صفحات العالم

كيف تضمن إيران صمود الأسد في سورية؟


Geneive Abdo – Foreign Affairs

قدّم النظام الإيراني للأسد المعدات التكنولوجية اللازمة لمراقبة البريد الإلكتروني والهواتف الخليوية ووسائل الإعلام الاجتماعية. وطوّرت إيران هذه الإمكانات غداة احتجاجات عام 2009 وأنفقت ملايين الدولارات لتصنيع «سلاح إلكتروني» بهدف تعقب المعارضين على الإنترنت، ويُقال إن تكنولوجيا المراقبة الإيرانية تحتل المرتبة الثانية على الأرجح بعد الصين، وقد وضعت إيران مهاراتها بمتناول سورية هذا الصيف.

يُعتبر النظام الإيراني واحداً من الحلفاء القليلين المتبقّين للرئيس السوري المحاصر بشار الأسد، فطوال سنوات، حاولت الولايات المتحدة فك الروابط بين البلدين، لكن يبدو أن الأزمة الراهنة أدت إلى توثيق العلاقة بينهما.

أوضح القائد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، أن طهران تعتبر الانتفاضة في سورية مجرّد مخطط أميركي، فقال في 30 يونيو: “في سورية، للأميركيين والإسرائيليين يد في ما يحصل حتماً”. في الوقت نفسه، حرص خامنئي على التأكيد على دعم إيران للأسد، فأضاف قائلاً: “أينما برزت حركة إسلامية وشعبية ومعادية للأميركيين، فنحن سندعمها”.

على الرغم من الخلافات الإيرانية الداخلية حول مسائل أخرى، يبدو أن بقية فئات النظام الإيراني توافق خامنئي الرأي في الشأن السوري، فقد وصف الحرس الثوري الإسلامي في إيران الانتفاضة السورية بالمؤامرة الخارجية، كذلك، صدر الموقف نفسه عن الرئيس محمود أحمدي نجاد، والقائد الأعلى، والبرلمان الذي كان يتنازع مع الحرس الثوري على السلطة في السنوات الأخيرة.

في 8 أغسطس، عمد رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي التابعة للبرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، بعد زيارته مصر، إلى تكرار موقف خامنئي نفسه، فقال: “بعد أن خسرت الولايات المتحدة مصر، ها قد استهدفت سورية”.

بالنسبة إلى إيران، تُعتبر سورية الأسد جبهة الدفاع الأساسية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن دون ولاء الأسد الموثوق، ستنهار جبهة الدفاع الثانية المتمثلة بحزب الله وحركة حماس. بحسب التقديرات الأميركية، يتلقى حزب الله إمدادات وأسلحة بقيمة 100 مليون دولار سنوياً من طهران، وهي تُنقَل عبر سورية، وبالتالي، سيصعب استعمال إيران كدولة عميلة ضد إسرائيل في حال إغلاق الحدود السورية فجأةً.

فضلاً عن ذلك، يتعاطف النظام الإيراني مع نظيره السوري تحديداً لأنه يعتبر الانتفاضة السورية مشابهة بطبيعتها لموجات الاحتجاج التي اكتسحت إيران في عامي 2009 و2010. وفق ادعاءات النظام، كانت تلك الاحتجاجات محاولة مدعومة من الولايات المتحدة لتغيير النظام، وبحسب منطق التفكير نفسه، تشكّل الاحتجاجات السورية مناورة أميركية لتدمير المحور المؤلف من إيران وسورية وحزب الله، علماً أن هذا المحور يشكّل قاعدة نفوذ إيران في المنطقة. أوضح أحمد موسوي، سفير إيران السابق في دمشق، هذا الرأي حين تحدث في الربيع الماضي وقال: “الأحداث الراهنة في سورية هي من تصميم الأعداء الخارجيين، وهي تشكّل النسخة الثانية عن الاضطرابات التي شهدتها إيران في عام 2009. يستهدف العدو أمن وسلامة سورية… المحتجون هم مرتزقة أجانب وهم يحصلون على الأوامر من العدو والصهاينة”.

لا عجب إذن في أن تتخذ إيران تدابير فاعلة لضمان بقاء الأسد في السلطة، فوفق المسؤولين الأميركيين، كانت إيران توفر الأسلحة ومعدات المراقبة والتدريب لأجهزة الأمن السورية اعتباراً من شهر أبريل. في وقت سابق من هذا الشهر، اعترضت أنقرة شحنة أسلحة كانت تتجه من طهران إلى دمشق، وهي الشحنة الثانية التي ضبطتها خلال هذا الصيف.

كذلك، قدّم النظام الإيراني للأسد المعدات التكنولوجية اللازمة لمراقبة البريد الإلكتروني والهواتف الخليوية ووسائل الإعلام الاجتماعية. طوّرت إيران هذه الإمكانات غداة احتجاجات عام 2009 وأنفقت ملايين الدولارات لتصنيع “سلاح إلكتروني” بهدف تعقب المعارضين على الإنترنت. يُقال إن تكنولوجيا المراقبة الإيرانية تدخل في خانة المعدات الأكثر تطوراً في العالم، وهي تحتل المرتبة الثانية على الأرجح بعد الصين، وبعد فترة قصيرة من وضع إيران مهاراتها بمتناول سورية هذا الصيف، رفع الأسد الضوابط المفروضة على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك للإيقاع بالمعارضين علناً.

فضلاً عن تقديم الأسلحة وأدوات المراقبة، تشير تقارير موثوقة مبنية على شهادات لاجئين سوريين إلى أن طهران أرسلت قواتها الخاصة إلى سورية لسحق الاحتجاجات. يُقال أيضاً إن عدداً من عناصر الحرس الثوري التابعين لنخبة قوة القدس حضروا إلى سورية، وذلك لتدريب القوات السورية. في 18 مايو، ذكرت وزارة الخزانة الأميركية الدور المباشر الذي لعبته قوة القدس، مع التأكيد على أن محسن شيرازي، ثالث قيادي في قوة القدس، كان يدرب أجهزة الأمن لمحاربة المحتجين.

حتى الآن، تجرأ صوت إيراني واحد على التشكيك في دعم النظام الإيراني للأسد، فقد شكك آية الله دستغيب، عضو في مجلس الخبراء ومرشد روحي للمسلمين الشيعة، في استراتيجية طهران خلال جلسته الأسبوعية لتفسير القرآن في مسجد القبة في شيراز، يوم 23 يونيو. فشدد على أن موارد إيران يجب أن تُحفَظ للإيرانيين وسأل: “أين يجب إنفاق الثروة العامة التي يمكن أن تجعل هذا البلد من أفضل دول العالم؟ هل يجب صرفها في سورية كي يتمكن النظام من قمع شعبه؟”

تردد حلفاء إيران الآخرون في المنطقة– أي تركيا وحماس– في اتباع مسار إيران، إذ تقدّر طهران قيمة تحسّن روابطها مع تركيا، وقد حصل ذلك مع وصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة. بالتالي، أرادت إيران أن تكون أنقرة ركيزة الدعم للاستراتيجية الإيرانية الإقليمية وأن تلعب أيضاً دور المحاوِر باسمها مع الولايات المتحدة. لكن مع تزايد حدة الانتقادات التي وجهها أردوغان ضد الأسد هذا الصيف، استاءت طهران من علاقتها بتركيا، حتى إن المسؤولين الإيرانيين لاموا أردوغان صراحةً على الاضطرابات الحاصلة، وتوعدوا بوقوع عواقب وخيمة إذا لم يتراجع عن موقفه. خلال الشهرين الأخيرين، رفض المسؤولون في حماس تنظيم مسيرات حاشدة في قطاع غزة دعماً للأسد، ووفق بعض المسؤولين، قطعت طهران تمويلها عن حماس منذ ذلك الحين.

إنّ فرص بقاء الأسد في السلطة هي أكبر من تلك التي حظي بها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس المصري حسني مبارك، والزعيم الليبي معمر القذافي. قد يُجبَر الأسد على تقديم بعض التنازلات للمحتجين، ولكنه لا يزال يتمتع بنفوذ كبير يحول دون تنحّيه من السلطة نهائياً، وحتى الآن، لم تحصل أي انشقاقات مهمة ضمن الجيش الذي يسيطر عليه العلويون، وهو عامل أساسي يضمن صموده، كما أن قوى الأمن التي تدرّبها إيران وتمنحها المعدات اللازمة منعت توسّع نطاق الاحتجاجات، فلم تصل إلى المستويات التي بلغتها في تونس ومصر وليبيا.

من وجهة نظر إيران، يُعتبر النضال في سبيل سورية معركة لصمود النظام، وحتى لو سقط الأسد في نهاية المطاف، فلن تقف إيران مكتوفة اليدين، بل إنها ستحاول حتماً فرض نفوذها على أي نظام لاحق.

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى