صفحات العالم

كيف تأكل فيلا؟ خارطة طريق لحل أزمات الشرق الأوسط

 

 

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

يعلم الجيش جنود البحرية أنّ طريقة أكل الفيل سهلة: قضمة واحدة في كل مرة.

لكن بينما تمضغ قضمتك الأولى، فلا تنشغل فقط بالمضغ. أنت تمضغ وتخطط لقضمتك الثانية في نفس الوقت.

هيا نرى أولًا حجم الفيل: تركيا وأكرادها، إيران مع البلوش والعرب، العرب مع أقلياتهم، المسلمين مع غير المسلمين، (إسرائيل) مع الفلسطينيين، الحرب الأهلية في سوريا وليبيا واليمن، الإسلام السياسي، الإرهاب، العراق، الصراع العربي الإيراني، الصراع العربي الإسرائيلي، الركود الاقتصادي، الفساد، الظلم … والقائمة تطول. إنه فيل بالفعل.

كيف يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة التعامل مع كل ذلك؟ حسنًا، قضمة واحدة في المرّة.

في الواقع، يوجد نهجان اختياريان: إمّا التعامل مع مصدر غالبية المشاكل المباشرة في المنطقة، أو التعامل مع المشاكل بذاتها، واحدة فواحدة. وهذا يعني إمّا الوصول إلى اتفاق عربي إيراني من نوعٍ ما، أو التعامل بشكل منفصل مع المشاكل في سوريا والعراق واليمن وليبيا، إلى آخر ذلك.

قبل أشهرٍ قليلة، في واشنطن وأماكن أخرى، كان هناك نقاش حول هذا الموضوع. وفشلت جهود متكررة من قبل دبلوماسيين أوروبيين وأمريكيين في محاولة لفتح القناة المسدودة للوصول إلى تسوية عربية إيرانية مؤقتة.

ثمّ كانت هناك محاولات للتوصل لتسوية في اليمن من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والوصول لحل سياسي في سوريا من الجميع تقريبًا، ولكن دون جدوى.

وبالتالي، لم ينجح أي من النهجين، تجزئة المشاكل أو التعامل معها جملةً واحدة، فماذا إذًا؟

لإجابة هذا السؤال الجوهري، يجب علينا أولًا البحث في أسباب فشل المحاولات السابقة. والسبب الرئيسي الذي يفسر ذلك هو أنّ الوسطاء كانوا منفصلين تمامًا عن القضايا التي يتعاملون بشأنها.

في حياتنا اليومية الشخصية وطريقتنا القياسية في التفكير، نفترض أنّ الوسيط يجب أن يكون «محايدًا» بين طرفي النزاع. لكن في العلاقات الدولية، لابد أن يكون الوسيط لديه نفوذ على كلا الطرفين، ومن الممكن أن يستخدم هذا النفوذ للضغط عليهما لتحقيق الأهداف إذا لزم الأمر. لكن وفوق كل شيء، على طرفي الصراع أن يعلما أنّ الوسيط لديه نفوذ عليهما يمكنه استخدامه في حالة الضرورة.

لذلك، لم تنجح محاولات الولايات المتحدة في الوصول إلى حل في سوريا لأنّ واشنطن قد اتّخذت موقفًا بعدم التدخل وتجنّب التورّط، ثم أرادت أن تشارك دبلوماسيًا، وهذه معادلة مستحيلة.

ولكن، أليست روسيا مشاركة الآن؟ فهل يمكنها لعب دور الوسيط؟ الإجابة أنّ روسيا لا ترغب في التوسط من أجل حلول سياسية في سوريا. هي ترغب فقط في التوسط من أجل شروط لاستسلام جميع جماعات المعارضة بلا استثناء والعودة بالوقت إلى سوريا ما قبل 2011. وهي مهمة مستحيلة كذلك.

وفي العلاقات الدولية، فالوسيط الذي يرغب في تجنّب الوصول إلى معادلة صفرية في القضايا التي يحاول حلّها، يتعيّن عليه امتلاك أوراق ضغط على الأطراف المتنازعة ويتعيّن عليه تحضير نهاية للعبة قابلة للتطبيق.

وبذلك، فالمحاولات السابقة، الأمريكية والروسية، للحل في سوريا، كمثال، كتب عليها الفشل من قبل أن تبدأ.

والآن، لدينا إدارة «ترامب» والتي ستتضمن أشخاص معروفين في الشرق الأوسط جيدًا. لكن، بدون قرار سياسي بالمشاركة، وبدون تركيز الضوء على أدوات الضغط، ووجود مظاهر صادقة تؤكّد النية في استخدام هذه الأدوات، ووجود خطة مقبولة وعادلة لتسوية النزاع، فلن يكون هناك وساطة ناجحة لا بين العرب والإيرانيين، ولا في ثمار صراعهم المرّة.

ومع ذلك، لا ينبغي فصل وجود مظاهر وقدرات وأدوات الضغط عن ضرورة وجود مشروع معدّ سلفًا للتعامل مع التحدّي في الشرق الأوسط. فهي ليست مظاهر عامة للقوّة. بل هي مظاهر للقوّة مجهّزة لتناسب خطوات محدّدة مقرّرة مسبقًا.

ولتوضيح هذه النقطة، إذا اتفقنا على ضرورة الحدّ من طموحات الهيمنة الإيرانية في المنطقة، والتي تمثّل العامل الأهم في التسبب بعدم الاستقرار، فالمنطق وراء حل أي أزمة إقليمية لابد أن يشمل بعدًا يستهدف وجود الحرس الثوري الإيراني في هذه الأزمة.

ويرجع سبب أهمية ذلك إلى أنّ الجرح في أي مكان بالشرق الأوسط إذا أغلق بدون تنظيفه بشكلٍ ملائم من الاستقطاب الإقليمي والطائفية والإرهاب والتدخل الخارجي، فسرعان ما ستنفجر مشكلة أخرى، مثلما رأينا في هزيمة القاعدة في العراق خلال العقد الأخير لكي نرى «داعش» تخرج من نفس المكان بعدها بسنواتٍ قليلة.

ويعني هذا أنّ أي مظهر من مظاهر القوّة يجب أن يسهم في خطة لـ«تنظيف الجرح». وإذا تمّ وقف التدّخل الإقليمي، من خلال الضغط الشديد وإظهار القوّة، سيكون التعامل مع باقي أبعاد الأزمة المنظورة أقل صعوبة.

وأحد العوامل الهامة هنا هو ما ذكرناه من قبل من ضرورة العمل على وجود توازن سياسي في السلطة في إيران. فإذا كان الهدف من الاتفاق النووي هو إحداث هذا التوازن لصالح قوى الاعتدال النسبي، فنحن نعلم جميعًا أنّ المتشدّدون قد هضموا الاتفاق، والذي كان من السهل هضمه على أي حال، وتمّ استيعابه في إطار استمرار المغامرات الإقليمية.

لذا، إذا لم يضعف الاتفاق المتشدّدين في إيران، فستكون الوسيلة المتبقية لإضعافهم إثبات فشل الحرس الثوري الإيراني لدى الإيرانيين في الشارع، وأنّهم عبء على بلادهم ونمر من ورق.

فإذا رأى معظم الإيرانيين أنّ الحرس الثوري يهدد بلادهم، ويهدر مواردها على مغامرات فاشلة ويتحرك من هزيمة لأخرى إقليميًا، فإنه سيسحب البساط من تحت أقدام المتشدّدين.

وبذلك، فإنّ مظاهر القوّة، أو حتّى استخدام القوّة، لا ينبغي أن تنفصل عن خطّة شاملة لتسوية الأزمة المنظورة على أسس طويلة المدى في حين يتم استهداف الأبعاد الإقليمية العامة التي تؤثر في هذه الأزمة كما تؤثّر في باقي الأزمات الإقليمية.

ومن اللازم دعم أي محاولة للحل في الشرق الأوسط بوجود استعداد لاستخدام القوّة وما يكفي من الحكمة لجعل استخدام القوّة حلا أخيرا. وتتطلب هذه الضرورة أن تعتزم الولايات المتّحدة التعامل مع الأزمة الإقليمية قضية فقضية، أو التعامل معها بالجملة. ونعني بالجملة، التعامل مباشرةً مع الصراع الإيراني العربي.

وإذا ما تحقّق أي نوع من التقدم في قضايا مبدئية مثل سوريا والعراق واليمن، لابد أن يستخدم هذا التقدّم في اختبار مدى قابلية العرب والإيرانيين في الحل الجدّي للمشاكل بين الجانبين. وإذا تمّ حل الأزمة السورية، على سبيل المثال، بطريقةٍ ما، يجب استغلال هذا الزخم في خلق برنامج ملائم لدفع الإيرانيين والعرب للتوصل لاتفاق إقليمي من أجل إحلال السلام للمنطقة.

بعبارةٍ أخرى، تثبت سجّلات العامين الماضيين أنّ كلا الجانبين يأمل في فوزٍ حاسم وكلاهما لديه تصوّر صفري للأهداف الخاصة. وبذلك، لا ينبغي التركيز فقط على اتباع نهج «التعامل بالجملة» فقط، بل ينبغي أن يظل طريق «الجملة» مفتوحًا كل الوقت، مع مرونة كافية للقفز إليه في أي لحظة، إذا ما سمحت الأجواء بذلك.

وعلى أمل، فإنّ التوصل لاتفاق شامل سيكون أكثر تصورًا إذا ما خرج المتشدّدون من الجانبين من المغامرات الإقليمية بلا شيء سوى الخسارة والإذلال.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز – ميدل إيست بريفينغ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى