صفحات سوريةعزيز تبسي

لاخيارت لبابا نويل في بلاد البعث!!

 

عزيز تبسي

-1-

ليس أمام المحقق ومساعدوه عديمي الضمير هذه المرة،بل أمام الأولاد الذابلين كورود جف ماؤها ،وتحللت أملاح تربتها الحنون.يسألون عن العتمة والبرد وألبسة الصوف الثقيلة والأحذية التي تمنع وصول المياه إلى أصابع القدمين،والرغيف المنفوخ كطبل وحساء العدس الحار،وعن الدور المتبقي للعشر ليرات في دحر غائلة الجوع،وعن أقصر الطرق للوصول إلى المدرسة،وأيسر الدروب لملاقاة الحرية المنتظرة منذ قرون،في رحاب سهل أخضر،لا على حافة هاوية الشقاق الأهلي المدمر،ولا ينسوا الإستفسار عن أهمية بابا نويل في بلاد البعث.

ومن مكان آخر يهرول كجرو جائع الرجل حاملاً سؤاله الفلسفي إياه:ها..إن لم أنجح ألا أرسب؟!

-إطمئن لن ترسب،بل ستترسب في القاع الدهري،حيث يحتفل بك دود التاريخ وحشراته.

لكنه يرمي السؤال ويمضي،ولن يتسلق بقدميه الحافيتين جذع شجرة التوت،بل سلم السلطة الرخامي،ويحيّ بطريقة إحتفظ بها من الطفولة،حين كان يبعد الذباب عن وجهه،أعوانه المصطفين على الطرفين بإستقامة أشجار سرو،أو شاخصات مرورية.

كل شيء قابل للإحتراق سيحترق،لإستدراج الدفء إلى أكوام اللحوم الإنسانية المثلجة،أعمدة الهاتف/مقاعد المدارس التي تحتضن النازحين/الكتب الثقيلة/الأثاث المنزلي المنهوب/دواليب السيارات/والأهم من كل ماذكر:الماضي الإستبدادي الثقيل،وكتاب القواعد الذي يضم أحرف جر عربته المترنحة.

ويسأل متذكراً مدائح أبا الطيب المتنبي لسيف الدولة:أما زال سيف علي دون عرضه مسلول؟

لا نعرف أين موقع علي الآن وفي هذا الصراع السياسي،ما نعرفه أن الطغمة العسكرية بسماتها الشيطانية،تريد من الناس أن يقتبسوا مسالك الملائكة ويتزيوا بأزيائهم.

-2-

تأخر الثوار أكثر مما يجب،في وضع الحذاء في الفم الفاشي الذي لا يتوقف عن الكذب الهاذي،يقول للأكراد والأرمن:الأتراك قادمون،وللأقليات الدينية من مسيحيين وعلويين وإسماعليين ودروز:المتطرفون الإسلاميون آتون لا ريب ،ليدمروا معابدكم ويستبيحوا أملاككم ونساؤكم،ويقول للأغلبية السنية العربية المدينية:سيأتيكم الفلاحون القساة الأميين الأجلاف لينتزعوا مصانعكم وخاناتكم،ويقول لأهل الرقة إحذروا أهل دير الزور،ولأهل سلمية إحذروا البدو،وللبدو إحذروا الشوايا……..ولأهل سوريا:إحذروا الكيماوي.

وفي غمرة هذا الهذاء،ألم يخطر ذاك السؤال في ذهن المهددين بالحملة الأيديولوجية الترويعية،وماذا عن الشبيحة والعشائر التي تسلحها بسلاح الجيش والأفرع الأمنية،وعتاة المجرمين المكرمين بسلسلة من مراسيم العفو الرئاسية العلنية والسرية،والمقذوفين بالأسلحة وجرعات حبوب الهلوسة في الطرقات العامة وبين تجمعات أولاد المدارس والساحات العامة والأسواق الرئيسية ومفارق الطرقات…

تأخر الثوار في وضع الحذاء في هذا الفم الفاشي الذي ينخر منذ نصف قرن كمرحاض مسدود،أو،إن هذا الفم أوسع من إمكانات مصنع أحذية!!

ولماذا لم يستبدل الفاشيون الكيماوي الذي إكتشفوا أهميته أخيراً،بخلائط سكرية ملونة،كما كانوا يفعلون مع مرضى السرطان في مشفى المجتهد على سبيل المثال،بعد أن باعوا جرعات الدواء الحقيقية بأضعاف سعرها للمرضى المقتدرين أو هربونه إلى دول الجوار.

-3-

وأخيراً يتذكر الفاشيون،الحوار بجزرته وعصاه!!

لكن هل بقي متسع من الوقت للحوار ،هناك حوارات مجدية وضرورية،وينبغي الركض نحوها والسعي لفتح نوافذها وتسلق أسوارها وقرع أبوابها.

بعد أكثر من خمسين ألف شهيد وثق قتله الناشطون في المنظمات الحقوقية،وربما هناك بقدر عددهم أو يزيد،لم تتثنى الشروط لتوثيقه،وهناك آلاف المخطوفين والمفقودين،وهناك آلاف الجرحى والمصابين بأذيات تمنعهم من إستكمال الحياة بشكل طبيعي،وهناك آلاف المعتقلين وعشرات ألوف النازحين والمهجرين….أرقام صلبة لاتحتمل التبدد والمقامرة،وهناك التدمير المتعمد لأسس الحياة الآدمية البيوت المسّوات بالأرض والمزارع المصانع المحروقة والمسروقة،وهناك الأذيات النفسية والوجدانية العميقة…هذا في عصر الإنتفاضة الشعبية الثورية،وقبله ماض ثقيل يمتد لنصف قرن،عبرت من خلاله كل أنماط هزليات الحوارات الجدباء.

قد تكون الحوارات مجدية لإلغاء كمية الزئبق التي تخلط بالأطعمة التي يرمى بها للأسماك والدجاج في المنشآت الحكومية،ومخاطر هذا النمط من التغذية على النوع البشري.ومجدية كذلك لتبيان أن الذباب البيروقراطي لاينتج عسلاً،بل يسرقه ويأكله بعيداً عن أعين النحلات العاملات ولسعات إبرها.ومجدية حين تبين عدم أهمية التبقعات الهيغلية على الثوب الماركسي المتين،أما حين تجالس فاشياً لا ينبغي التفكير بالحوار معه على الإطلاق،بل بأقصر الطرق للفرار من وجهه،إن لم تحسم بعد القرار بقتله.

عزيز تبسي حلب كانون الأول2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى