إيلي عبدوصفحات سورية

لالمعارضة السورية بين “المظلومية” و “الصدّامية”/ إيلي عبدو

ترتفع جرعة المظلومية في خطاب «الإئتلاف الوطني المعارض» كلما أراد أن يدعو الدول العربية لدعمه ومساعدته على إسقاط النظام المستبد. هذه الجرعة التي تستبطن في ظاهرها نزوعاً إنسانياً لكشف هول المأساة السورية، ولفت انتباه العالم إليها، تحمل في عمقها استسلاماً وعجزاً.

التركيز على ما هو إنساني وتحويله إلى خطاب يتخذ من موقع الضحية منطلقاً له يكشف فراغاً مخيفاً في السياسة، خصوصاً أن المعارضة ممثلة بالإئتلاف لم تعد تملك أي قدرة على صناعة مبادرات جديدة تدفع باتجاه اضعاف النظام وإسقاطه، بعدما باتت أكثر ارتباطاً بالتحالفات الداعمة لها. وهذا يجعل القرار السوري المعارض جزءاً من قرار أوسع تتخذه الجهة العربية الأكثر نفوذاً داخل «الإئتلاف الوطني».

بمعنى آخر، يبدو دور المعارضة معطلاً من الناحية السياسية بفعل موقعها السلبي داخل التحالفات والمحاور الداعمة للثورة، سيما أنه لم يجر وضع شروط واضحة للتعامل مع الدول الحليفة تتيح الاحتفاظ بهامش للمناورة وتحسن التفاعل مع المتناقضات والتلاعب بأطرافها. بدل أن تعمل المعارضة على إعادة تفعيل دورها السياسي آخذة في الاعتبار حلفاءها وخصومها، انشغلت بتعداد مجازر النظام ومساوئه التي يعرفها العالم جيداً. فكأن الخطاب الانساني – المظلومي يملأ فراغ الدور السياسي المعدوم ويبدد أي فرصة لوضع استراتيجيات مختلفة.

ثم إن الخطاب المظلوماتي غالباً ما يأتي مصحوباً بتخويف الدول العربية، سيما الخليجية، من خطر الغزو الإيراني الذي سيصل إليها، في ما لو تمكن الإيرانيون من إجهاض الثورة السورية. فلا يجد قادة الإئتلاف أيّ حرجٍ أن يقولوا للعرب: نحن نقاتل عنكم ودفاعاً عن مصالحكم ومستقبل دولكم، من دون أن ينتبهوا إلى أنهم بذلك يجردون الثورة من هويتها السورية ويحولونها وظيفة إقليمية غايتها صدّ العدوان الإيراني عن العرب.

وإذا صح أن موقع الثورة يندرج في شكل طبيعي في محور معادٍ لإيران التي تتحالف بدورها مع نظام الأسد وتدعمه بالسلاح والمال والسياسة، فصحيح أيضاً أن هذا الموقع نتاج تفاعلات إقليمية ودولية ولا صلة له بهوية الثورة وطروحاتها التحررية. والأكيد أن الشعب السوري لم ينتفض على نظامه الذي حوّل البلاد إلى وظيفة إقليمية عبر زجها بمحور المقاومة والممانعة، ليجد نفسه وقوداً لوظيفة جديدة تتموضع في المحور المضاد.

ذلك كله يعني أننا حيال إفلاس سياسي في خطاب المعارضة، يتبدّى تارة في سردية مظلوماتية تذكر بجرائم النظام ضد الشعب وطوراً في إغراء العرب بلعب دور وظائفي ضد إيران. وإذا كان السلوك الأول يذكر ببدايات الثورة الفلسطينية وندبها المتواصل لاستدرار تعاطف العالم، فالثاني يذكر بدور الديكتاتور الراحل صدام حسين الذي كان يبتزّ الدول العربية دائماً باعتباره «حارس البوابة الشرقية» ضد الخطر الإيراني. ومن دون تردد فالمثالان يتساويان في السوء: يؤخران إسقاط النظام، ويفاقمان محنة الشعب السوري.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى