زين الشاميصفحات سورية

لا تتركوا الحصان السوري وحيداً

 


زين الشامي

يمكننا القول ان ما يجري في سورية هو ثورة حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى، لأن ما يجري اليوم من احتجاجات شعبية، صارت تتوسع وتضم الكثير من المناطق والشرائح الاجتماعية، هي الأهم من بين كل حركات الاحتجاجات والثورات التي حصلت في الوطن العربي، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن. لكن لماذا؟ لأن سورية ترزح منذ نحو نصف قرن تحت نظام استبدادي حديدي، ويحكمها حزب شمولي يشبه تماماً تلك الأحزاب وتلك النظم الشمولية التي كانت سائدة في اوروبا الشرقية ثم سقطت في نهاية الثمانينات واوائل التسعينات، واليوم لم يتبق شبيه لهذا النظام في العالم كله سوى نظام كوريا الشمالية. هذا النظام السائد في سورية حكم بقبضة من حديد طوال العقود المنصرمة ودمر كل الحياة السياسية والمدنية التي كانت قائمة في مرحلة الخمسينات حين كانت سورية دولة ديموقراطية، فمع نظام «حزب البعث»، صار مجرد الكلام والتعبير عن الرأي خطراً يكلف حياة صاحبه السجن إن لم نقل الموت، جميع المعارضين قضوا أعواماً طويلة في الغرف المنفردة، رياض الترك الذي وصف سورية بـ «مملكة الصمت» سجن لمدة 18 عاماً، وحين خرج في السبعين من العمر، عادوا وسجنوه عامين ونصف العام لأنه وصف حافظ الأسد بالديكتاتور! المحامي هيثم المالح، أيضا سجن لأعوام طويلة في الثمانينات، ثم عادوا وسجنوه منذ ثلاثة أعوام لمجرد أنه انتقد النظام وتحدث عن الفساد، إلى أن افرج عنه لاحقاً بسبب الضغط الدولي وضغط منظمات حقوق الإنسان ورؤساء دول اوروبية. المئات من المعارضين واجهوا المصير نفسه، مع الوقت استحقت سورية لقب «مملكة الصمت» مثلما كان العراق «جمهورية الخوف» خلال حكم صدام حسين. لكن «مملكة الصمت» هذه، تكمن أهميتها من موقعها الجغرافي، في قلب بلاد الشام وتفصل بين دول المشرق العربي أو دول غرب آسيا وبين اوروبا عن طريق تركيا، كذلك فإن سورية هي الأقرب والأكثر تأثيراً على وفي لبنان، نظاماً وأحزابا ومجتمعاً، كذلك سورية مؤثرة جداً في المسألة الفلسطينية منـذ 1948 وحتى اليوم، وان اختلفت طبيعة هذا التأثير وحجمه. أيضاً فإن ما يحدث في سورية يؤثر على الأردن والعراق. لكن الأهم هو تأثير ما يجري على إيران وموقعها الإقليمي، فكلنا يعرف أنه من النافذة السورية استطاعت إيران أن تدخل وتتدخل في أكثر من بلد عربي لدرجة باتت فيه لاعباً مؤثراً في الحياة الداخلية لهذه البلدان. من ناحية ثانية، وإذا ما كان النظامان المصري السابق، والتونسي، قبل سقوطهما، يحتفظان بعلاقة طيبة وحليفة مع الولايات المتحدة والغرب، فإن النظام السوري قدم نفسه وحاول كسب مشروعية من خلال معاداة الغرب و«الممانعة»، محاولاً اللعب على مشاعر الشارع العربي والإسلامي ومستغلاً مشاعر العداء للغرب وأميركا. كذلك النظام لم يعرف عنه يوماً أنه مشجع للقيم الديموقراطية أو الثقافة الغربية لمعرفته بمخاطر ذلك على استقراره الداخلي، هذا كان من شأنه أن يزيد من عزلة سورية والسوريين عن العالم الخارجي، وعزلة النظام نفسه لدرجة أن العلاقة بين دمشق والغرب، كانت محكومة فقط للمصالح السياسية المتبادلة التي عبرت عن نفسها في اتفاقيات وصفقات غير معلنة كانت تتم تحت الطاولة ومن وراء الكواليس، مثل الضوء الأخضر الذي منح للقوات السورية لدخول لبنان في السبعينات ثم السيطرة عليه مدة ثلاثين عاماً، إلى أن انتهت الحاجة إليه وبعد أن بات دوره مخرباً ومساعداً على الاضطراب الإقليمي أكثر من كونه عامل استقرار. أما عدا ذلك فقد حرص النظام على احداث قطيعة مع مكونات المجتمع السوري وكل الغرب وقيمه الثقافية. ما نود قوله ان طبيعة العلاقة بين النظام السوري والغرب، لم تكن جيدة وعميقة، وفي الوقت نفسه فإنها لم تكن مقطوعة تماماً، أما في مصر وتونس فكانت العلاقة تحالفية وكانت الولايات المتحدة تملك قنوات اتصال مع كل الطبقة السياسية والعسكرية سواء بعلم النظام أم دون علمه، هذا ساعد لاحقاً الثورتين التونسية والمصرية في الوصول إلى نهاية يتمناها الشعبان المصري والتونسي. فعلى سبيل المثال، وخلال حركة الاحتجاجات المصرية، عقد الرئيس الأميركي باراك اوباما أكثر من ثلاثين اجتماعاً مع مجلس الأمن القومي، وطلب المسؤولون الأميركيون من بعض ضباط الجيش المصري ألا يطلقوا النار على المتظاهرين، إلى أن طلب أوباما من مبارك أن يتنحى، كما لو أنه يصدر امراً داخلياً لأحد من حكام الولايات الأميركية، ثم حصل وتنحى الرئيس المصري في اليوم الثامن عشر من الاحتجاجات. صحيح أن حركة الاحتجاجات الشعبية لعبت دوراً حاسماً، لكن الدور الأميركي والعلاقة بين الولايات المتحدة مع مفاصل في النظام، ساهمت في انتصار سريع للثورة المصرية وبأقل تكلفة دموية واقتصادية. أما في سورية، فإن حركة الاحتجاجات ضد النظام الأمني القوي، لا بل الأقوى من الناحية الأمنية في المنطقة، بدت غير مغطاة دولياً، التصريح الأول للرئيس اوباما الذي انتقد فيه القمع وقتل المتظاهرين العزل أتى بعد نحو عشرين يوماً وبعد مقتل المئات من الشبان السوريين بطريقة وحشية. من ناحية أخرى، عمل النظام السوري خلال العقود المنصرمة على بناء شبكة علاقات إقليمية دولية منحته قوة إضافية تضاف إلى قوته في الداخل، فهو حليف لإيران، و«حزب الله» اللبناني وغيره من الأحزاب والمجموعات السياسية، إضافة إلى حركتي «حماس» و«الجهاد» الفلسطينيتين والكثير من المجموعات الإسلامية في العالم العربي، مثل «الإخوان المسلمين» في الأردن ومصر وغيرها، وهو أيضاً صديق لتركيا وفرنسا وروسيا والصين والعديد من دول اميركا اللاتينية. أيضاً فإن خيار السلام الاستراتيجي الذي اتبعه مع إسرائيل والحاحه على المفاوضات معها، مع معادلة حفاظه على الهدوء على جبهة الجولان، جعل الإسرائيليين يرون فيه النظام الأفضل والأنسب من الناحية الأمنية. كل ذلك ساعد النظام في تقوية وضعه الإقليمي والدولي، لا بل ان إسرائيل دافعت بشدة عنه بعد الاحتلال الاميركي للعراق حين تحدث المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية السابقة عن اسقاط النظام في سورية. كل ذلك لعب ومازال يلعب دوراً معيقاً لحركة الاحتجاجات في الداخل، لا بل إن حلفاء النظام العلنيين، مثل إيران و«حزب الله» و«حماس» وربما تركيا، لن يدخروا فرصة للتدخل المباشر من أجل حمايته واستمرار ديمومته، كذلك سيلعب الحلفاء المستترون، كإسرائيل دوراً كبيراً في الغرب من أجل منع سقوطه. هكذا هي ظروف وملابسات ثورة السوريين ضد النظام الأكثر قوة وبطشاً في المنطقة، ستأخذ وقتاً، وستكلف دماً أكثر، وسيكون السوريون وحدهم، لا أحد معهم، سوى الشعوب المغلوبة على أمرها وبعض الأصوات هنا وهناك. وحدهم الشبان بصدورهم العارية سيصنعون زمناً جديداً ويغيرون تاريخ سورية والمنطقة. نقلا عن (الرأي العام) الكويتية

الراي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى