صفحات الحوار

لؤي حسين: معارضة الداخل السوري تفتقر للمنابر الإعلاميّة وتعيش بظروف صعبة


كلودا المجذوب الرفاعي: ايلاف

-1-

أطلق الناشط السوري لؤي حسين تيار بناء الدولة السياسي المعارض في أيلول بمشاركة واسعة من مثقفين وناشطين سوريين. ويرى حسين أنّ معارضة الداخل تفتقر إلى المنابر الإعلاميّة كي تدافع عن وجهة نظرها بأهمية النضال السلمي، مؤكداً رفضه تدويل القضية السورية.

لؤي حسين… ناشط و كاتب سوري معارض ومؤسس دار بترا للنشر، كان أول من اعتقل من المعارضين السوريين بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا، حيث اعتقل في 22 آذار (مارس) الماضي بعد أن طرح بياناً للتضامن مع أهالي درعا في الحق بالتظاهر السلمي وحرية التعبير.

استمر في نشاطه المعارض بعد إطلاق سراحه، ونجح في حزيران (يونيو) بتنظيم أول مؤتمر للمعارضة في سوريا، والذي عرف بمؤتمر سميراميس. أطلق في أيلول (سبتمبر) تيار بناء الدولة السياسي من دمشق بمشاركة واسعة من مثقفين و ناشطين سوريين.

ولد عام 1960 في دمشق وتدرّج في مدارسها إلى أن انتسب إلى جامعة دمشق ـ قسم الفلسفة. لم تمكنّه الضغوط الأمنية من إكمال دراسة الفلسفة، حيث تم اعتقاله وهو طالب جامعي في السنة الرابعة في صيف عام 1984 على خلفيّة نشاطه السياسي وانتمائه إلى حزب شيوعي معارض (حزب العمل الشيوعي)، علماً أنه انسحب منه في فترة لاحقة، وليبقى سبع سنوات في السجن من دون محاكمة. وأطلق سراحه عام 1991.

لؤي حسين يرأس هذا التيار المعارض للنظام من الداخل، وله رؤية خاصة في الأزمة السورية الراهنة، حاورته حولها “إيلاف”:

أستاذ لؤي، ما هي أهم المبادئ والأفكار التي يدعو إليها تيار بناء الدولة السورية الذي ترأسونه؟

يعتبر تيار بناء الدولة السورية أن من حق السوريين أن يعيشوا في دولة حديثة بمعنى أنها تقوم على أسس المواطنة والعلمانية، من حيث إنها تحترم العقائد والأديان ولا تنبذها، وبالتالي لا بد لهذه الدولة أن تكون ديمقراطية، أي أن يختار السوريون بمحض إرادتهم الحرة قادتهم وممثليهم على جميع المستويات بدءاً من لجان الأحياء وانتهاء برئاسة البلاد.

تيار بناء الدولة السورية ينطلق من هذه الفكرة ليقيس نشاطه السياسي والمدني الحالي، فكل إجراء يقوم به الآن يقيسه إن كان سيخدم تلك الرؤية لبناء دولة ديمقراطية علمانية، فالتيار لا يمحور الصراع حول مفهوم إسقاط السلطة، بل يعتبر أن إسقاط السلطة إنما لكونها عقبة أمام بناء دولة ديمقراطية تعددية، فلا بد من إنهاء هذا النظام حتى يتمكن السوريون من إقامة دولتهم الديمقراطية على عقد اجتماعي جديد، تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في البلاد.

ربما يكون تيار بناء الدولة قد تأسس على إرث مؤتمر فندق (سمير أميس) الذي يمكن اعتباره أول مؤتمر لشخصيات معارضة في البلاد منذ أربعة عقود، الذي اعتبر أن هذا النظام لا بد من إنهائه، وأن الانتفاضة السورية هي انتفاضة محقة، وأنه يدعمها بغض النظر إن توافق مع المتظاهرين على شعاراتهم أم لا، إذ إن حقهم بالتظاهر محفوظ بمعزل عن ذلك.

ما يميز تيار بناء الدولة السورية أنه سعى إلى تأسيس فكرة أنه علينا نزع شوكنا بأيدينا، بمعنى أنه رافض تدويل القضية السورية، وأن سلمية النضال هي أساس لا نحيد عنه، فالسلمية هي قيمة وليست فقط مجرد وسيلة، يمكن استبدالها إن أخفقت في الوصول إلى غايتها بالعنف.

أنتم كمعارضة في الداخل لديكم ظروفكم وضغوطاتكم المختلفة عن معارضة الخارج، ما هي أهم هذه الظروف والضغوط التي تعملون فيها؟

أعتقد أن هناك فروقاً كبيرة في الظروف التي يعيشها المعارضون في الداخل عنها في الخارج، ليس فقط على الصعيد الأمني والتعرض للضغوط والمخاطر الأمنية، وإنما لأنهم يعيشون ظروف أبناء شعبهم نفسها، بمعنى أن الضائقة الاقتصادية التي تلمّ الآن بجميع أبناء الشعب السوري، من ندرة الوقود وانقطاع الكهرباء وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، يعيشها معارضو الداخل.

ولكن من ناحية أخرى، معارضو الداخل يتمكنون من تلمّس ردود أفعال الناس على ما يفعلونه مباشرة، بخلاف معارضي الخارج، فضلاً عن أن ظروف معارضي الداخل صعبة، فهم يعملون بالحد الأدنى من الإمكانيات المالية أو الإعلامية، وليس لديهم منابر إعلامية على الإطلاق، وهو ما يقوي مواقف معارضي الخارج بسبب توفر هذه الميزة لهم.

أعتقد أن مسألة “النضال العنفي” طغى على نظيره السلمي بسبب الإعلام الذي سيطر عليه العديد من الأشخاص الذين يدفعون باتجاه العنف، بينما لم يتسن لمعارضي الداخل المنابر الإعلامية كي يدافعوا عن وجهة نظرهم بالنضال السلمي.

ما أهم الفروق والتمايزات، برأيكم، بين تيارات المعارضة الداخلية، وهل حقاً أن الظرف المكاني، والدعوة إلى التدخل العسكري الخارجي، هو ما يميز معارضة الخارج عن الداخل؟

تيارات المعارضة في الداخل تتمايز بأكثر من جانب، وهذا أمر طبيعي جداً كي تكون لدينا حياة سياسية، فهي تتمايز بقدمها أو بجدتها أو بآرائها وتوجهاتها.

ليست الدعوة إلى التدخل العسكري الخارجي هو الفارق الرئيس بين معارضة الداخل والخارج، وإنما هو فكرة الاستعانة بالآخر لتحقيق الأهداف، فمعارضة الخارج منذ البداية تعول على أي فعل أو مساعدة من الدول الخارجية، بينما معارضو الداخل كانوا يعتدون بنضالهم وكانوا دوماً يأخذون حقوقهم بأيديهم، ولو بمساعدة خارجية، بالاعتماد على فعلهم واشتغالهم، إلى أن وصل الأمر بمعارضي الخارج إلى الدعوة إلى التدخل العسكري الخارجي، وتسليح الانتفاضة.

من وجهة نظري، لا يحق لأي سوري خارج البلاد أن يدعو لأي تدخل عسكري خارجي أو إلى أي عقوبات اقتصادية تطال الجميع، وأن يتحكم بمصير حياتهم وهو خارج البلاد.

 هل تم الترخيص لتيار بناء الدولة السورية كحزب سياسي أم ليس بعد؟

التيار لم يطلب أصلاً الترخيص لا كحزب ولا كتيار سياسي، استناداً إلى أن قانون الأحزاب صدر خلال هذا الصراع واستأثرت فيه السلطة من دون مشورة قوى المعارضة والقوى الفاعلة، وبالتالي نحن نعتبر هذا القانون ليس مرجعاً للعمل السياسي، وإنما ينظم عمل الأحزاب، ونحن الآن في طور عمل سياسي فقانون الأحزاب ينظم عمل القوى التي تريد المشاركة في الانتخابات وتريد فتح حسابات بنكية وتصدر مطبوعات ما إلى ذلك، أما النشاط السياسي فهذا حق يجب أن يكون مصاناً، ولا يحق لأي قانون أن يمنعنا من النشاط السياسي إطلاقاً.

-2-

في الجزء الثاني من حواره مع “إيلاف” يقول الناشط السوري لؤي حسين إنه يرفض مهاجمة الحواجز الأمنية والقوات النظامية معبراً عن خشيته أن يتحول الحراك الشعبي من ثورة إلى مجرد انقلاب على السلطة.

تيار بناء الدولة السورية، وكما يعرف عن نفسه، تيار سياسي اتفق على تشكيله مجموعة من السوريين لا يشتركون بالضرورة بخلفية نظرية أو أيديولوجية واحدة، وإنما يتفقون على الوثائق التأسيسية التي صدرت مع إطلاق التيار، والتي تلخص موقفهم من الصراع السياسي الدائر في البلاد، وتوضح رؤية التيار المستقبلية لسوريا كدولة ديمقراطية مدنية محايدة تجاه أي أيديولوجيا أو عقيدة، وتقوم على مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين السوريين جميعاً بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو دينهم أو طائفتهم أو ثقافتهم، أي دولة مبنية على أساس عقد اجتماعي جديد يصوغه جميع السوريون بإرادتهم الحرة، ولتكون دولة تتفادى بقوانينها إعادة انتاج نظام استبدادي كالذي يحكم سوريا الآن.

 فالتيار يرى النظام الإستبدادي الحالي بحكم المنتهي تاريخياً، ويرفض فكرة إصلاحه والتي يعتبرها محاولة لتكريسه وتقويته. ومن هنا تنبع رؤيته بضرورة اتخاذ جميع الخطوات السياسية لتفكيك هذا النظام بهدف إزالته لبناء دولة ديمقراطية مدنية على أنقاضه.

التيار ليس مجرد ائتلاف مرهون بحال الصراع السياسي الدائر الآن على إزالة النظام الاستبدادي والانتقال إلى الدولة الديمقراطية المنشودة، بل يعمل على بناء سوريا المستقبل التي يكون فيها الجميع منتصريين من دون وجود خاسرين. أي أن مهام التيار لا تنتهي بسقوط النظام الحالي. كما أنه ليس تعبيراً عن فئة من السوريين دون أخرى، لتقديره أن سوريا المستقبل هي لجميع السوريين من دون استثناء.

أستاذ لؤي، مع اقتراب الحراك الشعبي في سوريا عامه الأول، كيف تنظرون إلى الحراك الشعبي السوري ومآلاته مع عدم وضوح أي أفق سياسي؟

أعتقد أنه بعد عام تقريباً على انطلاق الحراك الاحتجاجي في البلاد، أنه بدأ يأخذ وجهاً آخر، فقسم كبير من شبابه الأولين الذين كانوا قبل شهر رمضان الفائت ليسوا في الشارع بسبب اعتقالهم أو اغتيالهم أو هروبهم خارج البلاد نتيجة الملاحقات الأمنية، وبالتالي الحراك الشعبي بدأ يتراجع إلى حراك مسلح لا يمكن لأحد أن يعرف إلى أي حد يمكن أن يعكس الإرادة الشعبية، ونحن الآن أمام تغير خطير أمام مسار تحرك هذا الحراك الشعبي باتجاه خطاب عنفي يعتمد التسلح، واختزال كل هذا النضال عبر الشهور السابقة بمجرد إسقاط النظام، وقادة الشارع الحاليين لم يعودوا يهتمون بحمل شعارات جامعة لكل السورييين، وأغلب الشعارات المطروحة هي شعارات مفرقة كالحظر الجوي والتدخل العسكري والحماية الدولية للمدنيين وإعدام الرئيس.

أنا أخشى أن يفشل هذا الحراك ليس في إسقاط النظام بل في الانتقال إلى مرحلة تتسم باحترام أبناء الوطن بعضهم وبالحرية للجميع وخاصة حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي المدني، وأن يتحول الحراك من ثورة إلى مجرد انقلاب على السلطة.

كيف تنظرون إلى المجلس الوطني السوري ومساعيه لتوحيد المعارضة تحت لواء كيان سياسي موحد؟

أرفض الإجابة عن هذا السؤال!؟

ما موقفكم من حقوق الأقليات العرقية (وبالذات الأكراد) والدينية، وكيف تتعاملون مع حساسية هذا الملف في ظل التركيبة العرقية والدينية المعقدة في سوريا؟

بالنسبة لي سوف أجيب بشكل شخصي؛ كون التيار لم يضع ورقة توضح موقفه من هذه المسألة المعقدة، من وجهة نظري أن المجتمع السوري يتكون من مكونات مجتمعية مختلفة لا يحق لأي مجموعة أو مكون أن يفرض أيديولوجيته أو سيطرته السياسية على الغير، لا بحجة الكثرة أو القوة، فالمجتمع السوري مجموعة من المكونات يجب العمل على أن تحرم بعضها، والأهم من ذلك أن تتعامل الدولة على قدم المساواة، فلا تمييز بين بين مواطن وآخر، وعلينا الإقرار والاعتراف بهذه المكونات مهما كانت صبغتها العرقية أو الدينية، وبحقوقها الثقافية كاملة والتي لا تتخطى سقف الدستور، ولا يجوز الاعتراف بمجموعة تتوسل العنف.

بالنسبة للأكراد، هم يسمون “المسألة الكردية” “بالقضية الكردية”، وأنا أعتقد أن هناك مسألة كردية لا بد من معالجتها، وهي الغبن الثقافي والسياسي والإنساني الذي طاول الكرد السوريين طيلة عقود مضت، وأظهرت المسألة الكردية وكأنها “قضية”، وهي مجرد انتهاكات سلطوية بتمييزهم عن العرب وتهميشهم السياسي، وهو ما عانى منه السوريون جميعاً، لكن الأكراد عانوا أكثر من غيرهم من الاضطهاد والإقصاء السياسي، ولا بد لنا كسوريين أن نعتذر لبعضنا جميعاً عن هذا الغبن الذي طال الأكراد وغيرهم من المجموعات، وتشكيل عقد اجتماعي جديد يقوم على أرضية الاحترام والمساواة .

ما موقفكم من الجيش السوري الحر وعملياته العسكرية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة؟

الجيش السوري الحر مسألة إشكالية سياسية حساسة، نحن لا نشجع نشاطات الجيش السوري الحر العنفية، خاصة تلك العمليات الهجومية التي يقوم بها بعض عناصره أو المنتسبين إليه، كمهاجمة الحواجز الأمنية وسيارات المبيت العسكرية.

لقد ساهم وجود الجيش السوري الحر في تلطي كثير من الجماعات المسلحة تحت لوائه وتشتغل على هواها. واستناداً إلى مسارنا الرافض للعنف لا نرضى عن وجود الجيش السوري الحر كقوة مسلحة تهاجم القوات النظامية.

 هل لديكم في تيار بناء الدولة السورية رؤية أو خارطة طريق للخروج بالبلاد من المأزق والأزمة الراهنة؟

نحن في تيار بناء الدولة السورية قدمنا أكثر من مرة بعض الرؤى للخروج بالبلاد من المأزق الراهن، وساهمنا مراراً في نشاط جامعة الدول العربية، إن كان في مبادرتها الأولى أو الثانية، أو في بعثة المراقبين التي أرسلت إلى البلاد، لكن نحن نعتقد أنه هناك الآن قاعدة أساسية يجب أن نعمل عليها جميعاً كخارطة طريق مفصلة، فنحن نرى أنه في لحظة الاستعصاء السياسي الراهنة لا بد من حل يقوم على أساس الخيار التفاوضي بين جميع الأطراف تحت عنوان الاتفاق على مرحلة انتقالية يشارك فيها جميع القوى السياسية الفاعلة في الساحة السورية، تقودها هيئة سياسية مختارة من هذه القوى، ولا تقودها السلطة الحالية، وتكون مهمتها تهيئة البلاد سياسياً وأمنياً لإجراء انتخابات تقبل بها جميع الأطراف، حينها يمكن الاعتراف بشرعية السلطات التي تنجم عن صناديق الاقتراع.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى