أحمد عمرصفحات الناس

كيف فتح السوريون معبراً في الأوزون؟/ أحمد عمر

 

 

كان يوماً نحساً قمطريراً، ذلك اليوم الذي ختم الأسد الأب صورته على الألف ليرة.

الحق في الغرب، والواجب كذلك، مقدّسان. ولذلك، بلغت ما بلغت من سؤدد. في أي سوبر ماركت سيعيدون لك أصغر قطعة نقدية، ويتمنون لك يوماً سعيداً، أما في المحلات والمقاهي، فينصبون للزبائن علبتين زجاجتين، واحدة للبقشيش، والثانية للتبرعات.

في سورية الأسد، اخترعت الدولة الموقرة اختراعاتٍ كثيرة في شؤون الفساد والإفساد، مثل: القطع النقدية التي ليس لها فكّة. اكتشفتها صبياً. ذهبت لأشتري بطاقة سفر، كان ثمنها 48 ليرة، ادّعى الموظف فقْدَ الفراطة، فخرجت أفكُّ عقدة الخمسين ليرة. لكن، لم يكن للقمر جيران، والمكتب في منطقة نائية، كأنه قطعة عسكرية، نظر إليَّ سائق أجرة ثم عبس وبسر، وفكّ لغز برمودا: هذه خدعة، الموظف يريد الليرتين. وكانت الليرتان تعادلان دولاراً تقريباً! هذا لكم، وهذا بقي لي، وكان أن عدت بليرتي حُنين، الحرب خدعة.

صار حُنين يذهب إلى الصيدلية، فيعيد له الصيدلي، وهو طبيبٌ آسٍ، الفراطة الباقية لصيقات جروح، أو حبّات صداع. نحن أصحاب جروح، ورؤوسنا مصدوعة دائماً. من تحكمه هذه العصابة هو في رباطٍ إلى يوم الدين. نعود من ثكنات الأفران بصداع، ومن مشاجرات جرّار الغاز بجروح، الحمد لله على كنز لصيقات الجروح، و”قطع النقد الطبية”. اشترت الزوجة حذاءً ضيقاً، فحمدنا الله على لصيقات الجروح لعرقوب القدم. لا تشترينَّ إلا أحذية ضيقة، يا حبّة التوت، حرام أن تضيع لصيقات الجروح سُدىً، سنستخدمها للزينة البشرية، للهدايا، للمقاومة، لعين الحاسد، تبلى بالعمى.

لحُنين الموظف حقوق عمالية، في السنة له “عطاء” قدره خمسة آلاف ليرة، لكن الدولة الموقّرة رأت أن تصرفها له كسوةً من شركة لها اسم مقاوم وممانع هو “وسيم”، كما في العهود الأولى من التاريخ قبل اختراع النقد. كان حُنين يعود بالأمتعة، ثم يتبرع بها للجيران، فالقياسات موحدة، كلها “إكس لارج”، والطُرز قديمة من عهد عاد وثمود والأحقاف. ثم قرأ في الشريط الإخباري، ذات مصادفة، أنّ شركة وسيم رابحة، وقد بلغ ربحها هذه السنة ما إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ.

قبل أن يفر حُنين بريشه إلى تركيا، قصد إحدى هذه الشركات، لاستلام حصته السنوية من العطاء، وكان على الموظف أن يعيد إليه الفكّة، فأخرج له علبة فاكساتور لجبر كسور خواطر العملة، فامتنع حُنين، حُنين وطني، ويتجنب إيذاء البيئة، والفاكساتور مثقبٌ ناعم للسماء المقدسة، لن يشارك في تدمير هذا السقف. أشهر الموظف في وجه حُنين تهمة الخيانة: أترفض عطاء السيد الرئيس؟ لم يكن يعرف أن الرئيس لديه معمل فاكساتور. تأخر هذه السنة، فوجد حصته فردتي جزمة، بنمرتين: واحدة 40، والثانية أكس أكس لارج. فقال للموظف: ماذا أفعل بهما؟ قال: خذهما ذكرى.

لاحقاً، بعد سنتين من الحرب التي شنّها الفاكساتور على شعبه الإرهابي، تصديقاً لشعار المقاومة والممانعة، وبحثاً عن طريق القدس، وإيماناً بمقولة “سورية الله حاميها”، خسَّ النقد، وخسَّ الأسد، وصار فأراً جائعاً على الألف ليرة، وساد البصل والنذل، وعاد الناس إلى عُمْلَة الأولين، عملة عاد وثمود، الذهب والفضة والحديد والحجارة.. وأصواع العدس والقمح والخبز اليابس.

يُقال إن بيت الفاكساتور لا يخلو من العظام، وقد طرح في الأسواق عظمتين، هما: إما الأسد، أو نحرق البلد.

تتفق كل التحليلات على أنّ الأسد الجونيور، أكس أكس لارج، تحوّل إلى عملة دولية، ويباع الآن في المزادات الدولية. السعر غير محدّد حتى الآن. لكن، من الواضح أنّ سعره باهظ وأنّ الشعب فراطة.

وكانت للموظف “الوسيم” المقاوم فراسة، فقد قُدّست الأبواط، والجزم، من أجل الأنصاب والذكرى.

إذا قدَّس النظام الأبواطَ، ارتفع سعر الطاغية، ونزل سعر الشعب… فراطة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى