صفحات العالم

لا تحوّلوا لبنان سجناً سورياً


نايلة تويني

المنطق السلطوي الديكتاتوري هو نفسه، وإن اختلفت الوجوه والأسماء. قرأت أمس بعضاً من حديث الرئيس السوري بشار الأسد يقول فيه “إن أي عمل غربي ضد سوريا سيؤدي الى إحراق المنطقة، ولسنا مصر أو تونس أو اليمن”.

أعادني الكلام بالذاكرة الى وزير اعلام نظام صدام حسين الذي كان يحذر “العلوج الاميركان” من الاقتراب من بغداد لأن العدة أعدت لهم. فما كان منه إلا أن هرب مع سيده، ومثله فعل حاكم ليبيا معمر القذافي إذ توعد وهدد، وكاد العالم يصدق أنه حصّن نفسه وجيشه وبلاده بالسلاح والعتاد لمقاومة الثوار أولا، وحلف الناتو ثانياً.

هكذا لا يعتبر الرؤساء العرب من تجارب من سبقهم، بل كأنهم يذهبون الى الذبح عمدا. فالاصلاحات التي يتحدثون عنها وهمية، ومشاركتهم الناس في الحكم شكلية، وأجهزتهم الحاكمة مستبدة، والخيرات المالية لبلادهم محصورة في مجموعة من المنتفعين، والسلطة في ايدي الاقارب من العائلات التي كانت مالكة سعيدة، فإذ بها بين ليلة وضحاها تجد نفسها غير ممسكة بشيء.

قد يكون الغطاء الخارجي، أي الدعم الذي وفرته دول صديقة لسوريا، بل منتفعة من بقاء النظام لضمان مصالحها وحضورها في المنطقة، وفر الاستمرار للنظام الحالي من دون انهيار دراماتيكي كما حصل في تونس ومصر وليبيا، لكن مصالح الدول قد تتبدل وتتضارب وتلتقي، وأمس كان تحذير من اخراج الملف السوري من النطاق العربي الى العالم، أي تدويل الازمة. وقد جرّبنا في لبنان هذا التدويل وعواقبه.

فقد عقدت لقاءات ومؤتمرات في عواصم العالم وتحديدا في لوزان وجنيف، قبل الطائف والدوحة، وتحولنا زمنا طويلا لعبة للأمم مع كل القرارات الدولية التي عالجت أو حاولت أن تعالج تعقيدات الملف اللبناني.

سوريا اليوم تخطو في هذا الاتجاه، فاللجنة العربية لم تحقق غايتها على رغم بعض الكلام الايجابي، وحركتها تبدو خجولة وهي تقوم بواجب ثقيل عليها، فعلى رغم النيات الحسنة لايجاد مخرج للأزمة، إلا أن معظم أعضائها بما يمثلون  وبما لهم من خبرة سيئة مع النظام السوري غير مقتنعين بإمكان التوصل الى حلول مرضية، بعدما سالت الدماء، وأيقظت الأوجاع القديمة مذكرة بالمجازر التي ارتكبها نظام الأسد الأب، في ثمانينات القرن الماضي.

وإذا كانت المتابعة العربية ماضية حتى تاريخه، فالمطلوب منها ايضا ان تتدخل لدى الدول، الشقيقة والصديقة لسوريا تحديدا، لضمان أمن المعارضين السوريين على أراضيها وسلامتهم. فما يجري في لبنان أولا، من خطف منظم لمعارضين سوريين بمباركة من السفارة السورية وبرعاية أجهزة أمنية لبنانية، هو ملف يستحق المعالجة من اللجنة العربية أولا، قبل اللجوء الى منظمات دولية وأممية، لأن لبنان الذي كان الملجأ لكل مضطهد عربي، وخصوصا لكل من ينشد حرية التفكير والمعتقد والانتماء، صار، أو يريدون ان يصيّروه، سجنا كبيرا، ومعبرا لأداة القمع السورية، التي مارست كل أنواع الاضطهاد والتعذيب على اللبنانيين، قبل أن ترتد على شعبها المطالب بتغيير أسوة بكل الشعوب العربية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى