صفحات العالم

كيف سيقضي الائتلاف على «الدولة الإسلامية»؟

 

 

شارك وزراء خارجية إحدى وعشرين دولة بينها دول عربية وتركيا، في اجتماع «الائتلاف ضد تنظيم الدولة الإسلامية» الذي عقد أمس الخميس في لندن ورأسه وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند، وذلك بعد أسبوعين من الاعتداءات التي تعرّضت لها فرنسا، وهو ما اعتبر تطوّرا خطيرا جديداً في مجريات الصراع العالمي الجاري حالياً.

أجندة اللقاء المعلنة تتركز على تنسيق الحملة العسكرية المستمرة ضد التنظيم منذ آب /أغسطس الماضي وبحث آليات قطع مصادر تمويله، ولكنّ الهجمات التي شهدتها باريس أدخلت بالضرورة أولويات جديدة على خطط الائتلاف الذي تقوده واشنطن بحيث تتركز على كيفية منع المقاتلين المتطرفين الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق من العودة إلى أوروبا وتنفيذ عمليات إرهابية فيها.

قضية «العالم الحرّ» الأولى لم تعد الدفاع عن النظام العراقي الحالي الذي تتحمل أمريكا مسؤولية نشوئه، ولا حفظ ماء الوجه الدولي أمام الإبادة المنهجية التي تعرّض لها السوريون على يد النظام، وأدّت إلى استفحال أمر «التنظيم» إلى الدرجة المخيفة التي نراها، ولكنها صارت عودة حملة الجنسيات الأوروبية من إسلاميين إلى بلدانهم ونقلهم فيلم الرعب «الشرق أوسطي» إلى القارّة الراضية بأحوالها الاقتصادية والسياسية ولا تريد أن يشير أحد باللوم عليها فيما يجري في العالم.

على أكثر من صعيد سيعني ذلك ضغطاً متزايداً على تركيا، وهي البلد الذي يتحمّل عواقب اقتصادية وسياسية وأمنية كبرى جراء ما يجري في سوريا والعراق، حيث استقبل أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري، انضاف إليهم ثلاثمئة ألف من العراقيين بعد سقوط الموصل وأحداث جبل سنجار.

القيادة التركيّة أثبتت قدرة كبيرة على تحمّل الضغط الأمريكي والأوروبي، ولم يكن ذلك اجتهاداً منها بل استشرافاً للخطر الذي يمثّله حزب العمال الكردستاني على منظومتها الأمنية والسياسية، بعد أن أزعج أنقرة ارتفاع أسهمه الغربية واعتماد أوروبا له كأحد الجهات العسكرية المؤهلة لمحاربة تنظيم «الدولة»، ما أدى إلى اختفاء بطاقة «الإرهاب» التي كان يوصم بها، والتي أنتجت في مرحلة ما تعاون استخبارات العالم للقبض على زعيمه أوجلان.

النتيجة المتوقعة على هذه الجبهة هي حل وسط بحيث يساعد الأتراك في إيصال الأسلحة والرجال إلى الكردستاني وتقوم أنقرة بتشديد إجراءاتها الأمنية على الحدود السورية العراقية مقابل تعاون استخباراتي أكبر لأوروبا معها، فيما تلتزم أمريكا بتعهدها تدريب قوات المعارضة السورية،

في هذه الأثناء ستحاول كل دولة مشاركة، بحسب اقترابها من أرض الصراع وامتلاكها أوراقا عسكرية وأمنية للتلويح بها، تحويل وجهة الاجتماع للدفاع عن اجندتها الخاصة، بدءاً من حكومة حيدر العبادي الذي اكتشف بعد زيارته رئيس الوزراء البريطاني أمس أن «العراق يواجه أزمة حقيقية»، وبالحكومة الأردنية التي تنوء بدورها تحت الضغط الهائل للاجئين السوريين والعراقيين، وصولاً إلى السعودية التي تنظر برعب إلى حدودها اليمنية المتآكلة، وتصاعد النفوذ الإيراني حواليها.

قدرات واشنطن ولندن على الضبط والربط لن تخرج «الائتلاف ضد الدولة الإسلامية» من كونه تجمّعاً لدول متصارعة سياسيا، وتعاني أزمات وجودية عميقة، ينظر كل منها إلى موضوع هذا الحلف لفرض أولوياته على الآخرين.

في هذه الأثناء تفتك عوامل الاستبداد والفساد والطائفية، وهي العوامل التي وفّرت المناخ الأمثل لظهور «الدولة الإسلامية»، في عضد العراقيين والسوريين، بحيث تتحوّل غارات التحالف وخططه إلى جزء متكامل من الأوركسترا الانتقامية التي تسيطر على المنطقة.

… نراكم في الاجتماع القادم.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى