راشد عيسىصفحات الناس

لاجئون سوريون «يتحدّون» مهناً جديدة

 

 

باريس – راشد عيسى

من بين تحديات ومصاعب كثيرة يواجها لاجئون سوريون، تحدي المهنة الجديدة. فهناك مهن لا سوق لها أو حياة خارج بلدها، حيث يحاولون العيش والاندماج، وحيث لم تعد تنفع كل خبراتهم السابقة، أو أنها تتطلّب الحصول على شهادات أكاديمية صادرة عن البلد الجديد. وفي كل الأحوال يحتاج معظم المهن إلى إتقان كبير للغة البلد، ما يتطلّب وقتاً طويلاً.

لكن مع لاجئة سورية مثل عبير جسومة التي كانت تعمل مدرّسة للغة الفرنسية في إحدى ثانويات بلدة داريا، يبدو أن اختصاصها بالذات كان هو المشكلة. فماذا تفعل بتلك اللغة في فرنسا؟ لقد عملت لعام كامل في تعليمها للاجئين، ثم حاولت تعليم اللغة العربية ولم تكن المنطقة التي تسكنها في حاجة لذلك. قررت أخيراً أن تعود إلى الجهة المختصة بالبحث عن عمل، عرضوا عليها أعمالاً من قبيل مرافقة كبار السن وتنظيف البيوت والسكرتاريا، إلى جانب مهن في مجال الصناعة.

انخرطت جسومة في دورة تدريبية للتعرّف أولاً على بعض المهن الصناعية، فاختارت مهنة لحام الحديد. تقول إنها وجدتها، على رغم قسوتها، مهنة مطلوبة، وقد سهّل إتقانها الفرنسية انخراطها في مجالها الجديد. تقول: «أنا عنيدة بما يكفي. لقد تعايشت 5 سنوات مع الحرب في سورية». وتضيف: «مهنة تحتاج إلى كثير من الصبر والتركيز، لكنني تعلمت أن الشغل بالحديد أحسن من الشغل بالإنسان».

لم يكن سهلاً الحديث إلى عبير عن خيارها الجديد، كانت مترددة على الدوام في الكلام عن تجربتها لأنها تخشى أن يبدو في اختيارها وكلامها أي استعراض أو تبجّح «يمكن لأنو خياري صير متل (أن أصبح مثل) كل الناس. كان عندي رغبة كبيرة إني إرجع حسّ (أشعر) حالي متل كل الناس… ضِيع بالعجقة (الزحمة) وما حدا يقول عني شي».

الفنان التشكيلي منيف عجاج يقول إنه مستمر في مهنته القديمة، في عمله الفني، لكن هذا تقريباً بلا مردود. لذا اختار أعمالاً موسمية في بلدته الزراعية (جنوب غربي فرنسا)، كالعمل في قطف التفاح، وبعض الزراعات الصيفية «فهذا يساعدني على الاستمرار في عملي كفنان»، العمل الذي قاده إلى شغف آخر «صرت مهووساً بالجرارات الزراعية وإصلاح الأدوات المتعلّقة بالفلاحة (الحراثة)».

هنا ينبش اللاجئون ذاكرتهم مع المهن، فلا بد للمرء من أن يكون سلك دروباً عدة حتى وصل إلى مهنته الأخيرة، لا بدّ ليديه أن تستعيدا ذكرى مهنة سابقة. وهنا أيضاً دور كبير لقواعد التحفيز وتنمية الموارد البشرية في حض اللاجئ على البحث عن المهنة الأحب، أو المهنة الممكنة.

عبدالله الولي فلسطيني سوري، عمل سابقاً كتاجر، لكنه لا يستطيع العمل في هذه المهنة في السويد، ربما لأن الحرب السورية بدّدت كل ما يملك، إضافة إلى ما تطلبته رحلته مع أبنائه للوصول إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا. يعمل الآن كمنقذ في مسبح، وهذه واحدة من مهن عدة عمل بها سابقاً، كما قال، وهو لا يزال يخضع للتدريب والتجربة في هذه الوظيفة، ويقول إن مبادرته في إنقاذ سيدة في المسبح، أظهرت للمشرفين مهارته في هذا العمل، هو أقرب الآن لاستئناف هذه المهنة القديمة، بعد انقضاء فترة التدريب.

لكن الولي يشير في المقابل إلى 34 طبيباً كانوا معه على متن القارب ذاته، لم يعمل منهم إلى الآن سوى طبيب واحد، بسبب الإجراءات والشهادات المطلوبة، وكل ذلك محكوم ببيروقراطية بطيئة لا ترحم. فهل يمكن لطبيب العثور على مهنة بديلة؟

عساف العساف (طبيب أسنان) قال: «وصلت إلى ألمانيا منذ عامين، ولم أمارس مهنتي الأصلية حتى الآن. بدأت بتعلّم اللغة، وأنا الآن في منتصف الطريق لإنجاز الخطوة الأولى في طريق عودتي إلى المهنة، بعد ذلك سيتعيّن عليّ استخراج ترخيص مزاولتها، والبحث عن فرصة عمل بصفة طبيب متدرّب أو مساعد (هذا القانون يسري على الجميع بما فيهم الأطباء الألمان). يبدو الأمر واعداً حتى الآن، فهناك فرص عمل كثيرة لأطباء الأسنان إن نجحوا في اجتياز عدد من الإجراءات».

ويضيف العساف: «شخصياً أفكّر وأعمل لإنجاز ما هو مطلوب منّي بسرعة للعودة إلى ممارسة المهنة، فهي تبدو المجال الأفضل للعمل على رغم الطريق الطويلة الذي قد تستغرق سنوات، فلا خيارات أخرى معقولة».

لكن بالنسبة للباحث السوري إيلاف فايز القداح، فإن الأمر لا يتعلّق بالإجراءات، فـ «لا مهن للاجئين في أوروبا سوى العمل كخدم لدى أبناء الطبقات البورجوازية الأوروبية. هنا في فرنسا، لن يسمحوا لك بأعمال مكتبية مريحة إلا ما ندر، على رغم كل ما تملكه من خبرات، فهي حكر على طبقة فرنسية».

ليس من السهل على كل أصحاب المهن تبديل مهنهم، فقد يكون أسهل إن كان المرء عاملاً أو موظفاً عادياً، لكن الأمر مختلف بالنسبة لطبيب أو كاتب أو صحافي أو ممثل، كرغد مخلوف التي وصلت أخيراً إلى الولايات المتحدة، وتعيش فيها كلاجئة.

تجد مخلوف نفسها وكأنها تبدأ من الصفر، وتقول: «أحتاج إلى وقت طويل كي أتعرّف على الناس والمفاتيح. وحتى اللغة، لا يكفي أن تتقنها، فعلى الممثل أن يفكر باللغة ذاتها، وهذا يتطلب وقتاً». تضيف: «صعب على الممثل أن يتحوّل إلى مهنة ثانية، إلى جانب صعوبة ذلك لمن في سنّي (٣٥ سنة)، ناهيك عن أن التخلّي يعني لي الفشل أو الاستسلام».

صعوبات كبيرة تواجهها الممثلة السورية اللاجئة في أميركا، إذ «في هذه البلاد هم في مكان آخر بكل شيء، إلى حد يجعل من أهم الإنجازات في بلادنا عادياً». لذا، تقول: «أبذل جهداً مضاعفاً. أحاول أن أسبق الزمن».

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى