السياقات النظرية الغربية، أم لدينا خصوصيات تاريخية واحداثيات واقعية، تفرض على الحراك العربي، صياغة نظام جديد، بناء على فكر سياسي جديد، يحتضن المقاومة ضد الاحتلال والديموقراطية والليبرالية؟ هنا، تتمة النقاش:

علي فياض:

الإسلاميون هم الفريق الأكثر تنظيماً والأكثر اتساعاً في مصر وفي تونس، الخريطة الاجتماعية السياسية أكثر غموضاً، لكن هناك أيضاً حضوراً إسلامياً لا يُستهان به. فثمة وجودات أخرى: اتحاد الشغل، بعض الأحزاب الليبرالية وغيرها. لكن يلفت نظري في هذا السياق دور رمزي لافت للإسلاميين المصريين في مواجهة نظام مبارك. فعلى الرغم من كونهم الأكثر اتساعاً من حيث الشعبية، والأكثر تنظيماً من حيث القدرة على التحرك والتحشيد والمواجهة، والمصريون يجمعون على ظاهرة البلطجة، فإن الإسلاميين هم الذين تصدوا لها وأفشلوها، وهذا ما شهد به اليسار المصري بتصريحات واضحة. الإخوان المسلمون هم الأكثر شدة في المواجهات الحادة التي كانت تتعرض لها التجمعات في ميدان التحرير وفي الأماكن الفقيرة الأخرى. لكن على الرغم من كل ذلك وعلى الرغم من قوة الإسلاميين، فإن هؤلاء هم الآن في قلب مجرى حركة التغيير التي تحصل في العالم العربي، ولبنان جزء من هذا المجرى ومن هذا السياق. الإسلاميون هم الأقوى، لكنهم لم يطرحوا نموذجهم الخاص كبديل للأنظمة التي تتم مواجهتها الآن. حزب الله هو الأقوى في لبنان، لكن بطبيعة الحال لم يطرح نموذجه ولم يدفع باتجاه أن تكون المعارضة المتحالف معها هي من تمسك بالسلطة، إنما لجأ إلى خيار آخر. يمكن أن أقول إنه تحالف بين المعارضة والتيارات الأخرى، تيار الوسط أو شيء من هذا القبيل. وما يجري في تونس، هو إلى حد ما، شبيه بهذه المعادلة. قوى التغيير تتحالف في ما بينها. إسلاميون، يساريون، قوى الوسط، التيار الليبرالي الوطني، تتحالف في ما بينها كي تبني سلطة لا هوية إيديولوجية لها.

لنراجع خطاب الإخوان المسلمين في مصر، كسعد الكتاتنة عضو مجلس الشورى وعصام العريان والآخرين. ولنقرأ تصريحات بعض العلماء في تونس التي سمعناها في الفضائيات أو ما قرأناه لراشد الغنوشي نفسه عندما قال: لا مكان للشريعة في تونس، وهو الآن يتقدم على الأطروحة التركية في هذا المجال… راشد الغنوشي رمز الحركة الإسلامية التونسية يقول بلسانه: لا مكان للشريعة في تونس. ما نلاحظه الآن أنه على الرغم من قوة الإسلاميين، إلا أنهم بدأوا يكتشفون أن الواقع الاجتماعي السياسي في هذه المجتمعات هو أعقد من أن يطرحوا له خياراً واحداً في هذه اللحظة التاريخية بالذات، وقد لا يقتصر الأمر على هذه اللحظة بل على المقاربة اللازمة التي تتعلق بهذه المجتمعات… قد لا تحتمل هذه اللحظة نماذج إيديولوجية مغلقة، إنما تحتاج إلى صيغة تجعل من الدولة مكاناً عاماً تتشارك فيه كل مكونات المجتمع. هذه هي تجربة مصر الآن، وكذلك هي حال تجربة تونس وتجربة لبنان.

سمير سليمان:

^ ألا تعتقد أن هذا الحكم سابق لأوانه، فدولة الثورة لم تقم بعد في مصر؟

علي فياض:

إن ما تتكلم عليه ليس له أي مؤشر، المؤشرات تساعد على ما أقول. هل يتعاطى الإسلاميون أو غيرهم تكتيكياً مع المرحلة، بانتظار أن تتركز دعائم العمل السياسي ويمسكوا بالشارع بعد ذلك ومن ثم ينطلقون إلى مرحلة لاحقة من التاريخ للانتفاض على السلطة؟ لا أدري! ومن وجهة نظري، هناك بداية مراجعة فكرية تفرض نفسها على القراءة السياسية الإسلامية في العالم العربي. Oliver Roy يقول إن الإسلاميين لم يختفوا بل تبددوا. نحن أمام تشكل فكر سياسي إسلامي جديد في ما يتعلق بمسألة السلطة والدولة في العالم العربي. ربما بعض الإسلاميين لم يصل إلى هذه القناعة عن رضا كامل، لكن التعقيدات السياسية والاجتماعية أفضت بالحركات الإسلامية الآن إلى هنا.

جورج قرم:

هناك نوع من الإجماع الآن على قيام دولة مدنية، أو التحول إلى دولة مدنية.

علي فياض:

المصريون، الإخوان المسلمون، أصدروا وثيقة منذ سنتين عنوانها «دولة مدنية بمرجعية دينية»، والتصريحات التي أطلقوها الآن أكدت أنهم يتطلعون إلى دولة مدنية تستمد سلطتها من الشعب.

حتماً هناك تضافر عوامل أكثر من أن تُحصى في تفسير ما حصل ويحصل، لكن الوعي التحرري الذي أنتجته حركات المقاومة في المنطقة انتقل إلى الوعي التغييري. لم يقتصر فقط على كونه تحررياً إنما انتقل في مستوى من مستويات تطوّره إلى أن يؤدي دوراً تغييرياً، وبالتالي أفضى إلى انكشاف الضعف الأميركي وإخفاق المشروعات الأميركية على مستوى المنطقة وإلى انهيار السياسات النيوليبرالية التي وُعد بها العالم العربي وبلوغها لحظة الذروة من حيث الإخفاق والتهاوي على مستوى العالم العربي. كل ذلك كان من العوامل التي حفزت الشارع العربي على مواجهة ما كان يُخشى من مواجهته دائماً.

توكفيل عندما درس موضوع الديموقراطية، قال: نحن الآن أمام موضوع جديد في علم السياسة. وها نحن الآن أمام موضوع جديد في علم السياسة العربية. إن ما يجري هو ليس إعادة بناء أنظمة، وإنما هو إعادة بناء عالم جديد نحن في بداية هذا العالم. التحليل الغربي تاريخياً، على مدى ثلاثمئة سنة، عندما كان يدرس ولادة العالم الجديد، إما ذهب باتجاه التركيز على الثورة الصناعية، فكانت التحليلات التي قام بها ماركس والماديون ترتكز إلى البنى الاقتصادية المادية، وإما باتجاه التركيز على الثورة السياسية الديموقراطية فراح باتجاه التركيز على البنى السياسية. الآن نحن أمام شيء آخر. إنه استكمال لما بدأت به كلامي، فهو مزيج معقد يحتاج إلى تركيب وتحويله إلى موضوع جديد في علم اجتماع السياسة العربية. أيضاً هذا لكونه كلياً ومتداخلاً ومركباً، فإنه لا يقوم على بعد احادي واحد. هذا يعني بالنسبة لي، من حيث مشروعات التغيير الآن، أن كل مشروع تغييري في المنطقة يقوم على بعد أحادي لا يستطيع أن يحتوي كل تكوينات الساحة، ولا يستطيع أن يقود حركة التغيير. إنه أحد المكونات الناجحة في حركة التغيير. حركة التغيير تحتاج إلى إعادة صياغة للمشروعات العربية على نحو كلي يتضمن هذه الأبعاد. بمعنى آخر، هناك صلة قائمة بين التحرير والتغيير، بين الحرية والتنمية، بين التبعية والاستبداد لا يمكن فصلها، وهي الآن باتت كلها داخلة في إطار مفهومي مشترك، وكل محاولة للاقتصار على عامل واحد من دون غيره وكل صياغة المشروع العربي على قاعدة أحد هذه الأبعاد منفرداً، تضعنا في مأزق وتضع الحركة نفسها في مأزق أيضاً، عندما تحولها إلى واحد من مكوناتها فقط. وإذا حصل ذلك، فإنها لا تستطيع أن تكون في موقع إدارة التغيير العربي. فالتغيير العربي له شروط مختلفة. ما يحصل الآن يستدعي إعادة تقييم موضوعي للاجتماع السياسي العربي ويستدعي إعادة النظر في النظرية السياسية العربية، لأنه لا يوجد جانب بمفرده يستطيع أن يستنهض الساحة العربية. لقد تداخلت القضايا ببعضها البعض ولم يعد هناك إمكانية نظرية للفصل فيما بينها. على المستوى العملي السياسي أو الوعي السياسي، هذا يرتب على حركات التغيير العربية أن تقوم بمراجعة مشروعاتها وميكانيزمات التغيير الصالحة للعالم العربي.

ناصيف نصار:

من الناحية الإجرائية، من الصعب إن لم يكن من المستحيل، أن ينشأ مشروع تغيير شامل للمجتمع بكل مرافقه. هناك مشاريع للتغيير لا بد من أن تكون قطاعية، على الأقل في منطلقها. من سيكوّن مشروع تغيير شامل للمجتمع بكامله لكل بنياته وأنظمته ومؤسساته؟ من أين سيأتي هذا؟ من عند الواحد منا لو فكرت كباحث، أو من المؤسسة أومن الجامعة أو من أي مسؤول، …… (يقاطعه علي فياض)

علي فياض:

أريد أن أقول إن النقاش ليس نقاشاً إجرائياً… النقاش في الفكر السياسي وفي النظرية السياسية العربية. دعاة التحديث يعتبرون الأزمة، كل الأزمة هي ديموقراطية، بينما رواد التحرير والمقاومة يعتبرون الأزمة كلها أزمة مقاومة للاحتلال. يوجد تواطؤ بين الاحتلال والاستبداد والتخلف. المعركة مع أحد هذه الأبعاد، هي معركة مع الأبعاد الأخرى. يجب أن يرقى الفكر السياسي إلى وعي هذا التواطؤ وصياغة فكر سياسي عربي يربط على المستوى الإجرائي، بين هذه المستويات، وأكبر دليل على ذلك هنا.. ما يحدث في لبنان.

ناصيف نصار:

المطلوب هو إعادة بناء الفكر السياسي العربي بطريقة تخرجه من الأحادية ومن القطاعية إلى مستوى اعتبار كل التداخلات بين الداخل والخارج، بين الاقتصادي والسياسي، بين السياسي والثقافي… إلخ. الشمولية تعني هنا أن الفكر السياسي ينبغي أن يأخذ الظاهرة السياسية والنظام السياسي من مختلف جوانبه ومختلف علاقاته التفاعلية في داخل المجتمع وفي وضع المجتمع مع المحيط. هذا صحيح…

سمير سليمان:

^ كتب البعض أن «الثورات» العربية الحالية برهان قاطع على تراجع أو انهيار المنظومة الليبرالية والنيوليبرالية الممسكة بالنظام الدولي القائم.. فهل تراجعت أو سقطت الإيديولوجيا الليبرالية والنيوليبرالية فعلاً؟ وهل ما سُمّي بعصر «الليبرالية الديموقراطية الجديدة» أو ما بعد النيوليبرالية أثر في هذه الثورات؟ أليست السياسات الليبرالية والنيوليبرالية هي التي سقطت، بينما نجحت بعض مكوناتها وفي طليعتها الديموقراطية في أن تكون نموذجاً يُحتذى؟ لقد خيّر فوكوياما الشعوب التي لا تدين بالليبرالية الديموقراطية الغربية بين أن تدين بها أو السقوط في أتون حروب وفوضى لا نهاية لها. ورأى أتاتورك أن على تركيا أن تختار بين أن تكون غربية وبين الموت. فهل ثمة نسق واحد لتطور المجتمعات البشرية ولصيغ حياتها ولمسار تحقيق أهدافها؟

ناصيف نصار:

ما نشهده اليوم دليل على سقوط الليبرالية في البلدان العربية، بدليل أن الليبرالية في المجتمعات العربية لم تكن حتى الآن هي المنظومة السياسية والثقافية السائدة، هي موجودة في خلفية بعض الأنظمة، موجودة في بعض النصوص الدستورية، موجودة في بعض النخب الثقافية.

سمير سليمان:

^ المقصود بهذا الكلام أيضاً هو السياسات الغربية التي تتعامل مع الواقع العربي، ليس المقصود فقط أن السياسات الليبرالية طُبقت في بلادنا.

ناصيف نصار:

لا أفهم بالضبط أن يقال بأن السياسة الليبرالية الغربية سقطت في تفاعلها مع المجتمع العربي. مضمون هذه السياسة الغربية تجاه المجتمعات العربية ليس مضموناً ليبرالياً. هي تمارس سياسات وريثة لسياسات الاستعمار بأساليب جديدة. ما هو الليبرالي في هذه الممارسات؟ هي تمارس الليبرالية في داخل بلدانها وتمارس الليبرالية على صعيد العالم في إطار النظام التجاري والنظام الاقتصادي الرأسمالي إلى حدود فقط: لا نستطيع القول إن ما يجري الآن في العالم العربي هو سقوط لتلك السياسات، ربما ما يجري في العالم العربي سيحمل تلك السياسات على تبديل بعض خططها في التعامل مع هذه الدول. هذا صحيح، ولكن هذه الدول تستطيع أن تتكيف، فلها معايير مختلفة واستراتيجيات متعددة، ويمكنها أن تبدل في استراتيجياتها وتتعامل مع هذه الحركة التغييرية مع السعي الدائم إلى الحفاظ على مصالحها هي، وكلها مصالح هيمنة واستغلال لثروات الشعوب.

جورج قرم:

في موضوع الفكر الليبرالي، يجب أن ننتبه إلى أن المجتمعات العربية قد عرفت في فترات تاريخية نوعاً من الليبرالية، مصرالملكية، لبنان وسوريا بعد الاستقلال. توجد فترات ليبرالية، وكانت النتائج إيجابية. نحن اليوم نحتاط من الليبرالية، لأن الليبرالية العربية الجديدة بُصمت بالأفكار الأميركية وبتأييد سياسات المحافظين الجديدة التي أدت إلى اجتياح العراق وإلى كل التدخلات السافرة لأميركا في الشؤون الداخلية اللبنانية. أنا أعتقد اليوم بانفتاح كل الأبواب، هناك إمكانية عودة، أنا لا أسميها الليبرالية الحقة التي أسس لها توكفيل أو غيره أو رواد النهضة العربية. إذا عدنا إلى فكر النهضة العربية نجد فيها الكثير من الأفكار الليبرالية، من مشايخ الأزهر إلى عبد الرحمن الكواكبي، إلى العديد من المفكرين الكبار الذين طُمسوا عندما أتت الثقافة السعودية الوهابية، ثقافة الثورة الإيرانية أيضاً أسهمت في القضاء على التراث الليبرالي العربي. في هذا السياق أشير إلى أننا إذا قرأنا «طبائع الاستبداد» للكواكبي لوجدناه يدعو إلى الخلافة، لكن مفاهيم الحرية عنده ومفاهيم الاستبداد متأثرة بالليبرالية.

ناصيف نصار:

سُميت بحق إلى حد كبير بمرحلة الإسلام الليبرالي.

جورج قرم:

أوافق على ما ذكره علي فياض، وأعتقد أن كل التيارات الفكرية يجب أن تتواضع إلى حد ما. لم يعد هناك تيار يدّعي الشمولية بالحلول. هناك تفاعل عفوي مع مفاهيم المواطنية. هذه جميعها أشياء إيجابية. ما سيحدث مستقبلاً سيكون على قاعدة تجربة الخطأ والصواب، وأية جهة ستدعي أن لديها الحل الشمولي وأي مفكر عربي سيدعي أن لديه النظرية الجديدة لعلم السياسة العربي، أو الاقتصاد السياسي العربي، سيكون ذلك ادعاءً زائفاً. لا أخفي أن كل النماذج التي أتتنا من الغرب من هيغل إلى ماركس وفيبر، كانت نماذج تساعد على الانفتاح، ولهذا السبب في كل أعمالي انتقدت بشدة كل هذه الإشكاليات التي استوردناها وهي إشكاليات تناسب التاريخ الأوروبي ولا تناسب التاريخ العربي. وأنا مع طلابي دائماً في معركة لترك هذه النماذج وقراءة ما قاله العرب. انفتحت آفاق كبيرة جداً شرط أن نتخلص من أطروحات من يسمون بـ «المفكرين العرب» المهيمنين من خلال الإعلام والفضائيات وافتتاحيات صحافة معينة، فلقد كان لهؤلاء تأثير كبير جداً.

ذكر علي فياض ومعه حق، أن لدينا إشكالية تقوم على ثلاث ركائز: الاستبداد والتخلف والاحتلال وأضيف ركيزة ثقافة الخارج. توجد فئة من المفكرين العرب الذين يضعون اللائمة على الغرب دائماً وكان من الطبيعي عندما أتت الإدارة الأميركية المحافظة مع بوش، أن تضع كل ثقلها على العامل الداخلي.. نحن إذا كنا متخلفين فهذا لأننا متخلفون، والعالم الخارجي ليس له علاقة، ثم جاءت حركات المقاومة التي اعتبرت أن الاحتلالات هي التي تشلّ كل شيء عندنا. علينا أن نعيد التفكير بالعلاقة المعقدة بين الخارج والداخل. لقد خضنا معارك طاحنة وهذه المعارك ليست جديدة بين مفكرين عرب يضعون ثقلهم كله على الداخل وبين مفكرين آخرين يضعون الثقل على الاستعمار والخارج. علينا أن نبتعد عن هذه التبسيطات ونتجه إلى العكس، وندرس العلاقات المعقدة بين الداخل والخارج من جديد.

إن الفكر الاقتصادي عند العرب اليوم هو أكثر تخلفاً من أي منطقة أخرى في العالم، وهو متأثر بالإيديولوجيات النيوليبرالية، لأن الشباب اليوم إذا أرادوا النجاح في دراستهم في الاقتصاد مثلاً، عليهم أن يتبعوا الطريقة النيوليبرالية. يوجد غسيل دماغ وقد اختفى الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، ولا نجد أي اطلاع عند العنصر الشاب على ما قاله إبن خلدون مثلاً والذي كان اقتصادياً كبيراً.

ناصيف نصار:

الصعوبة التي ينبغي أن نشير إليها هنا هي في التفاوت في العلاقات بين المستوى الاقتصادي والمستوى الثقافي. على المستوى الاقتصادي، ما ذكره جورج قرم صحيح وواضح ويدل على قدرة الخارج ومراكز النظام الرأسمالي على التحكم بمسائل الأمور الاقتصادية في بلداننا والخارج. له قدرة كبيرة على التأثير وقد أصبحنا إلى حد كبير جزءاً من هذا النظام العالمي شئنا أم أبينا. دخلنا في إطار العولمة الاقتصادية ومفاتيحها ومحركاتها ليست في أيدينا. لكن على المستوى الثقافي الوضع مختلف، لا يوجد الارتباط نفسه بين الداخل والخارج لأنه على المستوى الثقافي لدينا مخزون كبير من التراث، وهو يُستعاد حالياً، ولم ننجح بما فيه الكفاية في تنظيم علاقتنا بهذا التراث، وعلاقتنا بالفكر الغربي كذلك هي علاقة متوترة لأننا نعتبره خزاناً للفكر الحديث والمعاصر وفي الوقت نفسه لدينا تحفظات كثيرة تجاهه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى