صفحات الحوار

لا إكراه في الدين وصيانة الحرية الدينية مطلب إسلامي

 

عبد الرحمن حللي: ليس صحيحاً أن آية السيف نسخت آيات العفو والتسامح والحوار

وحيد تاجا

اكد الباحث الإسلامي السوري عبد الرحمن حللي – أستاذ التفسير بجامعة دمشق – استحالة وجود النسخ بين آيات القتال وآيات الصفح والعفو والحوار، لكون موضوع الآيات المدعى نسخها يرتبط بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم التي أدبه الله بها، وكذلك هي صفات أخلاق الأنبياء والتي ينبغي أن يتصف بها الدعاة، التي لا تسمح بهذه الازدواجية فثمة تلازم بين العقيدة والأخلاق.

ووضح أنه سيكون من قبيل الخداع والمواربة تأصيل الحرية بمعناها الحديث (الفلسفي والغربي) من خلال القرآن الكريم.. وانتقد بشدة القائلين بأن الدين الإسلامي لم يبح فعلا حرية التعبد، والاعتقاد وحرية الدعوة لغير المسلمين، كما انتقد أولئك الذين يقولون: «إن كلمة الكفر تستحق أن يقتل صاحبها.. والكافر في الإسلام لا يستحق الحياة»، داعيا إلى تصفح السيرة النبوية والنصوص، والإجابة عن حق الحياة الذي تمتع به المشركون بعد فتح مكة، والتواصل الثقافي بين المسلمين وأهل الكتاب في عهد الصحابة والتابعين.

{ بداية ما هو مفهومكم للحرية من منطلق قرآني؟

^ سيكون من قبيل الخداع والمواربة تأصيل الحرية بمعناها الحديث (الفلسفي والغربي) من خلال القرآن فذلك إسقاط وتكلف لا يضيف قيمة معرفية، كما أنه من الأمور الجلية تاريخيّا أن الحرية بمعناها الحديث شيء تعرف عليه المسلمون حديثا، وصدموا به في سياق ما بهرهم في الغرب عند اتصالهم به في مرحلة ما يسمى عصر النهضة.

وبالتالي فينبغي الحديث عن الحرية في سياقها الإسلامي المعاصر من منظور قيمي وحضاري مجرد، بعد تجريدها من حملها السياسي والفلسفي والحداثي.

ومن منطلق قرآني سيجد المتدبر للقرآن أن أقرب ما نستطيع تلمس مفهوم الحرية فيه هو معنى الاختيار والإرادة كشرط جعله الله أساسا للتكليف، لذلك كان من أهم مصاديق الجدل التاريخي حول موضوع الحرية هو الحديث عن المشيئة والاختيار والقدر في علم الكلام، ذلك الموضوع الذي لم ينفصل عن البعد السياسي لمسألة الحرية، لا سيما في مناقشة مسألة القدر.

وبالعودة إلى القرآن نجد معنى الاختيار الإنساني حقيقة مقررة، سواء بالمعنى الوجودي المتعلق بالإنسان كفرد، أو بالمعنى القانوني كشأن يخص الحقوق ويبنى عليه التكليف.

ففي شأن الاختيار الإنساني قررت كليات القرآن حق الإنسان في أن يختار لنفسه ما يشاء بين الحق والباطل، وعرّف الإنسان بعواقب كل خيار ومآلاته.

ولا يعترض هنا بأن الإنسان مسلوب الإرادة بما قرر من عقوبة أخروية لمن أعرض أو عصى الأوامر الإلهية؛ لأن العقاب الأخروي لا يؤثر على إرادة من ليس مؤمنا به ومعتقدا بحتميته، وعندما يكون الإنسان مؤمنا سيجد علمه بذلك العقاب والمصير منَّة أكبر من الحرية التي يتمتع بها الكافر أو الجاحد.

أما في الشأن القانوني، فقررت كليات القرآن حقيقة «لا إكراه في الدين» وبالتالي فصيانة الحرية الدينية مطلب إسلامي وتكليف جاء به القرآن، بل أرى أن الجهاد والقتال في القرآن إنما شرع لحماية وصيانة هذه الحرية وتحرير الناس من أن يتعبدوا بدين ملوكهم أو آبائهم، أو يتبنوا أي عقيدة من غير قناعة فكرية ونظر.

وإذا كان القرآن يقرر أن الإنسان في هذه الدنيا يتمتع بالحرية في أن يعبد الله أو أن يكفر به، ويكلف الرسل وأتباعهم في أن يحفظوا للناس حريتهم في التدين وأن يحرروا المضطهدين كي يختاروا الدين الذي يرون، فإن الحرية فيما هو أدنى من الشأن الديني هي من قبيل ما هو مقرر بالأولى.

فأن يكون الإنسان حرّا في أن يسلم أو لا يسلم، يقتضي أن يكون حرّا أن يختار ما هو أدنى من ذلك من اختيارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لكن كما هو الأمر بداهة في كل القوانين فإن الحرية ليست مطلقة؛ إنما تضبطها قوانين تضمن حقوق الآخرين في أن يكونوا أحرارا أيضا.

وكذلك القرآن إذ قرر أمر حق الإنسان في الاختيار فإنه دعم هذا الحق بالهدي والإرشاد وعزز الإرادة بالإشعار بالمسئولية المترتبة على الاختيار، وألتمس من هذا المعنى أن القرآن يرشدنا إلى أن الحرية لا تنفع الإنسان ما لم يضبطها الفرد بالمعرفة لتكون سندا للاختيار، وبالمسؤولية لتكون ضمانا لحسن الاختيار وعدم الندم عليه.

وبالتالي إن كانت الحرية شرطا ليبدع الإنسان في عمله ويبني تصوراته بشكل جدي، فإن الحرية بحد ذاتها لا تقدم للفرد حلولا أو أجوبة لمشكلاته، إنما هي بمثابة البيئة التي تبدع من خلالها المعرفة ويشعر الإنسان بموجبها بالمسئولية، ضمن هذا الإطار أفهم الحرية كما تتجلى في القرآن الكريم.

{ ما هي برأيك نقاط الالتقاء والاختلاف لمفهوم الحرية من وجهة نظر قرآنية مع مفهومها من وجهة نظر المرجعيات الوضعية الأخرى؟

^ شعور الإنسان بالحاجة لأن يكون حرّا، وضرورة هذه الحرية ليصبح مبدعا وتنسب إليه أفعاله، هو قدر مشترك بين كل المنظومات الفكرية التي تتحدث عن الحرية، لكن مرجعية التنظير لهذه الحرية ستختلف من منظومة إلى أخرى، وبالتالي مساحة الحرية ومداها سيكون موضع اختلاف بحسب طبيعة المرجعية التي ينظر للحرية من خلالها.

فالحرية بمفهومها الوضعي تستند إلى حق الفرد في أن يكون حرّا، وبالتالي فتطور الإنسان وتغير أفكاره وقيمه ومثله ستكون مؤثرة في مساحة الحرية التي هي حق، وسيبقى القانون الذي يضعه الأفراد هو الضابط النهائي لهذه الحرية.

لكن إذا نظرنا إلى الحرية من منظور قرآني وإسلامي، فسنجد القرآن يقر هذا الحق للفرد كمبدأ لا سيما في الشأن الديني، لكن النصوص المقررة لهذا الحق تقترن بالنصح في الاختيار وبيان العواقب والتبعات.

ويتابع القرآن الإرشاد لمن اختار النصح القرآني، وذلك من خلال منظومة واسعة من التعاليم والتكاليف التي تكمل هذا الاختيار، وبالتالي فالمرجعية القرآنية تضبط مسار الحرية بمنظومة من الأحكام التشريعية والفطرية التي تجعل مساحة الحرية مقيدة بقيم ومبادئ أخرى لا تقبل التغيير بتغير الأفراد، وذلك كمنظومة قانونية وتشريعية.

فالطبيعي أن يتطور مفهوم الحرية الوضعي في مساراته المختلفة بحسب ما يراه الناس على أنه حق فردي، وضمن هذا السياق تأتي المطالبة بممارسة الحرية الجنسية مثلا على مداها الواسع بغض النظر عن تناسبها مع الفطرة أو الدين، بل إن التفلسف تطور إلى صيغ ونظريات تمكن من تكريس ما ليس مألوفا على أنه أمر طبيعي يمارس باسم الحرية الشخصية.

في هذا المستوى يصبح الاختلاف جذريّا بين الحرية من منظور إسلامي وبين الحرية بمفهومها الوضعي، ففي المنظور الإسلامي ضوابط الحرية ثابتة ترتبط بثوابت الدين والفطرة.

أما في المفهوم الوضعي فضابط الحرية هو ما يضعه الفرد من قوانين، هذا على مستوى الممارسة، أما على مستوى التصور فالمبدأ في الحرية كحق قضية مشتركة.

وينبغي ألا يفهم من وجود ثوابت تضبط ممارسة الحرية أن القيود التاريخية التي مورست على الحرية هي قيود شرعية أو من الثوابت، فما بين الحرية كمبدأ والثوابت المقيدة للحرية في الممارسة مساحة واسعة تحكمها معايير ومقاصد ومصالح لا يمكن الحديث عنها ارتجالا إذ ضبطها موضع اجتهاد شرعي وقانوني متغير ومتطور.

{ ضمن هذا الإطار كيف نفهم دعوة بعض علماء الدين مفهوم الحرية الدينية والمطالبة بإلغائها؛ لأنها غير صحيحة، من وجهة نظرهم، وقولهم بأن الدين الإسلامي لم يبح فعلا حرية التعبد والاعتقاد وحرية الدعوة؟

^ ليس مستغربا أن ينادي بعض الدعاة أو المشايخ بكف الحديث عن الحرية الدينية وحرية الاعتقاد، لاسيما من ذوي الرؤية الضيقة والنظر القصير الذي يبنى على لوازم تصورات يعتنقونها ويتوهمون تبعاتها، وهذا لا يقتصر فقط على مسألة الحرية الدينية بل يشمل مبدأ الحوار بين الأديان أيضا، ذلك إنهم يبنون رؤيتهم على أن الحوار يعني المساواة بين معتقدات المحاورين، وبالتالي المساواة بين دين الحق وغيره.

وبالنسبة للحرية الدينية يبنى رفضها على رؤية ضيقة لبعض المفسرين والفقهاء تتبنى مقولة نسخ الآيات القرآنية التي تتحدث عن الصفح والعفو والحوار مع غير المسلمين بآية السيف التي نزلت في سورة التوبة وتتحدث عن قتال المشركين.

ويعتبرون سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما سارت في ضوء هذا التحول في التشريع من المهادنة والمسالمة إلى الغلظة والقوة والمحاربة، وعليه فالعلاقة بين المسلم وغيره في ضوء هذه الرؤية هي الحرب إلا في حالة المستأمن أو حالة دافع الجزية من أهل الكتاب.

وهذه الرؤية ـ كما أشرت ـ ضيقة وتعتمد على جانب من النصوص وتؤول الجانب الآخر والأهم، كما أنها تستند إلى المقولة الأضعف في القول بالنسخ في الآيات الواردة في هذا الموضوع، وهي مقولة أرى أنها مستحيلة شرعا، ولا تنطبق عليها شروط النسخ عند القائلين بالنسخ في الآيات، ويعتبر القول بالنسخ بآية السيف لآيات المسالمة والحوار والموادعة نموذجا للتوسع المرفوض في تطبيق مقولة النسخ.

أما ما أراه من استحالة وجود النسخ بين آيات القتال وآيات الصفح والعفو والحوار فيرجع إلى كون موضوع الآيات المدعى نسخها يرتبط بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم التي أدبه الله بها، وكذلك هي صفات أخلاق الأنبياء والتي ينبغي أن يتصف بها الدعاة.

ومعلوم أن جوانب العقيدة والأخلاق الإسلامية لا تخضع لمقولة النسخ عند القائلين به، بل إننا نجد من خلال السيرة النبوية أن هذه الأخلاق لم تتخلف عن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الحروب التي كان يضطر إليها، فهي الأصل في الدين والحرب استثناء واضطرار.

ويدعم ذلك أيضا أن بعض الآيات المقررة لهذه الأخلاق والمبادئ في العلاقة بين المسلمين وغيرهم جاءت تشريعا بصيغة الإخبار الذي لا يخضع للنسخ، وإلا كان نسخ الخبر تكذيبا.

ومعلوم أن أهم آية تتأسس عليها الحرية الدينية هي «لا إكراه في الدين» وجاءت بصيغة الإخبار، وبصيغة تعتبر من أشد صيغ العموم، وهي كلية من كليات القرآن في هذا الموضوع، والذي عليه المحققون وعلى رأسهم ابن تيمية أن هذه الآية عامة غير مخصوصة محكمة غير منسوخة.

وإذا صح هذا الاعتبار فينبغي أن يعتبر أصلا وتفهم من خلاله النصوص الأخرى التي توهم التعارض، بل إن تدبرها يوصل إلى العكس من ذلك وهو التكامل.

فأرى أن تشريع الجهاد إنما هو لضمان وتكريس مبدأ الحرية الدينية، بل هي علة له، فلو أن غير المسلمين تركوا الدعاة الأوائل يحــاورون الناس ويدعــون إلى النظر والتفكر والبحث عن دين الحــق لما كـــان للحـــرب والقتــال مــن مــبرر.

إنما ابتدأت الحروب في الإسلام دفعا ورفعا للظلم ودفاعا عن الحرية الدينية بالخصوص وتكريسا لحق الناس في أن يكونوا أحرارا في دينهم، وأكبر شاهد عملي لذلك موقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

إن النصوص واضحة في تكاملها وانسجام استنباط هذه رؤية القرآنية منها، وكذلك نصوص السنة تكملها وتفهم من خلالها.

أما الرؤية الأخرى في هذه المسألة وغيرها، فيمكن لأي شخص متعصب لرؤية ورثها أو رؤية يبحث لها عن أدلة أن يجتزئ من النصوص ما يعزز رأيه ويؤول ما يخالفه، وقد يعترض علي بالدعوى ذاتها، لكن العودة العلمية للنصوص والصدق في البحث عما ترشد إليه هو الحكم الفصل الذي يريح ضمير المسلم، لاسيما في قضية جوهرية كهذه.

وأيضا أؤكد ضرورة دعوة القائل إلى تصفح السيرة النبوية والنصوص، والإجابة عن حق الحياة الذي تمتع به المشركون بعد فتح مكة، والتواصل الثقافي بين المسلمين وأهل الكتاب في عهد الصحابة والتابعين، حتى أصبحوا مصدرا من مصادر الثقافة التي تسربت إلى المسلمين بل إلى تفسير القرآن نفسه.

وكان ذلك موضوعا جدليّا وخطيرا فيما يعرف بالإسرائيليات، فأين كان أهل الكتاب أولئك الذين كان يرجع التابعون إلى أقاصيصهم، وهل كان الرجل -الذي أسقط عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجزية واعتبرها ظلما له أن كان فقيرا – رجلا لا يستحق الحياة، ولِمَ لم يقتل غير المسلمين من مختلف الأديان في كل بقة جغرافية وصلها الإسلام؟ واستمروا إلى اليوم إن لم يختاروا الدخول في الإسلام، ولو كان الكافر لا يستحق الحياة فلماذا شرعت الجزية؟ أليس في تشريعها دليل على أن الكفر ليس علة للقتال؟.

إن التاريخ شاهد حي على حرية الرأي والتدين، وقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم نموذج هذه الممارسة في حواره مع نصارى نجران في المسجد، فهل يمكن أن يكون الحوار قائما بدون إعلان الرأي المخالف.

ومعروف ما كان يجري في المساجد والمراكز العلمية من حوارات بين المسلمين وغيرهم من مختلف المعتقدات، وكذلك بين الفرق والمذاهب الإسلامية، وبين المسلمين والفلاسفة، وما حصل من توترات فكرية عبر التاريخ لم يكن إلا في سياق هذا الجدل الفكري المستمر.

{ بناء على ما ذكرت لماذا لم تتحول قيمة الحرية، لحالة مؤسسية في المجال العام بالخبرة الحضارية الإسلامية، حتى وإن تحولت بصورة أو بأخرى؛ فإن هذه الصورة كانت باهتة لدرجة أننا اليوم ندرك قيمتها وندرك فداحة تأثير غيابها؟

^ أن تتحول الحرية إلى قيمة مؤسسية في المجال العام أمر يرتبط بمجموعة من المعطيات التي يمكن من خلالها أن يتم ذلك، لكن ينبغي الحذر بداية من الوقوع في الإسقاط التاريخي لقيم حداثية معاصرة على تاريخ مختلف كانت تحكمه منظومة أخرى من القيم.

فحديثنا اليوم عن الحرية وحقوق الإنسان هو صدى لشعورنا بالحاجة إلى نماذج من الحرية التي يمارسها الغربيون في نفس الوقت الذي نرفض فيه نماذج أخرى من الحريات التي يمارسونها.

وبالتالي فالسؤال يحمل تحسرا لعجز المسلمين عن بناء حرية كالتي نراها اليوم لدى غيرنا، وإنه لأمر مشروع أن نتساءل هذا السؤال، لكن قدرا كبيرا من المغالطة غير المقصودة يلفه، فعدم بروز الحرية بالصورة التي نراها اليوم وبهذا الاسم في الحضارة والتاريخ الإسلامي لا يعني غيابها كمبدأ وحق، وهذا النفي لا يعني الضد أي أن التاريخ الإسلامي كان حافلا بالحريات وغياب الاستبداد، إنما الاعتراض هو على آلية محاكمة التاريخ والحضارة الإسلامية إلى منظومة من نسق مختلف.

ولفهم ما حصل في التاريخ ينبغي النظر إلى الموضوع من خلال الرؤية الإسلامية الكلية التي كانت تحكم مسار هذه الحضارة، وضمن مسار هذه الرؤية سنجد إنجازات وانكسارات فيما يمس جوانب من هذه القيم التي نطمح إليها.

ويمكن القول إن الحرية لم تكن على قائمة الأولويات في التنظير والتفكير الإسلامي عبر التاريخ (إلا في بعدها العقدي/ الجبر والاختيار)؛ إذ كانت أساسيات مسألة الحرية مقررة ضمن السياقات التشريعية التي تتصل بها، دون أن يعني ذلك غيابها كممارسة تتسع وتضيق من عصر لآخر، لاسيما في جانبها السياسي، فلم يكن الاستبداد في التاريخ الإسلامي أمرا مشروعا، وإن كان مسكوتا عنه أحيانا لحساب قيم أخرى، فالتاريخ حافل أيضا بالمعارضات السياسية والفكرية، وقول كلمة الحق لم ينقطع في أي عصر.

فالإجابة عن سؤالك تتلخص بأن الحرية كقيمة معاصرة إن كانت مقررة كمبدأ فإنها لم تكن ذات أولوية في مقابل قيم أخرى، ولن تتحول في عصرنا إلى حالة مؤسسية ما لم يتطور تصورها إلى قيمة منسجمة مع الرؤية الإسلامية الكلية التي تتبناها المجتمعات الإسلامية.

ومكانة الحرية في الغرب لم تأخذ مكانها إلا بعد أن تحولت إلى قيمة جوهرية صنعت الوجود الغربي الحديث، وأعادت الاعتبار للفرد كمكون لهذا الوجود، وأصبح الفرد (الغربي) مقدسا ولا يمكن المساس بحريته، فهي حالة حديثة وليدة سياق فلسفي خاص، لكنه قُدِّم على أنه نموذج عالمي.

والمسلمون إذ ينظرون إلى جانب من هذه الحرية المفقودة في عالمهم، والمحتاجون إليها يغفلون عن الجانب المظلم منها والذي هو متاح لهم ومستعصٍ عن التوطن في ثقافتهم، هذه الازدواجية لا يمكن أن تسمح بتحول الحرية كقيمة غربية إلى حالة مؤسسية.

(كاتب سوري)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى